د. علي عبيد
البيجر ” pager” أو الصفحاتي هو الجهاز الصغير ” بحجم علبة كبريت” الذي يستلم نصوص مقتضبة لا تزيد عن أسطر قليلة تُسمي تجاوزا صفحة، صادرة من مركز ارسال محدد.
الإشارة المرسلة تحمل رقم الجهاز الذي يجب أن يستقبل النص حصريا دون غيره.. ميزة هذا النمط من الارسال أنه غير قابل للاختراق، وحامله غير قابل للرصد، لأن الجهاز يستقبل ولا يرسل.
المتخصصون في هندسة الاتصالات يعرفون أن صناعة الصفحاتي سهلة للغاية، والدائرة التي يحملها لا يزيد حجمها عن حجم طابع البريد، لهذا تصنعه تايوان وسنغافورا وماليزيا والباكستان، وحتى بعض الدول الأفريقية مثل كينيا وأوغندا قادرة على صناعته.. وحدهم العرب لا يصنعونه، ولا يتعبون أنفسهم بممارسة الهندسة العكسية ومحاولة تقليده على الأقل، رغم مئات الجامعات ومئات مراكز البحوث.
أزمة الصفحاتي التي بينت الخلل في صفوف حزب الله، باعتباره أكبر حركة مقاومة للكيان، هى مؤشر كبير عن أزمة أكبر لا يعرفها ولا يهتم بها الكثيرون من الدول العربية وشعوبها وجيوشها الجرارة، اسمها ” التخلف التكنولوجي”، لأن الكثيرين غير مُهيئين فكريا للوعي بخطورتها القاتلة نتيجة الاستقطاب الذي وقعوا فيه واحتلال وبرمجة عقولهم.
خطورة التخلف التكنولوجي في الوقت الراهن تعتبر لا شيء قياسا بخطورة التردي التكنولوجي القادم في المستقبل القريب، وهو التردي الذي سيزداد بوتيرة عالية جدا عندما تصبح منتجات تقنية النانو حقيقة واقعة.. عندها، الله وحده يعرف حجم الإذلال الذي سيتعرض له المتخلفون ومنهم العرب.
لنا أن نتصور كيف أن طائرة على شكل نحلة أو ربما ذبابة تنطلق من مواضع العدو لتدخل في مواضع خصمه وتصور وتسجل كل شيء.. لنا أن نتصور كيف يطلق صاروخ مبرمج بحجم رصاصة من مصدر مجهول يجوس داخل المدينة باحثا عن الشخص الذي يريد الفتك به.
في هذين المثالين فقط لن يكون للرادارات قيمة، ولا لوسائل الدفاع الجوي معنى.
المؤلم حقا أن الوعي بهذه الحالة الحضارية المزرية مفقود عند الكثيرين، نتيجة لفقدان القدرة على ترتيب الأولويات.
أن نكون متخلفين تكنولوجيا وندفع ثمن هذا التخلف إهانة وغطرسة من أرذل أمم الأرض، ليس مهما عند البعض منا ولا يثير فيهم أي تبرم. المهم فقط ألا نقع في كارثة البدعة!!!!
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من New Jetpack Site
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.