تعتبر معاناة المهاجرين في أوروبا قضية معقدة ومؤثرة تعكس تحديات متعددة الأبعاد تواجهها القارة العجوز .
رحلة الهجرة في حد ذاتها تكون مليئة بالصعوبات، إذ يواجه المهاجرون تحديات تبدأ من مغادرتهم لبلدانهم الأصلية بحثًا عن الأمل في حياة أفضل، وتستمر عبر رحلات محفوفة بالمخاطر إلى أن يصلوا إلى وجهاتهم النهائية.
ولكن عند وصولهم إلى أوروبا، تبدأ رحلة المعاناة الاخرى ليجد المهاجرون أنفسهم في مواجهة سلسلة من التحديات الجديدة، في مقدمتها العنصرية وصولا الى سوء ظروف المعيشة في المراكز التي تأوي المهاجرين وفي الكثير من الأحيان تنشب مواجهات يروح ضحيتها الكثير من المهاجرين.
اندلاع شرارة العنصرية في بريطانيا
إثر مقتل ثلاث فتيات في عملية طعن في 29 يوليو الماضي، اندلعت أعمال عنف غير مسبوقة في بريطانيا بعد انتشار معلومات مضللة حول هوية الجاني المزعوم، أفادت بأن المشتبه به طالب لجوء مسلم، في حين أنه مراهق يدعى أكسل روداكوبانا (17 عاماً) وُلد في كارديف لعائلة تتحدر من رواندا ذات الغالبية المسيحية.
ولم تسلم المساجد ومراكز إيواء المهاجرين من أعمال العنف هذه لمدة فاقت الاسبوعين.
وإثر تعهد الحكومة البريطانية اتخاذ إجراءات صارمة بحق المتورطين في أعمال الشغب العنيفة، أوقفت السلطات أكثر من ألف شخص خلال الأسبوعين الماضيين، وأدانت الكثير منهم بالسجن ووجهت لهم تهم التحريض على الكراهية والعنف، بما في ذلك مستخدمي الإنترنت الذين شاركوا منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.
ووجهت السلطات رسميا اتهامات إلى 575 شخصا على الأقل، وأدين أغلبهم بالقيام بأعمال عنف والتحريض على الكراهية عبر الإنترنت وحُكم عليهم بالسجن، فيما لا تزال تنظر في قضايا موقوفين آخرين قبل محاكمتهم.
كما صدرت أحكام قاسية بالسجن على الأشخاص الذين يقفون وراء منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي تدعو إلى التعرض للمهاجرين.
إصابات مهاجرين برصاص شمال فرنسا
وفي فرنسا رصدت الجمعيات العاملة في مخيمات شمال فرنسا، زيادة في حالات العنف بين المهاجرين في المخيمات ، حيث يعيشون في ظروف مأساوية في ظل “سياسة عدم استقبال المهاجرين” التي تتبعها السلطات. وخلال الأسبوع الماضي.
وقالت الجمعيات في بيان إنه تم تسجيل إصابة ثلاثة مهاجرين سودانيين
في ثلاثة حوادث إطلاق نار منفصلة، مشيرة إلى أن سياسة “عدم استقبال” المهاجرين التي تتبعها السلطات وظروف الحياة الصعبة في مخيمات شمال فرنسا، توفر مناخاً من التوتر والعنف يدفع بالمهاجرين إلى ارتكاب الجرائم أو يجعلهم ضحايا لشبكات تهريب البشر.
مواجهات مسلحة بين مهاجرين أفغان وسودانيين
فيما قالت من جانبها السلطات الفرنسية إن هذه الحوادث مرتبطة بصراعات داخلية بين المهاجرين، لا سيما المهاجرين الأفغان والسودانيين.
وحسب وسائل إعلام فرنسية فان مهاجرين سودانيين أصيبا بالرصاص في كاليه (شمالا)، صباح يوم الأحد 11 أغسطس الجاري. وعثر على الشابين في مكانين مختلفين يبعدان خمسة كيلومترات عن بعضهما، وتم نقلهما إلى المستشفى من قبل رجال الطوارئ.
وأصيب المهاجر الأول، وعمره 18 عاماً، في فخذه، وتم نقله إلى مستشفى بولوني سور مير. أما الثاني، والذي يبلغ 16 عاماً، فقد أصيب في ركبته، ونقل إلى مستشفى كاليه.
وصرح المدعي العام غيريك لو براس، أن هذا الحادث يتعلق بصراع بين المهاجرين السودانيين والأفغان. وقال “إنها نفس القضية، لأن هناك تطابقا في الوقائع وترتيب حدوثها”.
وفي حادثة منفصلة وقعت مساء الأربعاء الماضي، عُثر على رجل سوداني مصاب بطلق ناري في ساقه على جانب طريق “مارديك”، بالقرب من مخيم “لون بلاج” للمهاجرين شمال فرنسا.
وفتحت الشرطة التي كانت متواجدة في المكان تحقيقاً لتحديد الظروف الدقيقة للحدث، لا سيما وأنه لم يكن هناك أي شهود على الحادث، فيما لم يرغب الضحية في التحدث لوسائل الإعلام المحلية.
وفي بداية شهر فبراير، أعلن مكتب المدعي العام في دونكيرك شمال فرنسا، أن مهاجرا قتل بالرصاص وأصيب آخر بالقرب من مخيم “لون بلاج”.
وقالت شارلوت هوتيت المدعية العامة في دونكيرك لوكالة الأنباء الفرنسية في حينه، إن رجلا توفي ليلا “نتيجة إصابته بطلق ناري”. وشرحت أنه عُثر عليه حياً، على حافة الطريق السريع في بلدة غراند سانت، ثم نقل إلى المستشفى وتوفي هناك”.
وأضافت “بحسب العناصر الأولى للتحقيق، فإن هذا الرجل كان يقيم في مخيم للمهاجرين بالقرب من المكان الذي عثر عليه فيه”، مشيرة إلى أن شخصا ثانيا كان يسكن في هذا المخيم أيضا، أصيب بجروح لكن حياته ليست في خطر.
في السنوات الأخيرة، كثرت التقارير حول حالات القتل والعنف داخل مراكز الإيواء في أوروبا، وقد تسهم ظروف الإيواء السيئة، مثل الاكتظاظ وسوء الإدارة، في زيادة التوترات والصراعات بين النزلاء، مما قد يؤدي إلى حوادث عنف مميتة.
وتبقى معالجة هذه القضية تتطلب اهتماماً عاجلاً وتدابير إصلاحية شاملة لضمان توفير بيئات آمنة ومراقبة فعالة في مراكز الإيواء، بالإضافة إلى تعزيز المساءلة والحماية لكل فرد يسعى للهروب من الصراعات والاضطهاد بحثاً عن حياة جديدة.
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من New Jetpack Site
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.