من رواية – مرّ القدر
للروائي الدكتور – محمد محجوب
بعد كل ما حدث قرر أنور إجراء اختبار مقابل، لأنه أحس بعد الزيارة التي قام بها لمنطقة الدخيلة ومقابلة جدته المفترضة بأن هذه الزيارة مدبرة بين سماح وأمها وليست عفوية، هذه المواقف التي عاشها في الزيارة أوحت له بفكرة أن هناك شخص آخر يبحث في ذات المسالة من جهة الابن ومصيره وكيف هو الآن، كما لاحظ مظهر سماح الأنيق والمرتب وتركيز كلامها في نقاط محددة مثل: من أقرب جيرانك في بنغازي إلى نفسك؟ عند إجابته عن هذا السؤال ساد صمت رهيب ونظرة الحاجة إلى أبنتها بما يوحي بعديد الأسئلة عند الشاب الليبي لأن الإجابة كانت عائلة الحاج منصور الزنتاني، وهل تعرفت على جدك قبل أن يموت؟ ومن أكثر الناس عطفاً عليك وأنت صغير؟ وهنا لاحظ وبشكل ملفت للاستغراب إحمرار وجنتي محاورته عندما قال عمتي؛ كما شده شبه إصرار الحاجة على عدم الانتقال للغرفة الأخرى. كل هذا وغيره أوحى له بفكرة الاختبار؛ خصوصاً بعد المعلومات عن وفاة الحاج منصور الزنتاني الشاهد المهم؛ الذي لم تصدق فيه الاخبار بعد. قرر دعوة سماح والحاجة لزيارته ؛ ولكنه عدل عن فكرة دعوة الحاجة؛ وقال في نفسه: لم يحن وقتها بعد فهي ذكية وصاحبة خبرة؛ وكما يقول المثل: الخيول الهرمة تعرف دروباً كثيرة.
بعد الاتصال وتبادل الحديث يقول أنور: أتمنى عليك اللقاء واختاري المكان الذي ترتاحين إليه، تقول لا باس وكم سعدنا بزيارتك المميزة وكم كنت ودوداً، زيارتك حملتنا إلى عوالم لم نراها أو نسمع عنها منذ زمن، لقاؤنا غداً في فندق أمون بالمنشية؛ أخيراً قالت: أنا سوف أتصل بك اتفقنا، فلم يعد إلى سماح خيار من اللقاء. في هذه الجلسة أعد أنور سؤال الاختبار بدقة متناهية وبخبرة استغرب هو كيف اكتسبها؛ سار الحديث كما تريده سماح وشرع لها أبواب الحديث الذي يستهويها ؛ فكانت في حالة انسجام وانبساط غير عادية في قمة الارتياح وانداح الحديث معها فيما تحبه، وهو يلاحظ ذلك الخال فوق خدها الأيمن كما حدده عمه مراد وكذلك الحاج منصور ويقول في نفسه: لن تكون أمي سواك، في هذه اللحظة حان وقت السؤال أو الاختبار إن شئت كان في يدها كاس عصير العنب الذي تحبه كثيراً ولطالما شربت ووصفت عصير عنب مدينة المرج الليبية، في لحظة هدوء وصمت رهيبة قال أنور: مرحباً بذات الخال عندها سمع جلّ من في المقهى صوت وقوع الكأس وانكساره ودخلت ذات الخال في شبه إغماء، وما هي إلا لحظات حتى كان الماء المثلج فوق وجه وصدر ذات الخال سماح وقف الشاب يعتذر لم أقصد آسف قبلت عذره ولكنها سألته: هل قلتها على حسن نية؟ قال نعم والله نيتي نحوك كلها حسنة. بقدر ما احتارت من هذه الكلمة ومن وقت النطق بها بقدر ما زادت احتمالات صدق حدسها فكرت طويلاً وتغير إيقاع الحديث بينهما وخامرتها فكرة أن هذا الفعل ليس مجرداً وربما يكون ردة فعل لما حصل لهذا الشاب في زيارته لبيتنا؟ ثم اقتربت منه بشكل ملفت للحضور وقالت: عندي سؤال أيها الشاب الليبي؛ ممكن؟ قال لك كل ما تريدين خصوصاً بعد موقف اليوم هل لك أقرباء في مصر؟ قال: ليس في مصر ( القاهرة) لوحدها ولكن في الإسكندرية ردت: حسناً وهمّت واقفة وهي تقول من يدري سمع أنور هذه العبارة فقال نعم من يدري ، وغادر كل في طريق هند للدخيلة، وأنور إلى شقة مصطفى كامل؛ التي تسمى طرابلس ليبيا. ومنها إلى بنغازي. هذا أيها القارئ الكريم الجزء الأول من روايتي الموسومة بمرّ القدر.
