للكاتب / إبراهيم مسعود المسماري
عندما يُذكَر اسم العلّامة المؤرخ (خير الدين الزِّركلي) فأولُ ما يطرقُ أذهانَنا كتابُ (الأعلام ) الشهيرُ، ولعلّ الكثيرين لايعلمون أنّ صاحبَ هذا الكتابِ ليس مؤرِّخًا فقط ، بل كان أيضًا شاعرًا عربيًا كبيرا مشهورًا بوطنيتِه ووفائِه لعروبتِه ، لُقِّبَ ( شاعر سوريا الأكبر) و(شاعر الوطن) ، عمل في الصحافةِ والأدبِ والتقى مع شعراءَ عربٍ كبارٍ مثل (إبراهيم طوقان)، و(عبد الكريم الكرمي) وغيرهم … بالإضافةِ إلى كونِه سياسيًا كبيرًا تولى مناصبَ دبلوماسيةً كثيرةً لعدةِ دولٍ عربيةٍ، وصحفيًا معروفًا أصدرَ عدةَ صحفٍ كصحيفة (الأصمعي) و(لسان العرب) و(المفيد) وغيرها … كما أسس (المطبعة العربية) بالقاهرة وطبع فيها كتبَهُ ومخطوطاتِه الكثيرةَ، ونشر بواسطتِها كثيراً من كُتب التراثِ العربي، وكان كذلك أديبًا لُغويًّا له مؤلفاتٌ كثيرةٌ إضافةً إلى (الأعلام) مما جعل أشهرَ مجامعِ اللغةِ العربيةِ تضمُّهُ إلى عضويتِها كمَجْمعِ اللغةِ العربيةِ بالقاهرة والمجمعِ اللغوي بدمشقَ والمجمع اللغوي العراقي وغيرِها … وكان – رحمه الله – مناضلًا عربيًا ضدَّ الاستعمارِ الفرنسي حكمَ عليه الفرنسيون بالإعدامِ مرتينِ لكنّ اللهَ أنجاهُ منهم، عاش متنقِّلا بين دولٍ عربيةٍ عديدةٍ كسوريا والأردن والسعودية وفلسطين ومصر التي تُوُفِي فيها عام 1976، كما زار – رحمه الله – كثيرًا من دول العالم الغربي …

لنعُدْ إلى الزِّركلي الشاعرِ فقد كان شعرُهُ جميلا قويًا حين تُطلَبُ القوةُ رقيقًا حين تُلتمَسُ الرقةُ .. ومِن رقيقِ قصائدِه تلك القصائدُ التي قالها بعد أن فارقَ وطنَهُ هربًا من الاستعمارِ الفرنسي مجسِّدًا حنينَه لوطنه ؛ في قصيدتُه (نجوى) التي يقول فيها:
العينُ بعدَ فِراقها الوَطَنا … لا ساكِنًا ألِفَت ولا سَكَنا
رَيَّانةٌ بالدَّمع أقلقَها … ألا تُحسَّ كرًى ولا وَسَنا
كانت تَرى في كلِّ سانحةٍ … حُسْنًا وباتَت لا تَرى حَسَنا
والقلبُ لولا أنَّةٌ صَعِدَت … أنكَرتُهُ وشَكَكتُ فيه أنا
ليتَ الذينَ أُحِبُّهم علِموا … وهُمُ هنالكَ ما لقيتُ هنا
ما كنتُ أحسَبُني مُفارقَهُم … حتَّى تُفارِقَ روحيَ البدنا
يا طائرًا غنَّى على غُصُنٍ … والنيلُ يسقي ذلكَ الغُصُنا
زِدني وهِج ما شئتَ من شَجَني … إن كنتَ مثلي تعرفُ الشَّجَنا
أذكَرْتَني ما لستُ ناسِيَهُ … ولرُبَّ ذكرى جدَّدَتْ حَزَنا
أذكَرْتَني بَرَدَى ووادِيَهُ … والطَّيرَ آحادًا به وثُنى
وأحِبَّةً أسرَرْتُ مِن كَلَفي … وهَوايَ فيهِم لاعِجًا كَمَنا
كم ذا أُغالبُهُ ويغلِبُني … دَمعٌ إذا كَفْكَفتُهُ هَتَنا
لي ذكرياتٌ في رُبوعِهِمُ … هُنَّ الحياةُ تألُّقًا وسَنا
إنَّ الغريبَ معذَّبٌ أبدًا … إنْ حلَّ لم ينعَمْ، وإنْ ظَعَنا