” يجود بالنفس إن ضن البخيل بها . والجود بالنفس أقصى غاية الجود “
” الخيل الحرن ساقن رحيل الغالي .. وخيلنا جوايد ضالعات حفايا”
القراء الأعزاء ( لجواد _ وكتبتها كما تنكق بالليبي ) .. الأجواد هم أهل الجود ، وأصحاب المفاخر والشهامة والنخوة والشجاعة ، وإغاثة الملهوف ، والوفاء ، والعفو عند المقدرة ، والحلم ؛ فإن الإسلام الحنيف عندما أشرقت شمسه على الجزيرة العربية جب ّ كل ما قبله إلا هذه المكارم والخصال الحميدة ، فأبقى عليها ، وحسّن بعضها ، وحرم كل مذموم لا يتصل بهذه الصفات الحسنة ؛ وقد قال رسول الخير – صلى الله عليه وسلم – : ” المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكُم من يخالل ” ، وفي الأجواد يقول أيضاَ : ـــ ” إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر ، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير ، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه ، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه “ .. فالأجواد هم مفاتيح الخير .
أصحاب الكلام اليوم كثر لأن أكثرهم من الشعراء فهذه الكلمة بمعانيها الجليلة التي كما أسلفت بداية الكلام كانت من صفات وأعراف الجاهلية وثبتها الإسلام صفة نبيلة يتصف بها العربي المسلم كما ورد عن رسول الأمة الإسلامية عليه الصلاة والسلام .. وردت كلمة ( لجواد) في التراث الشعبي بصيغة الجمع ، ولا توجد بصيغة المفرد ، بل إن المفرد اشتق اسمه منهم ؛ فنقول : ولد لجواد ، أو اجوادي ، أو بنت اجواد نسبة إلى الجمع . وقد ترد بألفاظ أخرى تحمل نفس المعنى ، مثل الاجاويد والمسامي والسمايا ، حيث وردت هذه المسميات في أكثر من أثر شعري ..
من أشكال الجود السعي مع صاحب الحق لاسترداد حقه ، وهو الجود بالوقت والراحة في سبيل نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف ، وهو مع هذا الجود بالنفس ، لأن الشجاعة من الجود ، يقول الشاعر مسلم ابن الوليد:
“يجود بالنفس إن ضن البخيل بها .. والجود بالنفس أقصى غاية الجود “
ويعلمنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “إن اللهَ كريم يحب الكرماءَ ، جواد يحب الجَوَدَة ، يحب معاليَ الأخلاق ويكره سفاسفها ” ..
ومن أصحاب الكلام أيضا الشاعر المرحوم ( رجب بوحويش المنفي ) ـ في قصيدته الشهيرة ما بي مرض قال : ” مابي مرض غير فقد المسامي ” . وعكس ( لجواد ) في الفقه الشعبي هو ( الانذال ) ، أو ( الالياش ) في جنوب وغرب ليبيا . .. والتراث الشعبي في ليبيا لم يغفل ذكر الاجواد والخيرين ، بل جعلهم قبلة الأنظار والأسماع ، وعدد مناقبهم وخصائلهم ، بل وجعل الجود وأهله أساس الملك والرفعة في أي مجتمع .. فقيل :
” الجيدة والجود ولجواد .. ثلاث انداد ..عمار ابلاد ..ان غابن عنها غاب الزاد”
ولكن ماهي صفات الأجواد في التراث الشعبي ؟ يقول الشاعر ( عبدالسلام بوجلاوي ) :
امواير (بمعنى علامات) ولد لجواد لك نوصفها ان خالطك تلقى عليــه دليل:
( وماهو الدليل ؟!)
