د.محمد حجوب
بعد غياب طويل حسب قناعة العم؛ وكثرة الاتصالات، يتوجه أنور إلى العامرية، وفي الحافلة يجلس بجانب شاب ذكر له أنه ليبي الأصل، ولكنه مقيم الآن ووالدته في العامرية؛ وعندما علم الرفيق أن أنور من بنغازي فرح كثيراً؛ وأنهال بسيل من الأسئلة كانت كنهر ملئ بالروافد؛ متعددة المنابع وكأنه يسابق الزمن قبل الوصول إلى العامرية . كيف هو الفندق البلدي؟ يا الله كم لي فيه من ذكريات رغم قسوتها فهي جميلة.
وكان السؤال الثاني هل ما زالت أعمال البناء والتشييد في عنفوانها؟ ما أخبار مستشفى الجمهورية؟ يا الله كم ترددنا عليه، وكم أخذنا فيه من علاج تدافع الرفيق في أسئلته وكأنه لا ينتظر جواباً، وأنور يتابعه وينتظر هدوءه حتى يجيب عما سأل، غير أنه ظل متحفظاً على سؤاله عن مستشفى الجمهورية . سأل أنور الرفيق سؤالاً واحد اً والذي كان يسأله لنفسه دائماً؛ كيف أنتم هنا؟ فأجاب الرفيق !! نحن يا صديقي أوصال متقطعة، وأنفس مرهقة، وأسر حائرة، نعيش الانتماء وضده؛ نأتي من بلادكم بالرزق؛ هنا وقف أنور وقال له مع السلامة هذا بيت عمي. رنات بسيطة من جرس البيت، فتخرج أبنة العم مراد:
مرحباً بك أنور تفضل؛ شكراً أدخل، أدخل هنا وفي جلّ أرجاء مصر يقال البيت بيتك. عمي موجود تفضل أولاً؛ موجود نعم. عند سماع الحديث يخرج العم مراد ويحتضن أنور بشغف وحب؛ لماذا تأخرت عن زيارتنا كل هذه المدة. لك الحق ولكن بعض المشاغل؛ وأنت تعلم الشاغل الأكبر؛ نعم نعم ؛ كيف الإسكندرية معك، والله جميلة، وصرت أزور الدخيلة؛ ردد العم أسم الدخيلة أكثر من مرة؛ وقال على الرغم من شح اللقاءات بيننا إلا أنها أعجبتني وكنت أرتاح فيها ثم أردف وكأنه يسترجع ذكريات من عمق الذاكرة ؛ كانت صغيرة العمر خفيفة الحركة ؛ سريعة البديهة، حوقل بهمس ؛ ثم قال ذلك قدر الله ولا رادَّ لقضاء الله ؛ فأسرع أنور قائلاً: هل تتوقع أن التقي بها؛ رد: العم وذلك في علم الله سبحانه وتعالى أسأل الله أن يجمع شملكما.
بادره أنور في لهفة: هل زرتهم في بيتهم ؟ رد: نعم غير أنها زيارة واحدة على ما اعتقد ، واصل أنور ورغبته الوصول إلى مزيد من المعلومات تتملكه: هل ما زلت تذكر ملامحها؟ رد العم: ذلك زمن ليس بالقريب غير أني أذكر أن على وجهها خال من الناحية اليمنى، وكنت أمزح معها فأقول لها ذات الخال. وقف أنور ليغادر ولكن اليمين جعله ينام إلى صباح اليوم التالي، أطفئت الأنوار ودخل في عوالم لن يدخلها سواه، أمتلئ أنور بعاطفة الحب، وزاده ذلك في مواصلة البحث والتقصي عن والدته، وأكسبت تلك المعلومات من عمه قدراَ كبيراً من الاحترام له، ولمع جمال وجه لأمه بخالها الجميل وزاده بريقاً دموع انسكبت على خذ العم وهو يصفه، فرح وحلم وإصرار كلها عواطف عاشها أنور في تلك الليلة المميزة. ومع كل هذا العالم بدأ عالم أخر يزاحم في الدخول مفتاحه مرحبا يا أنور.
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من New Jetpack Site
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.