أثارت تصريحات رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة في جلسة حوارية حول الأمن والاستقرار بالمنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” 2025، موجة غضب ونقد كبيرة في الشارع الليبي خاصة على صعيد المثقفين والكتاب والنشطاء وبعض الدبلوماسيين.
ولكن قبل الحديث عن ردود الفعل حول تصريحات الدبيبة، يمكن الإشارة إلى أبرز ما ورد على لسانه، حيث وجه رسالة للرئيس الأمريكي: “أقول لترامب وغيره، المقاربة الأمنية فقط لا تحل المشكلة ولدينا أمثلة كثيرة سواء في أفغانستان وسورية، ولا بد من البحث وراء الثقافة والتراث وحياة الإنسان وماذا تريد الشعوب، فالمشكلات في منطقتنا ترجع إلى وجود تفاوت بين متطلبات الشعوب وموقف القوى الحاكمة”
وأضاف: “إذا كان السيد ترامب يريد استقرار ليبيا لا بد من البحث عن وسائل حقيقية وليس المقاربة الأمنية.. دعم أي طرف سيعود بنا إلى القاعدة الصفرية وعندنا أمثلة من المعالجات الأمنية ونسيان النقاط الأخرى التي يريدها الشعوب”.
نظام ديمقراطي
وقال الدبيبة “ليبيا لم يكن فيها أي نظام ديمقراطي منذ استقلالها، حيث عاشت في نظام ملكي لسبع عشرة سنة، ثم تغير إلى نظام لا تعريف له ولا حتى الليبيون عرفوا ماهيته، يومًا اشتراكيًا ويومًا ديمقراطيًا ويومًا مزيجًا بين هذا وذاك”
وأكمل: “بعد ثورة 17 فبراير دخلت ليبيا مرحلة أخرى ووجدنا هذه الدولة المهمة في البحر الأبيض المتوسط دون أي مؤسسات أو قوانين وخاوية على عروشها، ودخلنا في صراعات سواء محلية أو خارجية، ودول كثيرة تدخلت خاصة الجوار، حتى دول بعيدة جغرافيًا عن ليبيا، ثم مررنا بمرحلة صراع دمرت البلاد ووجدنا ليبيا ميتة ومثجاة وبها كل المشكلات التي يعاني منها البشر”.
وأردف: “دخلت ليبيا في حروب واستقطابات عسكرية، ثم تولينا في حكومة الوحدة السلطة قبل ثلاث سنوات، وركزنا على الخدمات والاستقرار، ورفعنا شعار لا للحرب ولا للدمار، وبدأنا في معالجة الخدمات”.
ويرى الدبيبة أن “هناك نظام عسكري يرغب في الانقضاض على الدولة، وهناك نظام إيديولوجي يتخذ من الدين ذريعة ويريد السيطرة على البلد، وهناك النظام السابق الذي حكم 40 سنة يريد إعادة التدوير والعودة”
إعادة الديمقراطية الغربية
وتابع: “اليوم أمامنا شيء واحد وهو البدء بشكل حقيقي في إعادة الديمقراطية المصنوعة غربيًا، التي ممكن أن تتوافق مع بلدنا لكن مع بعض التعديلات، والدول التي تتدخل في ليبيا تريد فرض هيمنتها لتحقيق مصالحها أو لأسباب أمنية، والمقاربة الأمنية فقط لا يمكن أن تكون الحل في ليبيا ولا بد من فهم المجتمع الليبي وخلفياته ونحن قريبون جدًا لأن نكون دولة ديمقراطية من خلال إقامة دستور حقيقي وقد منعنا من التصويت عليه في الاستفتاء”
آخر ظهور للدبيبة
فمن جانبه أكد سفير ليبيا السابق لدى سوريا محمد شعبان المرداس، أن 17 فبراير المقبل قد يكون آخر ظهور للدبيبة على منصة الاحتفالات داخل ليبيا، لأنه يعاني ارتداد سياسي عالمي واسع.
وأضاف أن المراسم التركية خلال استقبال الدبيبة، أصرت على عدم منحه مظلة خلال وصوله ولقائه أردوغان، وهي علامة على أن المظلة التركية له تم سحبها، ولن يكون هناك دعم لبقائه، مشيرا إلى أن خروج نجلاء المنقوش أيضًا يُظهر بصورة واضحة، أن الأتراك والقطريين غير متمسكين بوجوده.
ولفت المرداس إلى سياسة ترامب لا تعتمد على الحروب، بل ستعتمد على تشكيل ضغوط قصوى على مختلف الأطراف في ليبيا، من أجل القبول بصفقة، متوقعا أن تكون هناك تفاهمات أمريكية روسية قريبًا، أو تفاهمات تركية أمريكية، والملف الليبي سيكون على طاولة هذه التفاهمات، مثله مثل الملف السوري.
