بقلم عفاف عبد المحسن
قال بعض الشعراء الشعبيين :
نوصيك ياطالع الجو .. ابنى على الصح ساسك
وياحارث الشوك من تو.. تشوف العجب فى دراسك
وياحافــر حفرت الســو .. ماتحفــرالا قياســك
ومن بعض ماكتب الشاعر حمد هليل بو زينب :
جميع ما خلق مولاي في تفصيله
موجـــود غــير الوقت له تبديــله
ماسك قابا .. وموجـــود غـير الوقت له نقـلابه
لا الـزرع يقــطع كان تمَّا صابــه
ولا السعي في عامين ينجم جيله
إن زان الولد يرجاك للتبيـيـته
وما خـذا شــواهيَّه ودار عـزيله
وْهالوقت يـانــا فاهمــين قضيته
الصادقه اتطيح وْتبتني العليــله
وإحدى الشواعر ناصحة كتبت :
من ماء وطين يا اللي بقدرتك ناشيني
وكاتب الشقاء ع الناس والبحبوحة
وكاتب أحـداث العـمر فـوق جبـيني
وسنـينـي اللي بارادتـك ممـنـوحـة
واحييتني وبعدما تميتني تحييني
في يوم كل حد يقرأ اللي في لوحه
خافض لك جناح الذل رافـع عيني
لك يا السامع مـن رفـع لك لوحـه
من شـر نفــسي صـونني واعـفيني
وارزقني بتوبة صـادقة ونصوحة
ومن وسوسةْ وسواس مو خاطيني
احفظني وعني باعده م السوحة
ولدرب العــبادة والصـلاح اهـديني
وابعدني علي درب الخطا وميوحه
واجـعلـني نتمـمهن فرائـض ديـني
بنفس راضية ولطاعتك مشروحه
” إن من الشعر لحكمة ” صدقت يارسول الله .. صلى الله عليك وعلى آلك وسلم تسليما كثيرا ..
إدريس السنوسي قال حكمة شعرية سجعية قصيرة :
راه القدر ينقاله قدر … أمغير هاتلك من إيقيمه
وراه الغدر ينقاله غدر .. وضربة الغافل جريمه
وإن كنا قارئنا العزيز سنأخذك هنا لمدينة الشعراء إجدابيا إلا أننا سنعـرج بـك قبـلا لمسارب عـدة قبل الولـوج لفحـوى المعنـون … ( اجدابيا ملهمة الشعراء ) لمقتضيات التسلسل الموضوعي الضارب في القدم الممتد من عهود عربية قديمة بين مانعرفه لغة عربية فصحى وهي في الأصل اللغة الشعبية لمناطق ومدن تنوعت وتعددت اللكنات عند المنطوق اللساني لكل حرف وكلمة حتى أصبحت لهجات شعبية عَوْدٌ على أن اللهجة هي مايلهج به اللسان وشعبية تعود على المناطقية الشعبوية ماتميز كل شعب شكلا ومضمونا وحتى لسانا .. ولا غرو أن تنوع اللهجات منذ القدم أدى إلى تنوع المنطوق في الأدب الشعبي عامة والشعر خاصة .. وذكرت المنطوق لأن القبائل باختلاف بيئتها اختلفت لهجتها مع كونها جميعا كانت تتحدث اللغة العربية وهي الدارج الشعبي قديما لكثير من القبائل في المنطقة العربية خاصة قبل اكتشاف علم النحو الذي صحح كثير من المعاني المرادة وعلم التنقيط أيضا الذي قرب وسرّع معرفة الكلمة وعدم التخمين حتى حدوث الاتساق الجملي وصولا إلى جملة متكاملة وصحيحة ومراميها في الموضوع .. إذن رب العباد الحكيم وهب قدرات إبداعية لبعض عباده وإن تحدثت الآية الكريمة عن الشعراء ولكنه عز وجل استثنى منهم المؤمنين الاتقياء في قوله عز وجل : بسم الله الرحمن الرحيم (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم ترَ أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرًا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) صدق الله العظيم ..
