وسلامي علي أصحاب الكلام ..
ملامي علي الي يسمعه ومايديربه
إلا هم حيين ولا ميتين ..
يرحمهم الله عقبولنا ورث خاطرين به
قال فيه وعنه صاحب الكلام اليوم وهو الشاعر وجامع التراث المرحوم عبد السلام قادربوه في كتابه مقاعد اصحاب الصوب .. كان من عادة البادية السماح للبنات والشباب الجلوس لتبادل أحاديث مفيدة من شأنها غرس الحكمة في البنت زي الشاب ومستوى الذكاء والخبرة ومستويات الحفظ للموروث المنقول شفاهة تلك الفترة .. إذن كان النقاش وتبادل الأحاديث في الشعر والألغاز والحكاوي بحيث تكون الجلسة كالتالي : البنت المقصودة ببيت الجلاس جالسه مع صويحباتها من وراء ستار .. أي أن بيت الجلاس من حيث شكله – لا يختلف عن اي بيت عادي وان اختير له – في بعض الاحيان – مكان منعزل عن بقية بيوت النجع ,أما بالعادة فإن بيت الجلاس لا يختلف عن البيت الخاص بالأسرة ويفصل بستار يسمى(الحجبه) حيث تجلس خلفه الفتيات كي يشعرن بالراحة أثناء تبادل الحديث مع الشبان … وهناك مسمى آخر لبيت الجلاس هو ( بيت الجذعنه ) الجذعنة مصدر والاصل جذع في الواقع الإنساني يعني شاب وجمعها جذعان اي شبان والجذع في الحقيقة اليافع من الإبل فيكون قوي صلب مرتدع البدن .. وأيضا يطلقون عليه ( بيت السلطنة ) .
صاحب الكلام يستمر في تعريفنا بالأمر وكأننا في جلسة زمننا الحديث اليوم مايعرف بالصالون الأدبي .. وفي التفاصيل يستطرد قادربوه الشاعر والمؤرخ التراثي والكاتب المسرحي والغنائي قائلا :
والمعروف قبل بداية السمر , يترك الأب والاخوة البيت ولا يرجعون إليه إلا بعد الانتهاء من السمر وذهاب الشبان .. كان من عادة الباديه أن يسمحوا للفتاه بأن تقابل الشباب وتناقشهم وتتبادل معهم الأحاديث والشعر والألغاز ، حيث تكون جالسه مع صويحباتها خلف ستار يفصل البيت الى قسمين ويسمى ( الطقاق ) أو ( الحجبه ) وهناك من أقيم لها بيت خاص لمثل تلك اللقاءات يطلق عليه أسم ( بيت السلطنه ) أو ( بيت الجلاس ) وقد يفتتح الشاب الجلسه بهذا النص الذي يوجد من نوعه بضعة نصوص تختلف بأختلاف وضع كل من الشاب والفتاه ، ودرجة تعارفهما ومدى ما وصلت اليه علاقتهما :
خطرها يا بنيه شراها بجيه .. مفيت التخاريف ما نريد غيه
ومغير عالوجوه أدور العين ما لها صاحب غلا
واتريدك لهن ساهاي لنظار ياعلم وين غونن
واتريدك لهن داجاي لنظار يا علم وان الخوا
واتريدك ان صار الصوب تبقى من محاريك الوفا
واتريدك ان صار العيب تبقى من محاريك الهدا
واتدير زاويه فالصوب خساره علي شيل الثنا
يقول النص ان الشاب فاضي مش مرهون ومش مرتبط بعلاقة عاطفية وشرح الشاب للفتاة حالته العاطفية سيمكنها من اختيار الاسلوب المناسب للرد عليه .. ويعتبر تصرفه متحضرا جدا كونه أعطاها نبذه عن نفسه وهذا مايحدث أو كما يذكرون ( هذا الي يسير ) في التجمعات البشريه من تصرفات لائقه .. مع ذكره الصفات الي يتمنى ان يجدها في فتاة احلامه كالوفاء والحنان والحكمة وأن يكون التصرف السليم عنوانها حتى تشتهر بهذه الصفات بين الناس مهما تحملت من صعاب في سبيل ذلك أو مايمكن تلخيصه في كلمة واحدة هي( التضحية ) . وبالرغم من أن الفتى يقول في بداية النص .. أن الهدف الوحيد من مجيئه إليها .. هو الرغبة في تبادل الاحاديث الطيبة والحكايات المشوقة وذلك في قوله :
“خطرها يا بنيه شراها بجيه .. مفيت التخاريف ما نريد غيه”
إلا أنه أورد صفات فتاة أحلامه على أمل ربما ان يحدث بينهما ( صوب ) بعد عدد من المحاورات في بيت الجلاس .. خاصة وأن الشاب يهتم للأمر بعد أن يلمس في الفتاة كثير من الذكاء أثناء بيت السلطنة وكثير من الحكمة والتعقل في الردود والعمق أيضا .. ثم سلاسة الكلام مع الصوت كما يجذب الفتاة للشاب صفات الفرسنة والنخوة والكلام الحكيم العقلاني ..
