بقلم الكاتب – مجاور اغريبيل
جرت العادة على وصف وهبي البوري بالسياسي والباحث والمؤرخ ، وتاتي كلمة الاديب في نهاية هذه الالقاب …رغم ان لقب الاديب هو اهم القابه ، فلو لم يكن اديبا امتلك ناصية الحرف واجاد التلاعب باللغة واتقنها ، ما تمكن ان يكون مؤرخا ولا سياسيا ولا باحثا ، فالأدب هو من مهد له الطريق لكي يصنع ما صنعه.
دون ان ننكر ان تعاطي البوري مع السياسة كان له الاثر الكبير في شهرته بل هي من ابرزته كاديب ،
فكم من كاتب بارع اكمل حياته مغمورا دون ان يعيره الناس اي اهتمام ، حتى سخر الله له من كشف ابداعه ومنحه المكانة والشهرة التي يستحقها ، ولايحدث ذلك للاسف إلا بعد موته بسنوات .
وهناك من كان على النقيض من ذلك ، متواضعا في كل ماكتب ، لكن قربه من السلطة ، واشتغاله بالسياسة ، اعلت من شانه ومنحته دعمها ، لكنها تبقى شهرة قصيرة العمر تنتهي بانتهاء داعميها.
يوصف البوري بانه موسوعي المعرفة، وهي صفة لم تطلق إلا على القليل من رجالات الوطن ومبدعيه ، ويحسب للبوري الريادة في السياسة ، والكتابة التاريخية والصحفية ، وفي الادب كصاحب اول قصة فنية قصيرة ، وهي ريادة قد يكون هناك من ينازعه عليها ، ولكن لا احد ينازعه في انه
اول من استقامت على يديه القصة الفنية القصيرة الليبية .
وهبي البوري مفكر استثنائي ، واديب ، وقاص ، وصحفي ، هكذا كان يوصف.
اثرى المكتبة الليبية بالكثير من تراجمه عن اللغة الايطالية ، اهمها ( الكفرة الغامضة )و ( الحرب الليبية )كما كتب ( بنك روما والتمهيد للغزو ) و (بنغازي في فترة الاستعمار الايطالي ) وكتاب ( عمر المختار وغرسياني ) .
المؤرخ محمد المفتي ، يصفه بالدبلوماسي زاده الخيال ، فهو من وهب العمل السياسي تعابيره الخاصة ، وجعل الكلام الرسمي الجاف عبارات ادبية عميقة.
ومثلما كانت لوهبي البوري االريادة في كتابة القصة ، وإثراء المكتبة الليبية باكثر من تسع إصدارات مختلفة ، ومثلما كانت له الريادة في العمل الدبلوماسي ؛ حيث عين عام 1936 م مستشارا بالسفارة الليبية بالقاهرة ، ووكيل لوزارة الخارجية في عام 1965 م ، ووزيرا للخارجية في حكومة عبد الحميد الكعبار عام 1957 م ، ومندوب ليبيا
في الامم المتحدة عام 1963 ورئيس بعثة الصداقة الى الدول الافريقية ، ومستشار للعلاقات الدولية في منظمة الدول العربية المصدرة للنفط .
كانت للبوري الريادة في تاسيس الدولة الليبية كوزير للدولة في حكومة عثمان الصيد ، ووزيرا للعدل و للبترول ، وقد ساهم بمنصبه هذا في القضاء على الفساد المستشري في قطاع النفط بان اسس المجلس الاعلى للبترول .
لقد شهد البوري مراحل استقلال ليبيا وولادة الدولة ، فهو الرجل الذي كان قريبا من الامير ادريس في الديوان الاميري ، ثم رئيس التشريفات الملكية ،
كان ملازما له في مكتبه ، وتولى تنظيم زياراته وتلبية طلباته ، كما كان يقوم بتولي الترجمة بينه وبين ضيوفه الاجانب ، فقد كان البوري يجيد اللغة الايطالية التي تعلمها في مدرسة الصنائع ببنغازي ، ثم في المدرسة الايطالية بالاسكندرية ، التي تعلم فيها اللغة الانجليزية ، وقد ازداد تمكنه من اللغات الاجنبية اثناء وجوده في اوروبا لسنوات عديدة تنقل فيها بين مختلف مدنها وشهد خلالها الحرب العالمية الثانية ، والتي بانتهائها قفل راجعا الى ارض الوطن بعد اقامة قصيرة في مصر .
ويقول البوري واصفا تلك الفترة : بوصولي للقاهرة انتهت مرحلة هامة من حياتي استغرقت ثمان سنوات من عمري ، عرفت خلالها العالم والبشر ، وشاهدت مختلف الاحداث التاريخية ، وغامرت بحياتي اكثر من مرة ، واكتسبت خبرة ، ونلت شهادة جامعية ، وارتبطت بصداقة شخصيات كثيرة ، واعتبرها اهم تجربة مررت بها .
لقد كان البوري كثير الاطلاع ، وكان الكتاب احب رفاقه ، فاخلص له ، وافنى عمره في تحريره وتحقيقه ، ولقد وافته المنية وغادر الحياة قبل ساعات من توقيعه على اخر كتاب له وهو ذكريات حياتي عن عمر ناهز الخمسة والتسعين(1916)- (2006 ).
اتسم رحمه الله بالهدؤ والثبات ، وكان لا يحب الإطالة في الكلام ، حيث كان يميل إلى الإنصات اكثر من الحديث .
لقد خدم البوري اينما حل ، وطنه ودولته في كل مراحلها ، منذ ان كانت واقعة تحت الاحتلال الإيطالي ، حتى استقلالها ، وكتابة دستورها، وتوحيد ولاياتها ، خدمها بهدؤ وعقل والتزام ، كما تفرضه عليه ثقافته الواسعة واهتماماته الفكرية ، والمسؤوليات التي اسندت إليه ، دون معارك شخصية او طموح سياسي.
كان وهبي البوري محل ثقة الملك الذي جعله ملازما له ياتمنه على الترجمة وكتابة محاضر اجتماعاته ، واوكل إليه وزارة البترول لثقته في امانته وقدرته على التنظيم والإصلاح ، وكان مندوبا لليبيا لدى الامم. المتحدة ، و رئيسا لعديد الوفود الليبية إلى العديد من المؤتمرات والملتقيات الدولية .
وعندما تغير الوضع السياسي و لم يعد هناك من وجود لا للملك ولا للمملكة التي افنى عمره في خدمتها قدم استقالته وتفرغ للكتابة.