كان حدث صدق وان كان عاهد وفـّى ويشيل الصلايب فوق حمل ثقــيل
وفيه ان برم بسياسته تصفـّـى … ان خاضت وحاست حوسة البنتيل
ثم ماذا ؟
معلاقه رقيق يطيح وين اتهفّــــــــــا إن تمت الريح امصادرة الرحيـــل
شديد عزم لا يضعف ولا يتهفّـــــــا ويصمد امام الدايلين يديــــــــــــل
وان كان دال لايحقد ولا يشفّـــــــى ويرحم إن جاه عزيز قوم ذليــــــل
إذن .. كتب العربية والقواميس اللغوية وكتب التراث قالت كثير وعميق الكلام عن معنى الأجواد والجود .. وفيها .. اشتقت كلمة الاجواد في التراث والشعر الشعبيين من كلمة الجود ، ويقول الشيخ الطاهر الزاوي – رحمه الله – في القاموس المحيط : ” الجواد : السخي ّ ، وتجمع أجواد وأجاويد ، والجَود بفتح الجيم : المطر الغزير ، وعين جؤود : ــ كثيرة الدمع . أما في قاموس الرائد لـ(جبران مسعود)ــ ، فإن الأجود هو الأكرم ، وتجمع أجاويد .. لكن كلمة ( لجواد ) في العاميّةّ الليبية تعني أكثر من ذلك بكثير .. فهي كلمة جامعة لكل خصال الخير .. وهي ليست الكرم وما يدور في فلكه ، بل هي تعني فيما تعني الذي يجود بماله ، ويحسن إلى جاره ، ولا يقابل الإساءة بالإساءة .. وقد يقابلها في العربية كلمة الخيّرين الطيبين ذوي النخوة والشهامة ، فالجود بحر لا ساحل له ، ولا تحده معانِ ملموسة ، بل هو الخير كله ..
الشاعر لبعج بوعدوان – رحمه الله – فإنه يصفهم قائلاَ :
روس العرب هابه علي موالهــــــم ما يفعلوا ف الجار حاجة اتعيبهــــم
اثقال في وجوه الخيل يوح اثقالهــم يزّابو علي لفخار راغب رغيبهــــم
واللي طاح شالوه وقتاَ أومالهـــــــم في توامج النيران امصبّي سبيبهـــم
وساعة ادراه الكبد يرسن اثقالهــــم وقنو عدو مهدود من تصليبهــــــــم
وان قالوا معاك اقوال يوفن قولهم وروس العرب ممنون من طيب طيبهم
ويصفهم الشاعر( فرج الشيخي ) في قصيدة طويلة منها :
لو تنتصح تسمع كلام الفاهــــــــــــم وتاخذ خبر لجواد وموايرهــــــــــم
اللي وين ما تبقى نزيل احذاهـــــــــم تعيش في دلال وبالفخر تذكرهـــــم
طعّامة الخايف وين قاصد جاهـــــــم وقولة يساره حجّة اصغّيرهــــــــــم
ويحموا الخايف وين جا لجباهـــــــم فزّاعة ايفكوا الواعرة موعرهـــــــم
على اثر العصر ربي الجود عطاهم علي كل حد صاعب اخشوش بحرهم
** أما الشاعر( محمود احميدة بو منيار) فهو يقول :
لجواد هم لجواد ف الكرب والرخا زينين زان الوقت والا شــــــان
لجواد عند الكرب في وان الـــردا ديدارا على المكروب والشرقان
طعّامة الضيف وين للغاشي لفـا لقولة يساره يندروا انــدران
إلى أن يقول :
ويقولو الذهب والتبر سعره لاهوا سومه يعادل م الحديد اطنــإن
وخلي اخلاطك دوم ف اطوال العنا يقولوا اختار الخال للجذعـإن
ولجواد جودة وجود وصفاوة نقا ان جاورتهم مالك الا الاحســــإن
** ويقول صاحب أو صاحبة الكلام في ( القذارة ) :
كبيرة الرّحــــيّ ما ادشّش وكان دشّشت جا انخالة
ومن ذيل العرب لا اتعشّش راه الولد كيف خالــــــه
وأخيرا .. يذكر رواة معارك الجهاد ، أن شيخ الشهداء ( عمر المختار ) بعد عودته من إحدى المعارك ظافراَ ، أمر أصغر رفاقه بالغناء ، فسأله وماذا أقول؟ فأجابه الشيخ ، قل : ” اجواد ضابطين الخيل .. علي وطنهم ما هادنوا ” .
تحرير – عفاف عبدالمحسن
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من New Jetpack Site
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.