ويمكننا أعتبار تلك اللقاءات لقاءات ثقافيه بالفعل ، وأن أبرز وظائفها هو الترويح عن النفوس بتلك المساجلات والحكايات والأحاجي ، وأن أرتباط الشاب بالفتاه أرتباطا عاطفيا ثم زواجهما بعد ذلك أمر يأتي بشكل عفوي غير مبيت لأن الأرتباط العاطفي أو كما يعرف في اللهجه الشعبيه ( الغلا ) لا يمكن أن يتم لمجرد أن فتى وفتاه جلسا الى بعضهما وتبادلا الأخبار والطرف والألغاز والحكايات في جو من التقدير والأحترام المتبادل ، الحب عالم أخر في عرف هذه التجمعات ، ربما دلنا عليه هذا النص من التراث الشعبي :
ثلاث دارهن بو عقل خطا وهن ثوابيت الغلا
رهينه ومرقد جرد ومقعد معا لعين في خفا
ان كان طلتن غالي وان ما طلتن ما لك غلا
وكذاب من يقول اغليت وما طال هاذين كلهن
أما النصوص التي تقال في بيوت الجلاس فهي كثيره وتتخذ لها قوالب مختلفه فقد تصاغ في أغنيه العلم ، وقد تكون حكايه ، وقد تكون نوعا من الشعر العمودي وقد تكون أحجيه .. ومن ذلك أن تسأل الفتاه الشاب قائله
يا بوجرد دبل في دبل .. يا بوعيونا سهارى
صبيلي علي النمل .. وعد لي .. حيله م العشاره
( وفي هذا النص تطلب الفتاه المستحيل وذلك بتعرفه على النمله التي تحمل جنين ويميزها عن التي لا تحمل ) ويرد الفتى على هذا الطلب بطلب أخر يضاهيه أستحاله فهو يطلب منها أن تقف على كومة الرمل وتعده :
يا أم محرمه دبل في دبل .. يا أم عيونا سهارى
صبي لي علي قوز الرمل .. وعديه لي .. كم حاره
أو قد تسأل الفتاه الشاب : ريتشي فرسنا تكر في صرعها ؟
( أي هل رأيت فرسنا تجر لجامها ) ويرد عليها الشاب قائلا : عيب عا لفرس كرة الصرع وعيب ع الشاب الخيانه وعيب ع الجذع وين ينضام يودر ثماير لسانه .
وماذا يجري كي تختم الجلسة ( الجلاس السلطنة او الجذعنة ) قبل الختام وذوقيا .. كما دخل الشاب الى بيت الفتاه وجلس .. ثم بدأ الحديث مراعيا أصولا وعادات معينه .. لا بد أن يخرج من البيت بنفس تلك الطقوس .. فيستاذن الفتاه أو كما يقولون في الاصطلاح الشعبي ( يطلب سروح ) وهناك نصوص محددة لطلب السروح أو قد يجتهد حينما يكون الشاب شاعرا ولديه مفرداته الخاصة فيؤلف نصا لطلب إذن الرحيل وقفل الجلسة بطريقته .. ومن نصوص طلب السروح :
الشمس حجت والصلاه فريضه
ومشيك بلا مار العزيز قريضه
والخاطر مساه الليل .. وان بات ياعالم راه يقرضك
وبالتأكيد عليها أن تأذن له بالرحيل أو ( السروح ) وبطريقة أيضا شعريه أو حكمة مثل بمعنى إذنك معك أي ( مطلوك سراحك ) ومنها :
مسرحين في الرجلين .. محابيس في الخاطر تجو .
تحرير – عفاف عبد المحسن
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من New Jetpack Site
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.