د. علي عبيد
قعر النخلة هو جذعها الذي يلامس الأرض، والكتابة بجذع نخلة كناية عن تبسيط المبسط، حتى لا يعود من الممكن توضيحه أكثر. محاولة التبسيط تجرنا إلى مفارقات كثيرة في حياتنا لا يمكن فهمها بسهولة.
رغم أن التطور الهائل لتقنية الاتصال في القرن الواحد والعشرين قد فرض علينا الاطلاع تقريبا على كل ما يجري من أحداث في هذا العالم العجيب ومعرفة تفاصيلها، ورأينا من يقود العالم، ولماذا اكتسب القيادة دون غيره. ورغم أننا اقتنعنا على مضض أن أسلافنا (نحن العرب والمسلمين) ناموا نومة أهل الكهف منذ خمسة قرون على الأقل، ولم يأخذوا بأسباب الرقي والتطور؛ ومنها الاهتمام بالعلوم التطبيقية أسوة بما يسمونه العلوم الشرعية، فتردوا في مجاهل الانحطاط والتخلف، مع معرفتهم بنوايا القوى الأوروبية الصاعدة التي كانت تتحين الفرص للانقضاض. ورغم أننا قاسينا بعد ذلك من بطش وصلف وغرور المستعمر الأوروبي ودفعنا ثمنا مرعبا للخلاص منه، وهو أمر يمكن أن يتكرر في أي وقت.
مع كل ذلك يصر الكثيرون منا اليوم، كما أصر بعض أسلافنا قبل قرون، على تجاهل عوامل مصيرية مرتبطة عضويا برقي مجتمعاتنا وتقدمنا في رحلة صراع الحياة. الكتابة بقعر نخلة أملت العوامل التالية:
الديمقراطية ليست نظام ترفي ابتكرته البرجوازية الأوروبية لتتباهى به أمام العالم. هي تحديدا نظام لإدارة المجتمع طورته معاناة الإنسان وآلامه وصراعه مع الاستبداد عبر قرون طويلة، وهي لا تتناقض مع الإسلام كما يدعي شيوخ الجهالة، بل لولا استبداد بني أمية لكن السبق للإسلام في التأسيس للديمقراطية، فقد كانت الخلافة الراشدة أقرب إلى فكرة الدولة الديمقراطية من أي تجربة سابقة بما في ذلك تجربة أثينا. الديمقراطية بالتأكيد ليست مثالية؛ لكنها أفضل نظام سياسي ممكن. لأنها تشكل خطر حقيقي على أنظمة الاستبداد ظهر من يناصبها العداوة؛ فمن قائل أنها كفرية، ومن قائل أنها دجل، ومن قائل أنها لا تصلح لمجتمعاتنا. أما الذين يتباكون على المستبد، أياً كان هذا المستبد، فأقل ما يمكن أن يقال عنهم أنهم غير أسوياء.
الإسلام منهج يرسم للإنسان الطريق لحياة سعيدة في الدنيا قبل الآخرة، أساسه المودة والتراحم والمحافظة على كرامة الانسان، يحث المسلم على احترام أخيه المسلم مهما تنوعت الأفكار والاجتهادات واختلفت المشارب، وهو السور الواقي من غول العولمة، والمحافظ الأول على الهوية. كل المتنطعين والمرائيين وأصحاب الطهقة الذين تنوء كواهلهم بوزر الحقد والبغض والكراهية لبني البشر هم في الواقع لا علاقة لهم بروح الإسلام، مهما اكتسبوا من المظاهر الدينية أو أدّعوا وجادلوا في تفاصيل التفاصيل. هذه مسلمة لا تحتاج إلى تقعر فيما قال الشيخ فلان أو علان، الإسلام هو المحبة، فإذا كنت حقودا فأبحث لك عن إسلام آخر..!
العلم والبحث العلمي والطموح الفردي والمجتمعي هو الذي يصنع التقدم والرقي. الحياة لها قوانينها وحري بنا أن نفهمها جيدا، ومنها قانون تنازع البقاء والبقاء للأفضل. إذا أردنا التقدم الحضاري فلابد من الاجتهاد والمثابرة في ساحة البحث العلمي والتطوير، والعلم هنا ليس التطبيقي فقط بل حتى العلوم الإنسانية لها دورها، وأهمها علم الاجتماع الذي يساهم في تطويع منظومة القيم المجتمعية لصالح التقدم. البحث العلمي يعني تحويل الجامعات من مركز للتعليم التلقيني إلى مراكز للابتكار والابداع والاختراع، ويعني أيضا الاهتمام بالموهبين والمبدعين وإقامة مؤسسات تختص برعايتهم وتطوير قدراتهم.
القبلية هي الطريق الأقصر والأكثر فعالية لتفكيك المجتمع وتفتيت الدولة. القبيلة صنعتها ظروف ما قبل الحضارة بغرض حماية الفرد عندما لم تكن هناك قوانين ولا مؤسسات. هذه الحماية تفرض على الفرد أن يقدم في المقابل الولاء التام دون نقاش. من هنا برز التعصب القبلي، وتحول مع الزمن إلى سلوك آلي يستدعيه أبسط موقف تتعرض فيه القبيلة أو أي من أفرادها للاحتكاك بالمحيط. الولاء القبلي لا يقضي عليه إلا نشر الثقافة على نطاق واسع، وتأكيد سيادة القانون، وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني.
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من New Jetpack Site
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.