نعيمة اقوية
أنتقي اليوم لحضراتكم سيرة ارتحلت مع تفاصيلها وأنا منهكة من عمل إذاعي صباحا وفي الظهيرة بدأت القراءة بلا عنوان كانت السيرة ومع أسطرها الأولى التي بعثتها لي بعد طول انتظار قررت أن أعنونها (( سيرة قاصة دللتها حكايا الواقع )) فالدلال أنواع وهل يضعنا واقعنا إلا في مواجهة الناس وأنفسنا بالصعاب والمواجع ولكنهم المبدعون لا ينثرون هيادب إبداعاتهم إلا وقد عركتهم الحياة وعصرتهم وأخرجت أقوى وأعمق وأجمل ما فيهم كما قالها الإعلامي الشاعر عبد الله عبد المحسن يوما ( الكتابة معاناة ) ولم أستطع إلا أن أتمها حتى الحرف الأخير وكأنها رشفة أخيرة من قهوتي المسائية تابعوها معنا وستدركون كنه الحكاية مع قصة سيرتها المفصلة دون تفاصيل …
القاصة الصحافية (( نعيمة قوية _ قاصة دللتها حكايا الواقع ))
كنت الفتاة الوحيدة ولدت في بيتنا المتواضع الدافئ ببنغازي 9/1/1974 يحوطني الفن ففي عائلتي محبون وممارسون لفن الغناء والتلحين والرسم والتصميم .. كنت البنت الوحيدة بين تسعة اخوة .. خمسة يكبرونني وأربعة ولدوا تباعاً بعد ولادتي فكنت الأميرة والمدللة من الجميع .. ولكنني بالرغم من كل ذلك كنت أميل للبقاء وحدي..في غرفة اعتبرتها عالمي الملهم على بساطتها…
في هذه الغرفة وعلي ناصية تلك السنوات ولدت في أعماقي عوالم غريبة عوالم هلامية وبجواري وعلى طاولتي كل ما ينكز وجداني مذياع والدي الصغير الذي تنازل لي عنه حين رآني أحب الاستماع للبرامج المختلفة معه…كتب وقصص بأغلفة مهترئة أو بدون غلاف..أعشاب للسعادة مغلية قيل إنها تجفف منابع الشقاء وتقطع دابره موضوعة في فنجال خزفي عتيق تحتفظ به أمي منذ زمن بعيد…موسيقى تنبعث من جهاز تسجيل كيف لا أهيم مع الفنون وانا عمي شقيق الوالد الفنان الرائد للأغنية الشعبية الناعمة بعوده المدندن على أوتار قلبي الصغير سيف النصر قوية .. وجهاز التسجيل أهداه لي أخي بعد أن أعددت له القهوة هو وأصدقائه وكيف لا أهتم بضيوف لفنان العائلة التالي أخي عمر قوية الرسام والمصمم لأشهر جزيرة دوران في بنغازي (جزيرة الجعب ) كما عرفت شعبيا ورسميا جزيرة أنابيب النهر الصناعي .. ويبدو عن كل الذواقة للفنون وممارسيها في بيتي وأنا التي تهاجسني الكتابة الأدبية كانت وسادتي محشوة بالأحلام وفراشي لوحة هزازة تبحث عن التوازن فوق هذا العالم .. فتلمس من حولي موهبتي منذ الدراسة الإعدادية والثانوية في مجال كتابة القصة القصيرة وأسعدتني الجائزة الثانية على مستوى ليبيا لثلاث مرات متتالية وذلك بمهرجان المدينة الثقافي عام 1999 ومهرجان النهر الصناعي عام 2000 والمهرجان الرابع للمواهب الأدبية عام 2001 نعم كنت أمتلئ عذوبة ولهفة وعشقا للكتابة وكان كل ما حولي محفزاً وملهماً حتى أمي وأبي وإخوتي وبنات الجيران كانوا ملهمين.. والجميع كان صالحاً لأن أكتب عنه.. مشاعرهم.. رغباتهم .. نظراتهم سعادتهم وحزنهم ..ثم بدأت أمخر عباب الحياة وأكتشف ذاتي واحتياجاتها.. بدأ الأمر يأخذ مناحي أخرى…صرت أبحث عن بوصلة أحدد بها اتجاهات واضحة وآمنة لحياتي بنفسي فالجميع كان مشغولاً بهمومه ومآزقه …
مع مرور الزمن أنا الآن نعيمة أقوية التي أحمل ليسانس الأعلام (صحافة) من كلية الآداب جامعة قاريونس بعد التخرج مباشرة ..انخرطت بالمجال الصحفي بالمؤسسة العامة للصحافة و بأمانة الأعلام 1997حيث أقيمت العديد من الندوات والمؤتمرات والمهرجانات داخل وخارج بنغازي وأنا أحضر هنا وهناك .