قرأت بحثا أدبيا علميا تأريخي للدكتور قريرة زرقون نصر سأورد ما كتبه لاحقا ( دون تصرف مني ) من أسباب أذكت النزعة الشعريَّة بهذه المدينة بالذات في ليبيا التي تتسم كل مدنها ومناطقها بمن يقرضون الشعر الشعبي من رجال ونساء ورواة له .. شباب وحتى أطفال وأعتقد جازمة أن عددهم يكاد يصل لأكثر من نصف سكانها .. لأن الشعر الشعبي أو لنقل الأدب الشعبي عامة (( غناوة علم _ شتاوة _ قصيد _ والقذاذير( أي ما يتغنى به الجلام في موسم جلامة الغنم وماتغنيه بطريقتها طاحنة الحبوب على رحاها حيث تسري نفسها وخاطرها أثناء العمل ) _ والترجيب أي هدهدة الطفل _ والمجاريد وإن كانت قصيدة لكنها تكتب لتقال بطريقتها المميزة عن غيرها من ألوان الأدب الشعبي )) إذ كان أسلوبا تربويا تارة وترفيهيا أخرى وحتى ترويحي للمعالجات النفسية كما كان بالنسبة لليبيين تأرخة لمناطق وأحداث ومواقف ولموروث تناقل شفاهة وتوثيقا مكتوبا من بعد عبر أحقاب عديدة ضاربة في القدم .
كتب الدكتور قريرة أسبابا عدة لتتميز اجدابيا بمدينة الشعراء الملهمة لهم والمنجبة لأكثرهم .. تخيرنا بعضها الشامل والقريب من موضوعنا ” دون تصرف ” :
الحادي عشر : كانت تتوسَّط أشهر المعتقلات الإيطالية في كل من المقرون والعقيلة والبريقة ومرادة . والتي نقلوا إليها ضمن من اعتقلوا أشهر شعراء البطنان والجبل الأخضر وضواحي بنغازي مما كان لهم الأثر البارز في سجالاتهم الشعريَّة ومردوداتهم الوصفيَّة لمعاناة الأسر ، وأهوال الاعتقال وجور الأعداء التي كان أبرزها قصيدة (ما بى مرض غير حبس العقيلة ) للشاعر الكبير رجب بوحويش المنفي التي ذاع صيتها إلى يومنا هذا واسترسلت ردود الفعل إزائها خاصة بهذه المدينة ، ونظمت قصائد تضاهيها في وصف المعاناة التي كابدها المعتقلون على يد الطغاة الفاشست، ومن أشهر المشاطرين لهذا الشاعر الكبير ندُّهُ الشاعر موسى الحايل المغربى (أتبعه بهامش للشرح)
الثاني عشر : سوء أحوال سكان هذه المنطقة وقُراها ، وتفاقم معاناتهم في العهود الغابرة حيث لا موارد ولا مداخيل يعولون بها أسرهم وقد أثر ذلك في تعابيرهم وإفصاحهم عن أحوالهم العسيرة التي لا يوجد آنذاك الوقت إلا الشعر الذي يصف ما يحيط بهم من بؤس وشقاء وهو بمثابة التقارير الصحفيَّة في وقتنا الحاضر . ولقد كان الناس في مختلف العصور والأزمنة ينزلون الشعراء منزلة مستشاريهم وقادة جيوشيهم ..
الأدب الفصيح كان شعبياً قبل مجيء نخبة من علماء العربية الذين قعدوه، أي وضعوا له قواعده النحوية ، ومن هؤلاء العلماء: أبو الأسود الدؤلي (69هـ) ، الذي وضع علم النحو بإشارة من علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – بعدما سمع الأقوام من غير العرب الذين دخلوا الإسلام حديثاً يلحنون في القرآن الكريم، فأبو الأسود الدؤلي فرق بوضع علم النحو بين الفعل والفاعل والمفعول به، وكذا فرق بين المبتدأ والخبر، ووضع علامات الإعراب من ضمة وفتحة وكسرة وسكون، وكذا شدة وتنوين، وتلاه نصر بن عاصم الليثي (ت 89هـ)، الذي كان له قصب السبق في وضع النقاط على الحروف، فقد كانت الكلمات تُعرف من سياق الجملة، فمثلاً تُكتب كلمة (متاع) و(مُباع) دون نقاط ( مـاع ) ، الأمر الذي يدخل القارئ في دائرة التخمين والترجيح، فبوضعه النقاط على الحروف استوضحت الكلمات، وانتهى الترجيح في العبارات ، وأصبحت الألفاظ ذات مسارات وقواعد ثابتة، ومن بين هؤلاء العلماء الرواد نذكر الخليل بن أحمد الفراهيدي (170هـ) ، والجاحظ (159هـ) وغيرهم . ( انتهى الاقتباس ) .
