محمد العمامــي
عندما نذكر أن مقالا ما يدخل في باب الخلخلة وقصدنا أن النص الأدبي ماكان تصنيفه يقع تحت مجهر تفكير الناقد وكيف قرأه مرة ثانية لصناعة ثانية أو استخراج رؤى الكاتب ذاته أثناء مخاض التفكير ثم ولادة العمل الأدبي لم يخطر بباله أو خطر ثم مع تزاحم الأفكار زاحت واحدتها الأخرى عن ذهنه لحظة الكتابة الفعلية وغابت بين الأسطر بل لم تتواجد ربما عنوة وربما سهوا وربما بين هذا وذاك تماهت بين قبولها للكاتب والتشكك في رفضها من العامة أو المراقبين فدفنت برؤية كاتبها الخاصة تحت حشائش المعاني الخفية وماكان من الناقد إلا أخرجها للعيان بائنة تقول ها أنا ذا لو ظهرت للقارئ لاستوضحت المعاني أو لكنت حشوا لا فائدة منه ترجى .. وحين قرأت ” اقتناص الفرص ” للأديب الكبير الذي أحترمه وعيت أنها مقالة ناقدة بصوت خافت لطيف كصاحبها ” محمد عقيلة العمامي ” الذي مارأيته يوما إلا وسبقته ابتسامته المفيدة للرائي موحية بأن الحياة ستكون أجمل إن لم يرها كذلك الحين .. واقتناص الفرص يحكي عن زمن كانت فيه الصحف والمجلات الورقية باعثة للأمل والابتسام مع ضخ الأفكار المفيدة لمن تعمق في الكلام الخفيف وإن كان نكتة أو موقف مضحك في ظاهره توعوي في جوهره ولكنه كمن يقول أيناها الآن ؟ حتى الكتابات التي نقرؤها اليوم على صفحات الإنترنيت للصحف والمجلات تتعمد الابتعاد عن المحكات الحياتية اليومية والشواهد والمشاهد والاختلافات التي لا تفسد القضايا ولا العلاقات مطلقا كما يحدث في مقالات الرأي السياسية الصرفة أو التوعوية المباشرة الجافة الدسمة .. فعلمت أنها خلخلة من نوع مختلف ينتهجها أستاذ يعلمنا في كل مايكتب دروسا لم نقرأها قبلا فكان أن خصصت باب الخلخلة بمعلومات مختلفة كتبت بقلم رجل أديب إنسان مختلف يطور الحياة حوله وإن ظن من يحوطنه أنها تطوره بتعصرنها فأترك أن تحكموا أنتم قراءنا الأعزاء ما كتب محمد عقيلة العمامي تحت عنوان (( اقتناص الفرص )) للإفادة ليس فقط للإشادة بهكذا لون من الاختيارات كما نوه عنها أستاذنا عقيلة …..
عفاف عبد المحسن
المتابع للكتابات العربية، والليبية على وجه الخصوص ينتبه إلى أن مقالات صحفها ومجلاتها جادة للغاية ، تتناول في الغالب قضايا مهمة للغاية ، بل منها المعقد والخطير والذي لا يمكن للقارئ العادي، غير المتخصص أن يستوعب تماما لا أهدافه ولا مصطلحاته، وأكاد أجزم أنه يتركه بمجرد فراغه من قراءة العناوين.
قلة من كتابنا الليبيين ابتعدت عن تناول القضايا المصيرية الجادة، وكانوا، وما زال بعضهم حتى الآن، يتميزون بكثرة قرائهم؛ فمِن الذين رحلوا عنا تميز المرحوم صادق النيهوم بتناوله لمواضيعه بأسلوب ساخر، وكذلك المرحومان سعد نافو وأيضا محمد أحمد الزوي.
عدد هائل من الكتاب الغربيين، تميز بالابتعاد عن القضايا الإنسانية، والسياسية الصعبة، وكانت الحياة اليومية البسيطة هي مجاله، فكان قراؤه كثيرين، بل كانت وما زالت مواضيعه هي الأكثر قراءة من تلك التي تتناول المواضيع المصيرية والصراعات الدولية والأيديولوجية.
من المجلات التي نجحت بسبب مقالاتها عن الحياة اليومية، البعيدة عن مشاكل السياسة، والصراعات الدولية، مجلة (Readers Digest) التي ترجمت إلى العربية زمنا باسم (المختار) وأيضا مجلة (الجيل) التي انتهجت نهجها، ولكنهما توقفتا، وفي تقديري بسبب تسلط وسيطرة الإنترنت.
مقال مترجم قديم عنوانه (هذه هي الحياة) نُشر خلال شهر أكتوبر سنة 1966، بمجلة المختار، ويتكون من مجموعة فقرات قصيرة، أنقلها كما هي، منوها بأن ما كتب عنها حينها، أنها كانت الأكثر قراءة:
1- أقامت إحدى شركات صناعة المكيفات مأدبة غداء، لعدد من رجال المجتمع، من إعلاميين ومن لهم علاقة بهذه الصناعة، وعندما حان وقت التقاط الصور بمناسبة ذلك التجمع، دعاهم مدير الشركة لالتقاط الصور أسفل جهاز تكييف من ماركة ما يصنّعونه. انتبه أحد المدعوين من رجال الشركة المنافسة لتوجيه المدعوين بحيث تكون الصورة أسفل أحد مكيفات الشركة صاحبة الدعوى والمنافسة لشركته، فتصدر المشهد وطوي مجلة، وأخذ يستعملها كمروحة، كإيحاء أن الجو حار على الرغم من وجودهم أسفل جهاز تكييف الشركة المنافسة.
2- كان الزوج قد فقد إيصال إيداع حذاء لزوجته في محل لإصلاحه، وكان كلب العائلة المدلل معه، فخطرت له فكرة أن يوظفه لإحضار الحذاء من بين أحذية كثيرة في أرفف المحل، فأوعز له أن يحضر حذاء صاحبته، فاتجه الكلب بأنفه نحو أرفف الأحذية وجاء له بالحذاء!
3- كانت السكرتيرة تكتب موضوعا في علم النفس لشقيقها طالب المرحلة الثانوية، عندما داهمها رئيسها على غير ميعاد، فما كان منها إلا أن وضعت ما كتبت ضمن ملف للتوقيعات من رئيسها، واهتمت بما طُلب منها ونسيت موضوع شقيقها مع الأوراق التي يتعين أن يراها رئيسها، ودار ملف الأوراق دورته المعتادة على مسؤولي الشركة، وعاد إليها بتوقيعاتهم جميعا، بمن فيهم المدير العام، وكان ما بين الأوراق الموضوع الذي كتبته لشقيقها موقعا بالموافقة من قادة المؤسسة كافة!
الحكايات الثلاث ظريفة، وهي على نحو ما تنفع لتكون نصوصا يستفيد منها من يريد أن يمتهن الإعلام، فالحكاية الأولى على الإعلامي أن ينتبه، ويستفيد، إلى كل ما من شأنه أن يسوق سلعة هو يعلن عنها، والثانية أن يستفيد من أية وسيلة غير مؤذية يستفاد منها، والثالثة الحذر من مغبة السهو في عمل مخادع لأنه قد يفقدك احترام رئيسك، والأكثر أهمية من ذلك كله هو الاستفادة من الأخطاء وتوظيفها لما تريد أن تعلن عنه !