امجاور خليفة اغريبيل العقوري
لا ادري على وجه التحديد متى ولدت ، وقتها لم تكن هناك مستشفيات للولادة ، ولا مكتب لتسجيل المواليد ، ولا حتى دائرة للأحوال المدنية .. لكنني رغم كل ذلك ولدت ، ومن المؤكد انه قد ولد معي في ذلك اليوم العديد من اﻷطفال .. والدتي تقول لي عندما اسألها عن تاريخ ولادتي ، كان ذلك في شهر أمنا عيشة ، ربما في منتصفه او بعد ذلك بقليل .
أبي رحمه الله الأكثر دقة من والدتي والذي تعلم في مدارس الطليان بمنطقة ابومريم حتى الصف الرابع ثم ترك الدراسة حتى يتفرغ لرعاية الغنم وحرث الأرض كان يقول لي : لقد ولدت في أواخر الخمسينات لا ادري بالضبط متى لكنه من المؤكد كان قبل زلزال المرج ، وعندما كنت أحاول ان اشحذ ذاكرته واحفزه على التذكر ، كان يقول حياتنا كانت متشابهة ليس فيها ما يميزها ، أيامنا كانت لا اختلاف بينها كأنما هي تكرر نفسها دون أي ملل ، وليالينا حالكة الظلام إلا من سراج ينيرها او بدر في لحظة اكتمال ، فكيف تريد لي ان احدد لك يوم مولدك ؟ من المؤكد يا بني انك ولدت بعد رحيل الطليان واندحار المحور واﻷلمان ومن المؤكد أيضا ان ولادتك قد حدثت بعد اعلان امارة برقة وتنصيب الملك ادريس والذي لا اشك فيه ان مجيئك للدنيا كان بعد رحيل جدك بعام رحمة الله عليه .
” ليس المهم متى ولدت أو متى أموت المهم أنني بينكم الآن “
لا أذكر من طفولتي شيء ، فقد عشتها متنقلا من مدينة ﻷخرى ، درست السنوات اﻷولى والثانية اﻷبتدائي بمدينة المرج ومن الثالثة حتى الخامسة بمدينة طرابلس وتحصلت على الشهادة اﻹبتدائية من مدرسة الزاوية المركزية ﻷعود بعدها إلى بنغازي التي أكملت فيها المرحلة اﻹعدادية والثانوية .. ليس من المهم متى ولدت ولا متى سأموت…المهم انني أعيش بينكم اﻷن وامارس هوايتي المفضلة.. الكتابة !!! علاقتي باللغة العربية لم تكن جيدة ، فقد فضلت عليها المواد العلمية من رياضيات وفيزياء، لكن هذا لم يمنعني من القراءة التي احببتها منذ صغري .. ادمنت القراءة للعقاد وطه حسين وتعلمت منهما كيف تكون الكلمة معبرة وقوية ، أحببت كتابات الصادق النيهوم وحرصت على اقتناء كل أعداد صحيفة “الحقيقة” التي كانت تنشر مقاله الأسبوعي
من النيهوم تعلمت كيف تستفز القارئ وكيف تشده و تجعله رغم انفه يكمل قراءة ما كتبت رغم اختلافه معك ، تعلمت منه كيف تكون ساخرااا
ومن خليفة الفاخري عرفت كيف يمكن للكلمة ان تكون بكل تلك العذوبة والجمال ، حتى انني اعدت قراءة كتابه “موسم الحصاد” اكثر من مرة .. امنت دائما بان هناك رأي اخر يجب ان يحترم وان الحقيقة لا يمكن احتكارها .
الكتابة .. لدي تأخرت كثيرا رغم انني امتلكت الملكة منذ صغري ورغم أنني طورتها عبر قراءاتي المختلفة .. ربما ما منعني من الكتابة المبكرة هو المناخ الثقافي السائد الذي لم يكن صحيا دائما.
أذكر ان أول ما كتبت كان مقالة عن المكان وخصوصيته في الكتابات الأدبية .. نشرته صحيفة أخبار بنغازي .. وكان حول تلك اﻷماكن التي كانت تميز كتابات الكثير من اﻷدباء .. مثل الحارة في روايات نجيب محفوظ والصحراء في ادب إبراهيم الكوني والبحر عند الأديب حنا مينه و محمد العمامي وهمنجواي ..اذكر أيضا مقالة ساخرة نشرتها جريدة الفجر الجديد بعنوان الصفر … كان ذلك قبل ان تقتلع العاصفة أوتاد الخيمة وترمي بها بعيدا مقالات محددة تعد على أصابع اليد الواحدة .
بعد ان عاودت صحيفة الحقيقة الظهور مجددا بعد أحداث 17 فبراير بدأت رحلتي الحقيقية مع الكتابة عبر عشرات المقالات التي تعرضت فيها لكل شيء من سياسة وفكر ونقد.
كتبت :
* شهريار الليبي
* نبؤه هيرودوت
* ابكيك يا وطني
* هل تحررت ليبيا
* الثورات العربية الى اين
* دولة اﻹخوان
* نهاية دولة اﻹخوان
* متى تثور المرأة
* الديمقراطية والإسلام
* هل الإسلام هو الحل
* جدل الديمقراطية
وكتابات نقدية أخرى :
في ذكرى رحيل النيهوم
التجربة عند الفاخري
نقد رواية تلك الليلة
نقد رواية ذاكرة الجسد
نقد رواية التبر
والكثير غيرها من المقالات… وحتى لا يكون ما اكتبه مجافيا للحقيقة .. فإن ما كنت أكتبه من تناول لأعمالي اﻷدبية لم اعتبره يوما ما نقدا .. بل لم يكن في نيتي ان اكتب نقدا… بل كانت مجرد قراءة عميقة للنصوص تهدف الى استكشاف تقنيات الكتابة لدى الكاتب .. كل ذلك احترامي العميق لإبداع الكاتب الذي لا يجوز ان نميزه إلى غث وثمين وجيد وردئ على طريقة القدماء في نقد شعرائهم .
ولنا مثال في الشعر الحر الذي تمرد على بحور الخليل وما تعرض له من معارضة ونقد من كبار الادباء كيف اصبح اليوم شعرا له مكانة مميزة
ومثال اخر حي هو قصيدة النثر والقصة القصيرة جدااا التي اصبح لها مبدعوها ومتتبعيها
باختصار شديد النقد في اعتقادي ليس اصدار أحكام بقدر ما هو دراسة لكشف بنية النص…ولقد فعلت هذا بوضوح عند نقدي لرواية اديبنا عبد الرسول العريبي تلك الليلة و رواية أحلام مستغانمي ذاكرة الجسد وفي غيرها من الدراسات النقدية لعديد النصوص.
ربما سيرة حياتي كانت ستكون مختلفة لو قدر لي ان ادخل الجامعة ﻷكمل دراستي في إحدى كلياتها…لكن تصاريف القدر لا تستجيب ﻷحلامنا دائما فقد ساهمت ظروف كانت سائدة وقتها في تغيير مسار حياة الكثير من الشباب وانا من بينهم .
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من New Jetpack Site
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.