الأدب الشعبي كما قديما سمي في البلدان العربية بعدة مسميات النبطي ، الزجل والملحون، الأدب الحساني، وكذا يسمى في مصر بالزجل ، وفي ليبيا العامي . الشعبي . المحكي . الغنائي وفي بلادنا لكل صيغته وتركيبته الأدبية المختلفة وحتى صوره وأخيلته التي تميزه كما يتميز بها شعراؤها .. واجدابيا ملهمة الشعراء المنضوية على شاعر في كل بيت دون مبالغة وإن لم يكن فرواة لم تكن المعتقلات وحدها هي من ولدت فيهم البذرة الفطرية مع الظروف المحيطة وشظف العيش والوقوف في مواجهة المستعمر فقد دخل الشعر في كافة المشارب الحياتية .. وقبل أن نتعرف على هذه المشارب ذكر أن ندا مهما للشاعر الفقيه بوحويش إبان فترة الاحتلال الإيطالي لليبيا خرج من بيته وفي أسرته نفسها مجموعة من الشعراء معه هو المناضل الشاعر موسى حُمُوُده الحايل من قبيلة المغاربة فرع الشامخ بطن أولاد علي ، عرف بلقب القاضي لمكانته في الشعر التي جعلت الشعراء يلجئون اليه، لتحكيمه فيما ينشأ بينهم من خلاف في المجالات الشعرية وغيرها .. مولود في العام 1937 وأقام
في عدة مناطق قريبة من اجدابيا هي العقيلة وبشر والنوفلية أما من برز كشاعر أيضا من أبناء العائلة فهم :
عبد الجليل حموده _ وعبد ربه حموده شاركوا جميعهم مع أبناء قبيلتهم بمعارك ضد الغزو الإيطالي .. كمعركة (بئر بلال، عرق السبط، الكيراونه) التي قال فيها قصائد رائعة وثقت لبطولات المجاهدين ..
صار يوم في بلال .. عرق السبط يشهد
رسم سوق حبسك .. إلي صارلك في العقيلة
عرق السبط يشهد على اللي جاهن
ويشهد على اللي ما قدر يدناهن
يشهد على اللي طايح
ويشهد على اللي ف السقايف ذايح
م اللي حسّهن يرعب ونيله فايح
اللي دخنهن يرقى لكبد سماهن
يشهد على اللي عرّم
ويشهد على اللي وين تاقن خرّم
من حاش امتلص ماعاد وجهه برّم
واللي يستحن شاطت النار معاهن
نهار مرّ ياما فشّ من متورّم
اللي ف الرخا طارب علي ملقاهن
يشهد على اللي قـدّم
ويشهد على السالم وع المتعدّم
منين الحفير على التريس تهدّم
ومنين السبيب بكاس الموت اسقاهن
ماخاف من منشر وكور يخدّم
حيا الله حيا الله ع اليار سفاهن
لم يغفل اللغز في الأدب الشعبي حيث كانت المسامرات الليلية وتواقيت الفراغ سببا مهما لتداولها والتسلية المحتوية عددا من الأفكار ذات الطابع الذكي وكذلك الماتع مع كسر الفراغ بطريقة مثرية لا مهدمة .. مثل :
** ـ أبيضْ من الشاشْ مَغسولْ وطَالعْ طلوعْ الرياسه وأخضر من الخَزَّ مبلولْ ويصفار كيف النحاسه ويسواد من كثرة الهولْ وبالشَرعْ ينقَّصْ راسه .