2025 عام إعادة تشكيل المشهد
وجاءت توقعات المستشار السابق لمجلس الدولة أشرف الشح، متوافقة مع رأي المرداس، حيث أشار إلى أن حكومة الدبيبة لن تحتفل برأس السنة 2026 في ليبيا، وستكون هناك حكومة جديدة تطلق نيران الاحتفال.
ورجح الشح أن يكون عام 2025، عام إعادة تشكيل المشهد السياسي في ليبيا، بوجود إدارة ترامب الأكثر فاعلية والأكثر عملية، لأن الوضع في ليبيا من أولويات شركائها الموجودين في البلاد.
وفي ذات السياق توقع الشح أن تسعى إدارة ترامب لعقد صفقة بين الأطراف المتداخلة في الملف الليبي، خاصة وأن تركيا ومصر متمسكتان بالوصول لحكومة موحدة، وليستا متمسكتين ببعض الأشخاص كالدبيبة مثلاً، مشيرا إلى أن الانتخابات ستكون العنوان الرئيسي لأي تغيير قادم، والحكومة القادمة ستكون حكومة الإعداد للانتخابات، ولكنها ستقوم بإعادة ترتيب وتوحيد الدولة أولاً.
الدبيبة فقد حاضنته الشعبية
من جانبه أكد المترشح الرئاسي، سليمان البيوضي، أن الدبيبة فقد كل حاضنته الشعبية وهو موجود في السلطة بفعل الاعتراف الدولي الذي بات سيفا مسلطًا على رقاب الليبيين بفعل القرار الجائر.
وشدد على أنه لا سبيل لإنقاذ ليبيا إلا بثورة ضد الوصاية الدولية واجتثاث كل رموزها والزحف على كل المواقع التي يحتلها الغزاة والمستعمرون الجدد، والانتفاض على خدم الإمبريالية العالمية والإطاحة بهم.
مكاسب من النظام السابق
أما الناشط والمدون خليفة الحاج، فعلق على صفحته على الدبيبة بوصفه تصريحاته بـ “هلوسات”، مضيفا أنه في قمة التفاهم والتحالف والوئام مع التوجه الديني سواء كانوا تيار الإفتاء أو جماعة الأوقاف.
وتعجب الحاج من حديثه عن النظام السابق، متسائلا “كيف وأنت قد حققت مكاسب من وراء ذلك النظام السابق، لم يحلم أبناء معمر بالحصول على عشرها”
وأضاف عن أي تحديات تتحدث، خاتما تدوينته “مادام الإنسان حيا في هذا البلد العجيب “مازال يا يسمع””.
فضحتنا
أما المحلل السياسي عبد الحكيم فنوش، فعلق على الكلمة بالقول: “جملة مفيدة يا جربوع .. فضحتنا .. أي زمن أغبر نعيش.. كيف ارتضينا ان يتحكم في مصيرنا .. متخلف جربوع .. “
وعقب قائلا “الجربوع هنا ليست للشتم بل للتوصيف”، مضيفا “كتبت شيئا عن مفهوم .. الجربعة .. احاول من خلاله فهم كيف تنهار المجتمعات فتتجربع بقبول منطق حياة جربوعي له علاقة بالتطبيع مع الانحطاط و الرذيلة كأساس لفهم الحياة..”
وتابع “مع كل اعتذاري للجربوع .. فأنا أراه حيوانا لطيفا ، لكن درج الناس في أماكن عدة توصيف الكثير من أمور الحياة و الناس باسمه للتعبير عن الأشياء السيئة ..”
طاحونة فساد
كما علق آمر قوة الإسناد بعملية بركان الغضب، ناصر عمار على كلمة الدبيبة بشأن التحديات التي ذكرها بأنه “نسي أن نظامه نظام فساد.. طاحونة فساد تأتي على الأخضر واليابس”
أما عضو مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الأسبق، جادالله العوكلي، فقال إن كلمة الدبيبة في ملتقى دافوس، عار على الليبيين، ويجب وضع حد لهذه المهزلة، وتخليص ليبيا من هذه المصيبة المغتصبة لمقدرات الدولة، فكل يوم لاستمرار بقائه يُعني المزيد من العبث والنهب.
يبدو أن كلمة الدبيبة في مؤتمر دافوس الإبرة التي فجرة البالون في وجهه، فانهالت عليه التعليقات المتوقعة أن يكون 2025 آخر عهده بهذه السلطة، مستشهدين بفساده وفقده حصانته الشعبية وانسحاب الأيدي الدولية التي كانت داعمة له.