تجود الأرض بأحجار كرّمها البشر لندرتها وجمالها، فاتخذوها للزينة والتفاخر طيلة عشرات القرون، ومنها أحجار تسببت في حروب، وأريقت بها دماء، وتسابقت دول لامتلاكها. تصل أسعار بعض الأحجار الثمينة إلى أسعار خيالية، فربع قيراط (50 مليغرام) من الألماس الأزرق الداكن يقدر بحوالي 75 ألف دولار، أما حجر التافيت فيبلغ سعر الغرام منه 20 ألف دولار.
لكن يوجد في العالم حجر لا يتجاوز قطره 30 سنتيمترا، لا تُقدره أثمان ولا يحسب بمال ولا يقاس بقناطير الذهب المنقنطرة، لأنه حجر من السماء كما جاء في سير الأولين، أن الرسول ﷺ قال إن الحجر الأسود من حجارة الجنة
ذكر الحجر الأسود في قصيدة تُنسب لأبي طالب عم الرسول ﷺ، يذكر فيها بعض المكونات المقدسة للحج والكعبة الشريفة، وما في ذلك من إجلال وتبجيل عند العرب، يقول أبو طالب فيها:
وبالحَجَر المُسودّ إذ يَمسَحونَه .. إذا اكتنفوهُ بالضحى والأصائلِ
وموطِئِ إبراهيمَ في الصخر رَطبة .. على قَدميه حافيا غيرَ ناعلِ
وأشواطِ بينَ المروَتين إلى الصفا .. وما فيهما من صورة وتماثلِ
تبيّن تلك القصيدة أن للكعبة وحجرها الأسود قداسة سبقت ظهور الدعوة المحمدية، وكانت ضاربة في التاريخ منذ آدم عليه السلام، حتى أن الرواية الإسلامية ذكرت أن آدم لما هبط من الجنة، أصابته وحشة عظيمة وشوق شديد إليها، واشتد ولهه بها، فأنزل الله تعالى الحجر من الجنة ليستأنس به ويخفف ما به من الشوق إليها.
“نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن”
تجمع أغلب الروايات الإسلامية على مسألتين، الأولى أن الحجر الأسود مصدره الجنة لا الأرض، والثانية أن نزوله للأرض صاحَب نزول آدم وحواء إليها.
وقد جاء في كتاب “تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي” للمباركفوري، أن الحجر الأسود هو في الأصل ياقوتة من الجنة؛ وذلك في حديث الترمذي عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن، فسوّدته خطايا بني آدم.
ثم قال المباركفوري نقلا عن الرسول ﷺ: إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله نورهما، ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب. ويُقصد بالركن الحجر الأسود، وبالمقام مقام النبي إبراهيم عليه السلام.
وينقل المؤرخ أبو الوليد الأزرقي عن ابن عباس أنه: ليس في الأرض من الجنة إلا الركن الأسود والمقام، فإنهما جوهرتان من جوهر الجنة، ولولا ما مسهما من أهل الشرك، ما مسّهما ذو عاهة إلا شفاه الله.
ويُذكر أن محب الدين الطبري قال محاججا بعض الملاحدة الذين سألوا: كيف تُسوّد الحجرَ خطايا أهل الشرك، ولا يبيّضه توحيد أهل الإيمان؟ فكان جوابه أن في بقائه أسودَ عبرةً لمن له بصيرة، فإن الخطايا إذا أثّرت في الحجر الصلد، فتأثيرها في القلب أشد.
تقرير نقلته المنصة عن الجزيرة الوثائقية
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من New Jetpack Site
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.