________________________**
هامش من بعض جزئيات المقدمة بقلم الروائي :
_ هذه الرواية الموسومة ” بمرّ القدر” محاولة لإلقاء الضوء على عديد من المرارات؛ التي يعيشها الإنسان في مناطق كثيرة من العالم، الإنسان هنا: المواطن العادي العامل ، الموظف، المزارع، الصانع البسيط، الأستاذ الجامعي الذي لم يطمح يوماً في غير التعليم والرقي بمجتمعه، والذي لا يسعى بأي معنى ليكون عنصراً في أي نظام سياسي ، هذا الإنسان سواء كان رجلاً أم امرأة أو شاباً ، متعلم أو غير متعلم ، باختصار: العنصر الذي يحترق دون أن يعطى، قدره أنه إنساناً. والقدر المقصود: الأحداث التي يعيشها هذا لإنسان، ويجبر على عيشها، دون اختيار منه ولكنه يجد نفسه مجبراً، على تلك الحياة. ولا تجادل هذه الرواية في مسألة القدر، من الجانب الديني، وعلم الله اللامتناهي، وعلم الإنسان المحكوم بالزمان والمكان، ولا مسألة الإيمان.وأتصور أن في هذه الرواية لحظات من الحيرة؛ التي تجتاح روح الإنسان وقلبه، وتتركه نهب قلق مزمن لا ينتهي، وكيف يمكن أن يقضي الإنسان حياته متفكرا في القدر، الذي يعطل جلّ طاقاته ويشل حركته، ويبقيه ضائعا بين الترقب والهلع، ويكون القدر بهذا الموت المؤجل.
_ والحديث عن الصلات وما يدخل فيها من الأحداث و العلاقة بين مصر وليبيا، يعني الحديث عن تاريخ لا يمكن فصله؛ ولا يمكن التفكير في مثل هذا الفعل، فعل الفصل لأنك تتحدث عن جسم عضوي، بما له من روحانيات، فهو يبدأ من قبل القرن السابع قبل الميلاد. يعني منذ وجود هذه الأرض في جميع جوانبها الاقتصادية، والاجتماعية، والحضارية. ويؤكد ذلك كما تقول المراجع التاريخية ” أن بعضاً من المصريين جاءوا أساساً مما يعرف اليوم باسم ليبيا أو الصحراء الليبية، حملوا معهم آلهتهم الصحراوية واستوطنوا وادي النيل، ربما هذا هو تعليل ما نلاحظه من العلاقة الخاصة بين مصر وليبيا. وعاش الشعب الليبي والمصري مصائر مشتركة عديدة مثل الاحتلال الفارسي لمصر وجزء من ليبيا سنة 525 ق . م الذي تم القضاء عليه في المرة الأولى سنة 404 ق.م وعلى الرغم من أن الكتابات العديدة في ذلك التاريخ لا تتحرى الدقة؛! مثل القول : بأن الفراعنة المصريين والجيش المصري قاموا بتأديب القبائل الليبية التي تغير على مصر بسبب الفقر والاحتياج ؛ ثم تُردف تلك الكتابات بأن الفراعنة تحصلوا على كم كبير من المواشي، وأسروا عدداً لا بأس به من البشر ؛ وهذا دليل على التناقض وعدم الاتساق من مصدر يكاد يكون وحيداً لتاريخ ليبيا في ذلك الوقت . ومع الوقوع في كل هذا الخلط فإن التأكيد على بقاء الشخصية المتميزة للطرفين؛ و وجود التعاون أمر مبرر منطقياً قياساً بالحقائق والإنصاف .
_ وفي مصر القديمة وبسبب تردي الأوضاع الاقتصادية استمر التفاوت بين طبقات المجتمع في مستويات المعيشة؛ الأمر الذي أثر في الأحول الاجتماعية؛ التي تعبر هذه الرواية عن جزء يمكن القول بأنه حديث منها، وكذلك ظهور فئات الأجانب ووصولها إلى أرقى مناصب الدولة؛ وكان من نتيجة ذلك زيادة زواج الفراعنة من الأجنبيات؛ وزيادة عدد الجواري؛ ودخول هؤلاء الأجانب لقصور الفراعنة؛ بكل ما يترتب عنه! وفتح المجال إلى زواج الأجانب من المصريات؛ وخصوصاً من الطبقات الفقيرة. وربما صار النهب مهنة في مصر في ذلك الوقت.
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من New Jetpack Site
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.