( عَرجون النخلة وأطوار حياته )
** اخفَافها فردات من طَابونه وعيونها حَبَّات من زيتونه
( النَاقه )
** أربع دحَادحْ والدَحدحيه وبيضا ترادحْ وساكْ القطَّنشْ أمطَّنشْ كراعه .
( من أجمل الألغاز وأهمها صورة وبلورة .. وحل اللغز الرشادات التي توضع عليهم الطَنجره ـ الطنجره ـ عجينة البَازين وسط الطنجره ـ المَغرف الذي يُسبك به البَازين ).
إذن لم ينضوي الأدب الشعبي فقط على الشعر المنغوم المنظوم ولم تستلهم الشعراء هناك في مدينتهم الأحزان والاحتلال والفقر والمعتقلات فهذه حكاية وفاء أو تذكر لماضي فيها من الحنين مايثلج الصدر ويعطي العبر للمتتبع سير الأولين وعلاقتهم بالأرض والمرعى والثروة التي شكلت ردحا من حياتهم وغنيمة تغنيهم عن الاستجداء وفخروا بها هكذا كانت الحكاية التي انتقلت إلى قصيدة تتناقلها الأجيال :
والقصيدة نظمها الشاعر غيث القرقعي ابن اخت بطل الحكاية التي بدأت ببيت مطول هو صدر القصيد بكامله ( ماضي الملتفتين شور بعضهم ..خطر في املاقاهم ورق غرضهم ) .. إذن هي التفاتة كانت بين الحاج امراجع عبد الجيد القرقعي
التقطت هذه الصورة للحاج امراجع عبدالجيد القرقعي خال الشاعر يقطن بطل القصة منطقة بشر وقيل إنه يبلغ من العمر مائة عام .. ذهب إلى المرعى يتفقد جملا من جماله قيل له إنه بالليبي ( امسكر ) يعني حازن أو مكتئب وجاءت المشهدية التي تهز مشاعر المشاهد العادي فكيف بالشاعر الممتلك أدواته وللحاج امراجع معزة خاصة في نفسه لكونه خاله .. ذاك الجمل حزين والحاج مسن يسير الهوين وعلى وجهه علامات الزمان جاء الجمل وارتكن جانبا من وجه الحاج والتفت إليه الأخير وكأنهما يتناجيان يتشاكيان باللهجة الليبية ( اجمل جا في ركن الشايب والتفت والشايب التفت شوره وكانت صورة وكائنهم يحكو مع بعضهم ) نعم التقط الشاب لخاله صورة في تلك الأثناء ( في الهامش مشاركة شعرية للقصيدة ومرفق الصورة ) ولم يقف هنا بل كتب قصيدته :
#الشاعر_غيث_القرقعي ساردا تناجيهما الصامت :
(( ماضي الملتفتين شور بعضهم
خطر في املاقاهم ورق غرضهم ))
وهي الحقيقة … املاقا رفيق وجاء اصداف رفيقه
تبهيت ملتفتين مالتشويقه . حتى كي شكع لفلاش ما غمضهم
ويسلم اللي صور هذيك الليقة . نين عالعقول العامرات عرضهم . صور املاقه ما ايطول دقيقة . عرب واجدة هيضة بحر هيضهم . ماضي الملتفتين جيب سريبه . ما اوعيت فيه ابصدق نين انجيبه . لكن الصوره هي اللي تحكيبه
ماضي الحاضر فيه ما عوضهم . تهايالهم طيبة زمان الطيبة
اياماً وجار الجار ما يقرظهم . وتهايالهم بارق خبط شابيبة
في وطن عشري هو دواء لمرضهم . وتهايالهم كي جوه بام اجنيبه . لقيوه كيف ماضنوه لمريضهم . وتهايالهم نازل هذيك الصيبة . اللي مالنقايص حافظه حافظهم . فريق هله كانوا يختشوا مالعيبة . جنب لضعيف و عالعدو مغلظهم
كم وجه طيب فيه طال الغيبة . لا اغتاظ منهم عمر لا غيظهم
