من قلب منطقة الصابرية في مدينة الزاوية، حيث تُحاك خيوط الماضي بالحاضر، تستمر صناعة النول لأردية الحرير في إثبات مكانتها كإرثٍ تقليدي أصيل. بين المسدة، النير، والبرنبخ، يواصل الحرفيون إنتاج أجمل الأقمشة الحريرية يدوياً، في حرفة تستغرق أياماً لكنها تحافظ على هوية المكان وتراثه.
ناصر بن عثمان، صانع أردية حرير، يؤكد أن هذه الحرفة ليست مجرد صناعة بل جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية لمنطقة الصابرية. ورغم مرور الزمن، لا تزال النساء في المنطقة يحرصن على ارتداء الأردية والمحارم الحريرية، خاصة في المناسبات والأفراح، لما تعكسه من جمال وأناقة، إلى جانب قيمتها التراثية التي تربط الحاضر بالماضي.
تعود صناعة النول في ليبيا إلى العصور الإسلامية القديمة، حيث كانت تُصنع الأقمشة التقليدية مثل السجاد اليدوي والمفروشات المطرزة، وكان ذلك جزءاً من الحياة اليومية والتقاليد المحلية. كانت هذه الحرف جزءاً من الأسواق التقليدية مثل سوق الزاوية وسوق الحديد في طرابلس وسوق الجريد ببنغازي والأسواق القديمة في عدة مدن ليبية، حيث تحتضن ليبيا الحرفيين من مختلف الفنون.
يعتبر النول أداة أساسياً في صناعة النسيج، حيث يتم نسج الأقمشة من الخيوط، ويُستخدم بشكل خاص في صناعة السجاد، المفروشات، والأقمشة المزخرفة. هناك أنواع عدة من النول، من بينها النول التقليدي الذي يستخدم في نسج السجاد والمنسوجات باستخدام الخيوط الصوفية أو القطنية، والنول اليدوي الذي يحتاج إلى مهارة ودقة عالية من الحرفيين، بالإضافة إلى النول الميكانيكي الذي أُدخل في بعض الورش لزيادة الإنتاجية.
تتطلب صناعة النول مهارة كبيرة في تحضير الخيوط وتنسيق الألوان والتصاميم، وكان للنساء دور كبير في هذه الصناعة حيث كن ينسجن الأقمشة في المنازل أو في ورش صغيرة، ويتعلمن هذه الحرفة من الأمهات أو الحرفيين المتمرسين. كما أن الملابس التقليدية مثل الجلابيات والعباءات كانت تُصنع من الأقمشة المنسوجة بواسطة النول، بالإضافة إلى السجاد الليبي التقليدي الذي يعتبر جزءاً من التراث الثقافي في طرابلس ومدن أخرى، ويمتاز بتصاميمه وزخارفه الفريدة.
مع مرور الزمن وتطور الصناعات الحديثة، بدأ الطلب على المنتجات المصنوعة يدويًا من النول يتراجع، إلا أن هناك محاولات مستمرة للحفاظ على هذه الحرفة من خلال ورش العمل التعليمية والمنظمات الثقافية التي تدعم الحرف التقليدية.
ورغم التحديات، تبقى صناعة النول في ليبيا شاهدة على براعة الحرفيين ووفائهم لهذا التراث، وبين خيوط الماضي والمستقبل، يظل النسيج اليدوي أكثر من مجرد صناعة، بل هو قصة تُحاك بكل حب وإتقان.