ومن يحفل أن تخربش أنثى خارطة على امتداد العمر الآتي وترحل مترنحة…تحن لأسنانها الحليبية وعظامها الرطبة وملء جرارها بالعسل المتدلي في الأرجاء….ومن يحفل أن يلازمها الخوف من الضياع وهي تسير بلا بوصلة…تمد مخيلتها مائدة منبسطة لقلبها وعقلها تفك عصابة المعميات..فالجمال فكرة والفرح فكرة والحزن وحي يتخذ موضعه من الضوء قبل رفع الستار ليضمن خلفه الإظلام التام فالكتابة تعني لي فرصة أخيرة للحياة..للنجاة من الجنون…الكتابة تخصك بالألم دون سواك وحين يتعثر القلم في يدك فاعلم بأنه يمر باختبار قاسي لجدارته الأدبية هذا يعني بأن عليك أن تقاوم بضراوة انطفاء جذوته …
سألني أحدهم يوماً
كيف تكتبين؟
سؤال هكذا رماه في حضني…
كيف نكتب ؟؟!!
أظن أنه يشب حريق ما .. في حديقة ما .. في زاوية ما.. في قلبك فتشد الرحال إليه.. تهدهد بين أصابعك جمرة وتعود..هذا كل ما في الأمر.
.. وأنا كالكثيرات مثلي .. ناضلت من أجل أن لا يخبو بريق كلماتي وعانيت صراعا مريرا كإمرأة تهوى الكتابة وتمارسها بنهم جعل الآخرين يرونها غريبة الأطوار تنحدر من سلالة الساحرات اللاتي وضعن أيديهن بيد الشيطان وعبثن معه بالعالم..!
دخلت عالم الصحافة فكنت كلما توقفت تعيدني للكتابة بكل هزائمي التي كنت أظنها فتوحات عظيمة أصف الجمل وأزرع المعاني وأوزع الضحكات..وقد أنكئ بضع جراح على شفا التئام هنا وهناك…أو يزيد اللهب في فوهة قلمي حين أشرع في كتابة مقال أو ألهث خلف خبر ولا يصبح لقدميّ موطئ على الأرض وأنا أحلق خلف الاستطلاعات والتحقيقات والمتابعات… وأصير حالمة…حالمة جداً وأنا أجري حواراً يسيل عذوبة مع مبدع أو فنان…فشهدوا ببراعتي أثناء إجراء الحوارات الصحفية مع شخصيات فنية بنغازية مهمة مثل :
الفنان علي أحمد سالم والفنان الراحل أحمد كامل والفنان الراحل محمد مختار والفنانة سعاد خليل والفنان ميلود العمروني الفنان صلاح الشيخي وسيف النصر .. كما العديد من الإذاعيين منهم الإذاعي عمر الجروشي والإذاعية عزيزة عبدالمحسن ومخرج برامج الأطفال الإذاعي فهيم الشريف وغيرهم الكثير…
في ذهني صور كثيرة عن بداياتي الصحفية في بنغازي.. فعملت كباحثة إعلامية بمركز البحوث والتوثيق الإعلامي لفترة من الزمن والحقيقة أن بنغازي مدينة مُحرضة على الكتابة فضلاً عن ممارسة الصحافة فيها .. لقد كنت أملئ دلائى المثقوبة بالأمل أعتمر لملئها نصف ذاكرة مثقوبة كنت أجيد رتق ثقوبها وأمضي في مطاردة طيف فرح مراوغ وأحتضنه بقوة قبل ان ينزلق مني ويهرب من جديد وهكذا دواليك…
التخفي والتستر خلف أسم مستعار ظاهرة ليست جديدة على الأدب وهي من الأساليب التي عمد إليها الكتاب لكي يبوحوا بأفكارهم ويعبروا عن أنفسهم وحتى في أوربا وجدت نساء ورجال نشروا كتاباتهم بأسماء مستعارة .. بالنسبة لي الرقابة الذاتية هي من بنت حاجزاً بيني وبين الآخرين ولايوجد سبب آخر وربما سبب لي هذا التخفي نوعاً من الأنفصام فقد اتهمت بالغموض وبأنني أضيع مفتاح سرداب روحي ولا أجيد تسويق نفسي ودائما أقدمها على أستحياء للآخرين…ولكن التهمة الوحيدة التي سأعترف بها والذنب الوحيد الذي سأقر به هو أنني ارتكبت من أجل هذا الحرف الكثير من الأخطاء والزلات والحماقات وإنني كنت ألتهمه تمثالاً من التمر حينما أجوع للحب وأني أدفن بؤرة النور في أعماقي كلما باغتني الحزن ومع ذلك عمليا كنت أجرأ وقاومت .. فانخرطت بعديد الدورات الإعلامية كدورة إعداد وإخراج البرامج ( تحت أشراف المذيع الراحل عبدالفتاح الوسيع رحمة الله عليه) .ودورة تحرير الخبر بوكالة الجماهيرية للأنباء والدورة المتقدمة في العمل الصحفي بالمعهد الأقليمي للصحافة بمؤسسة الأهرام بمدينة القاهرة عام 2007.