تهايالهم عيشة دلال و هيبة . علي عكسها واقع رهيب فرضهم . و حضرة جناب الكبر من توكيبة . اتقرقيض بايد يا ولد قرقضهم . ***
البحر بجماله وغموضه وتاريخ الصالحين المروا من هناك وثبتوا للحضارة الإسلامية وللأدب اللغوي .. الشعر لون الأدب الذي تموسق وسهرات الأفراح والمسرات صاحبتها الطبول والمعازف الصاغت ألحانا ليبية أصيلة بأصوات أطربت أصحاب القصائد فكونوا مع الفنانين الشعبيين ثنائيات كان لها تأثيرها كما فعل الشاعر ابن اجدابيا ( أنور الشاغري ) والشاعر الشاب ( طارق العرفي ) وأذكرهما كنموذج للشعراء الشباب وهم في اجدابيا كثر أولئك الضاربة جذورهم في عمق أرضهم متشبعين موروثهم الثقافي وأصالتهم .. فكتب كلاهما أجمل قصائده بإلهام البحر تارة وازدحامات المرور تارة أخرى وثالثة في ليل سكن فيه الناس واستكانت الطبيعة وظل الشاعر يستحلب كلماته بمخاض قصيد يتغلغل الأرواح ولم يتناقل شفاهة بل لأنهم من عصر التقنية ذاعت أعمالهم عبر صفحات الفيس بوك وحين صيغت الكلمات أغاني بأصوات طروبة شاهدها المئات عبر اليوتيوب .. هامت الكلمات عاطفة للمحبوب وأخرى للوطن فكتب طارق العرفي وهذا جزء فقط من عمله .. شعرا يتغزل بنصر الوطن وجمال مدينته وأضوائها التي حل بها الإعمار بعد برهة من الزمن عاث فيها أعداء الإنسانية فسادا ..
هاذوم هلك ياوطن قاعدين .. لاجل الشرف والكرامه
ماشي والله رايدين .. إلا الحق يعلن اعلامه
وفي منحى آخر كتب يشكر الإبداع الفني لممثلين أجادوا ماقدموا مع الكاتب فتحي القابسي وهو مسلسل التف حوله الليبييون مشاهدة وتحليلا للرسائل فيه .. وعبر شاشة رمضان لهذا العام توقع المشاهدون أنه الجزء الأخير وهو كشاعر صاغ لأبناء اجدابيا مدينته كلمات تحثهم على المزيد وتحيي ماقاموا به من جهد بفن لا يقدم الإسفاف ولا الهرج المفرغ من هوية ورسالة مجتمعية فقال لهم في بعضها :
شهادة ابدعتوا كلكم جملية .. ومعاكم نسينا الهم والتنكيد
ابداع الحقيقة .. مانلاقوا زيه ونريدوا الكاتب كم جزء يزيد
عطيتوا رسائل واجدات قويه .. بتمثيل فكاهي الهم يحيد
رسائل حقيقه ماهن خفيه .. واضحات مايبن انسان يعيد
جابن مواقف قبل مي محكية .. جابن ظروف الحرب والتنكيد
…………………………………
والي له نظرة من العرب دونيه .. كيف هالرسايل فهمهم مايجيد
إذن لم تتوقف اجدابيا عن إنجاب الشعراء الذين لم يتوانوا عن الكتابة في كل غرض ومعنى مدحا ومشاركة ومعارضة وهجاء وتأرخة لملاحم جهادية وأخرى إعمارية بل وكونوا تلاحما منسجما مع المطربين الشعبيين ليصل العمل الشعري بشكل متكامل مغنى فتحفظ القصيدة ويعرف عبرها الشاعر والمطرب وما تحرك وجدان شاعر بقصيد إلا ستحرك الكلمات فنانا تؤثر فيه الكلمة الممعنة ليصيغها جملة لحنية فتغنى وتخرج لحيز الوجود وعادة ما يتلقف ابناء اجدابيا أعمال بعضهم البعض ..
ولأننا تحدثنا آنفا عن كافة أغراض الكتابة دعوني أختتم ما بدأت بغرض مهم هو مدخل فعلي لكل الأغراض الشعرية الأخرى .. إذ في الأصل العواطف هي المحرك للمشاعر فكيف بمشاعر الحب وما يلحقها من عواطف جياشة : وأسترشد بعمل للشاعر المرحوم عابد بوخمادة في الغزل ..شعرا في الوصف والتشبيب :
عالعين وين مايخطرعزيز الغايب .
ايجي الدمع ذايب
اتقول فاقده فزعت اجواد قرايب
يانسوم سلملى ، للشاعر : عبدالله بوالروين.
يانسوم سلملى على غالينا
انتَ اتهبّ من غربه وهو شرقينا
سلام مودّه على من تقول هلال دورة خدّه
جماله اللى مابا يحودد حدّه
خذا عقولنا واحنا بلاهن جينا
خرم توبتى منه نفضت الشده
حرّك هواجس فى هواجس فينا
وربما اختلف القديم عن الحديث في عصر التقنية وسرعة إيقاع كل شيء حولنا حتى المشاعر وبالتالي طريقة الكتابة عنها وفيها :
تعال شوفني وكلك نظر ..
شوف كيف تعبني السهر ..
شوف. حيرتي في. عز عز الليل ..
وشووف دمعتي هللي مغير اتسيل ..
وشووف خاطري كيف انكسرر ..
ليس هذا فحسب ما ألهمته اجدابيا المدينة المتجذرة في القدم والمتجددة عصرنة ومحاكاة للزمن والتطور لشعرائها وفنانيها فهناك أنواع أخرى من الشعر الشعبي تختلف في ألحانها وطرق تناولها ربما لم أتطرق إليه آنفا فقديما لم تكن الحياة صاخبة ليتلهى المرء بأشياء مختلفة .. بساطة العيش جعلت من الناس ينظمون الكلمات وإن كانت مثلا شعبيا هو حصيلة تجربة حياتية كاملة .. ضمة قشة عبارة مقننة محددة بكلمات تقال بصوت عالي تأتي بالمضمون ولا تسهب قد تصور حكاية كاملة عبر كليمات يالهذه القدرات الأدبية للشعبي المتناقل والمحفوظ في مدينة صاغت كلامها العادي شعرا وسجعا على لسان أهلها صغيرهم قبل كبيرهم وتتوارث الشعر قيمة وفي شعرائها قامات عرفتهم ليبيا وستذكرهم الأجيال . أبناء إجدابيا حينما يتغنون بمدينتهم الملهمة دائما ما ينسبون خبرتهم وعلمهم بقولهم ( ألسنا من نسل الأجدابي .. ) وبالبحث عن هذا القامة اللغوية أختم مبحثي الصغير هذا بالتعريف به : فهو (( أَبُو إسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بنُ إسْمَاعِيلَ بنِ أحمَدَ بنِ عَبدِ اللهِ، اللَّواتي، الطَّرابلسيُّ، اللُّغَويُّ، المَعْرُوفُ بابنِ الأَجْدَابيِّ .. سُمِّي بذلك نسبةً إلى أَجْدَابِيَة، وهي بَلْدَةٌ في شمالِ إفريقيا، في ليبيا، بين بَرقةَ وطَرابلسِ الغَربِ وكان أبو إسْحَاقَ الأَجْدَابيُّ رحمه الله من أهل اللُّغَة المشهورين، وممن تصدَّر في بَلَدِه، واشتَهَر بالعِلْم بالعَرَبِيَّة وكان له أدَبٌ وحِفظٌ، ولُغةٌ وتصانيفُ، ويَدٌ جَيِّدَة في اللُّغَة وتحقيقِها وإفادتها مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب((كفاية المتحَفِّظ)) -وهو كتابٌ صغيرُ الحَجمِ، كَثيرُ النَّفعِ-، وكتابان في ((العَرُوض))، وكتاب: ((الأنواء)) تُوفِّي نحوَ سَنةِ سبعين وأربَعِ مِائة . **** الأدب الشعبي المستلهم عن هذه المدينة له عمق أجيال تتلمذت على أجيال فلم يكن فقط الشعر الشعبي بل والفصيح وغيره من الأدبيات وهذا بعض من منهل كبير سلسبيل اسمه ليبيا التي لم نعرفها ونحن أهلها كما يجب وآن الأوان لكي نريها للقادمين كيف هي بأعيننا بكل مدنها ولا سيما اجدابيا ملهمة أبنائها ( الشعراء . والفنانين ) .