شاركت بالتنسيق والإعداد والتحضير للكثير من المحافل الأدبية والندوات والمؤتمرات داخل مدينة بنغازي وكذلك الندوات التي كان ينظمها مسرح السنابل للطفل والشباب .. وهاانا ذا بين يديكم…إذا تمكنتُ من الوصول إلى قلوبكم أكون قد أستطعت أن أعبر بوضوح عن دواخلي بطلاقة وإذا فشلت فاعتبروها حماقة أخرى تضاف إلى حماقاتي…
تحول شغفي أيضا للعمل الإذاعي مع عملي الصحفي .حيث قمت بأجراء الكثير من التحقيقات الصحفية التي تناولت مشاكل الشباب داخل مدينة بنغازي والتي نُشرت بصحف المؤسسة العامة للصحافة وبعض الصحف المحلية والدولية مثل صحيفة العرب اللندنية كما خضت تجربة رائعة في إعداد البرامج لإذاعيين شرفت بتناولهم أعمالي فكان أولها برنامجا تحت عنوان ( في حضرة الحكيم ) بث على أثير إذاعة بنغازي المحلية في مواسم رمضانية لسنوات متتالية مزجت فيه القصة بالعمل الإذاعي فكان حواريا بين الإذاعية القديرة : عزيزة عبدالمحسن والقامة الفنية الفنان محمد الشوبكي .. أما ( أصل الحكاية ) فكان حكايات بصوت الإذاعي القدير عمر الجروشي بث أيضا في شهر رمضان .. وأتواصل كلما أخذني الحنين ففي رمضان 2024 كانت تجربتي مع ( رسالة إلى جدتي ) وجمعتني بصديقتي عفاف عبد المحسن تقديما للرسائل وأقول أتواصل .. فدلال الحياة لنا لا يطول بل يأتي بمحكات قاسية .. لأن تحولا كبيرا حدث لشخصية وتفكير نعيمة اقوية أشعرني ربما أنضج وربما أكثر خوفا بعد الأمومة والمسؤوليات الجسام .. 8/3/2023 م تاريخ مهم في حياتي ونقطة تحول حادث مروع كنت بطلته تلته احداث وحوداث كثيرة جمعني حادث السير هذا بزوجي وشريك حياتي كانت قصة الحب التي جمعتنا قدرا هون مأساة ماحدث لنرتبط في 9/8/ 2008 م وأنجب بعد محاولات كثيرة باءت بالفشل واليأس والدموع ولكنه تحنان المولى حباني بنداء في 20 / 6/ 2012 م تلك حكاية أخرى أعظم من كل الكتابات التي سبقت كونها غيرت مجريات أيامي وخططي الحياتية ..
بدأت الخطوة المختلفة بعد خمس سنوات من إنجاب نداء فاتجهت لإنشاء شركة صغيرة أسميتها (( النداء الرفيع )) تيمناً بطفلتي نداء لأبتعد عن الصحافة 2018 م وأدير إلى الآن مؤسسة للتعليم الأساسي ( رياض أطفال ) .. وتأخذني أثناء ذلك الدنيا لشاطئ يمه قوي فأقاسي تجربة مرض زوجي وبالصبر والثقة في المولى أمنى بمعجزة شفائه أسأل الله أن يجعله تاماً فقد وضعتني وجها لوجه مع الأدراك الذي أعتبره إشارة من الله بأن عمل الخير الذي رميناه في البحر عاد إلينا في صورة قارب نجاة..
الفصل الأخير في حكاية السيرة .. الفضول .. فهو صفة نسائية والتقصي هواية أنثوية وحب الأستطلاع والرغبة في المعرفة متأصل في الجينات الوراثية للمرأة فالمرأة شديدة التعلق بالأمور الهامشية..فمابالك لوكانت هذه المرأة كاتبة أو تدعي بأنها كاتبة..لذلك قد أكون قاصة بالفطرة ولكنني أيضاً قاصة بالوراثة…فقد تربيت وسط الخالات والعمات والجدات..وقد كانت لي جدة حكيمة جدا ً فحين كانت تشرع في سرد الحكاي بصوتها الدافئ الواهن وتستغرق في سرد التفاصيل واستحلاب الخواطر…كنت أهيم معها حتى يأخذني النوم….
وأخيراً …الكتابة سفر وترحال وحقائب محشوة بالاكتشاف..الكتابة محطات ووجوه وفنادق مزدحمة..منعطفات خطيرة وصفارات إنذار وتسكع داخل جراح الآخرين ورقص على حافة انهياراتهم..وسباحة ضد كل التيارات . ورعشة سمكة فضية قبيل الموت بقليل.
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من New Jetpack Site
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.