_______________________**
شاعر المعتقل الفقيه بوحويش 1876 _ 1950 // كيف وصلت قصيدة مابي مرض لنا الآن بكامل أبياتها ؟
وردت القصيدة في مصادر عدة وأهمها كتاب (ذكريات معتقل العقيلة ) للمجاهد المرحوم ابراهيم العربي الغماري الصادر عن مركز دراسات الجهاد الليبي ضد الغزو الإيطالي وأدرج الحكاية كما كانت بينه والفقيه بوحويش
من داخل معتقل العقيلة فكتب : التقيت بالمجاهد الفقيه رجب بوحويش فبادرني قائلاً يا إبراهيم مر بي خاطر ليلة البارحة فنظمت قصيدة إذا تجد ورقة وقلما أمليها عليك .. فذهبت إلى المكتب الخاص بسجون المعتقلات وكان الموظف به يدعى محمد المصدور وهو رفيقنا سابقا وطلبت منه ورقة وقلما وعدت بهما للفقيه رجب الذي أملى عليّ قصيدته ذائعة الصيت .
_ من هو رجب بوحويش الملقب بشاعر المعتقل ؟
هو رجب بوحويش مواليد عام 1876 شاعر ليبي اسمه رجب أحمد بوحويش من قبيلة المنفة الليبية ولد في أرياف طبرق وحفظ القرآن الكريم وكان يجيد القراءة والكتابة ونظم الشعر ساهم من خلال شعره في تصوير كفاح الشعب وجهاده ضد الغزو الأيطالي ومن أشهر أشعاره ملحميته النضالية المعدة وثيقة تاريخية مهمة «مابي مرض غير دار العقيلة»
ما بي مرض غير دار العقيله .. وحبس القبيلة ..و بعد الجبا من بلاد الوصيله مابي مرض غير حد المكاد … وشوية الزاد … و ريحة اللي مجبّرة بالسواد الحمرة اللي وين صار العناد ..عناتها طويلة… لها وصف ماعاد تاجد مثيله ما بي مرض غير واجد مرايف.والحال صايف .علي عَكْرمَة والعَدَم والسّقايف وحومة لفاوات عزّ العطايف .. حتي وهي مْحِله.. تربِّي المهازيل جلَّه خويله مرايف علي عكرمة والسراتي .. اللي هن مناتي
نشكرن ان كان طلتهن في حياتي عليّ وين يخطرن
ننسي اوقاتي دمعي نهِله .. زواعب علي لحيتي سال سيله
_ من قصائده المشهورة أيضا «إن كان تنشدو نحكي لكم عن حالي» وبوحويش توفي في مدينة بنغازي عام 1950 م تقبله الله بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته وفي جراب رحلته الحياتية عديد القصائد المهمة ألأخرى وأجمع جمهور المؤرخين والقراء أن قصيدة العقيلة من اروع و اجمل ما قيل في الشعر الشعبي الليبي عن اهوال ما عاناه الليبيون في معتقلات الاحتلال الايطالية .. وبعض أبيات إن كان تنشدو تقول :
_ وفي ذات السياق النضالي لبوحويش ايش حال برقة تقول :
سلامى على غوش الاحباب الغالى اللى العقل مـا يـزها بلاهـم يـوم
اللى هـم زهـاى وعـزوتى ودلالـى .. ركابه عريض الصدر عالى السوم
طعاميــن للضايـف الــزاد الغــالـى .. ضرابيـــن للعايب نهـار الشــوم
انكــان تنشدوا نحكيلكم عن حــالى .. المولـى كريـم يروف عالمظلـوم
مــع جــون غـربنـا ثمــان ليـــــالى .. دايــخيــن مـا رينـا لــذاذه نـــوم
رمــانا علـى نـقطـه نبــاها عـالـــى .. غـربـى البريقـه واسمهـا معلـوم
علـى قـوز غـرده والرفـاف خـوالى .. لا مـال لا صاحـب عليـه انلــوم
وبن قـاديـر ياخـذ كـل يـوم سـوالـى .. وانكان غبت يلزمنى جزا معلوم
وكـم قـرزلـى باسواطهـــم عـوالـــى .. سـايقينهـا الظـالـم مـع المظلوم
يـــا الله يـــا سامـك سمــــاه العـــالى .. ونـور اركانــه بالقمـر ونجــوم
نجـع المنيــف ترجعــــه ع الحالــى .. لا لهم على غيرك عتب لا لوم
وانــت اللـى تقـدر تـولى الـــــــوالى .. الا حكم غيـرك ما يريـد يـدوم
وانـــت اللى تقــدر تــرد الجالـــــــى.. لوطنه وما يجرن عليه همـوم
والله امفيت حكمــك شى ما يطرالى .. حتى لو استعدولى جميع الروم
وصلاه عالرسول بها ختمت سـوالى .. صلاة بها فوق الصراط انعوم
اللهم صلي وسلم عليك يارسول الله
صورة التقطت وعرضت على الفضاء الأزرق فاستهوت وحركت وجدان شعراء كثر نلتقط هنا أكثر من مشاركة لقصة صورة الحاج امراجع صاحب الأعوام المئة من عمره المديد مع جمله ( المسكر ) الحزين استكمالا ومساهمة في قصيدة ابن اخته الشاعر غيث القرقعي _ مشاركة الشاعر الكبير/ خليل بو كريبة العوامي :
خطر ماضيهم .. ايام الدﻻل وربنا عاطيهم .. السيد والجمل مانيش غابي فيهم.
.قدام السدايد في عفاء ﻻحظهم .. وريت نجعهم و البل تحوش عليهم
و ما عمر شي طرقي مشا قارضهم .. ( ارعيضات ) ما ودك امغير اتجيهم .
. الخمس البيوت اجواد كيف بعضهم .. ويا انويرتي على يجي غازيهم
ايبات عالندم خاسر اللي واخذهم .. وﻻيم عليا (غيث) قال اطريهم.
اصحاب وخواﻻً لي مانرفضهم
أما الشاعر جاب الله النعاس .. فقال في مشاركته للقصيد وهو من سكان النوفلية :
ماضي الملتفتين شور بعضهم .. خطر في املاقاهم ورق غرضهم
املاقا امعا نضرة ابها ذكرهم .. الماضي و رفقتهم اسنين سفرهم
و قول مرحبه في نجع مستبشرهم .. وين اشرفو قدو الاثنين لحظهم
و راقو ابجيتهم و من جاورهم .. اللي عمر ما والي ابعيب قرضهم
و اليوم الزمان ابكبرهم صادرهم
مؤلفات الإجدابي : المتوفي بعد سنة 1077. برز في العديد من المجالات، مثل الفقه الإسلامي، وعلم الكلام، واللغة العربية، وعلم الفلك. عاش كل حياته في طرابلس وتوفي ودفن هناك. تتلمذ على يد علماء طرابلس في عصره، واشتهر بطلبه لمقابلة العلماء الذين يأتون لطرابلس أو يمرون بها قادمين من المشرق أو من المغرب، واكتساب المعارف منهم، وعندما سئل عن كيفية اكتسابه لكل هذه المعرفة التي هنده، أجاب «لقد اكتسبت المعرفة من هوارة وزناتة» مشيرا لاسم البوابتيين الرئيسيتين لمدينة طرابلس كفاية المتحفظ وغاية المتلفظ. العروض الكبير. العروض الصغير. شرح ما آخره ياء مشددة من الأسماء. مختصر في علم الأنساب. مختصر نسب قريش. الأزمنة والأنواء.
الرد على أبي حفص بن مكي في تثقيف اللسان. (( إنتهى ))