محمد الخزعلي
كانت ليبيا ولا تزال .. تلك الأرض المترامية في أحضان الصحراء.. أشبه بالحكاية المتناقضة .. تجمع بين الانفصال والوحدة .. بين القطيعة والارتباط .. صحراؤها الكبرى تمتد كبحر من الرمال.. تفصل بين أقاليمها الثلاث وكأنها جُزُرٌ متباعدة .. تتداخل في بعض محطات تاريخها بدور سلبي.. تعزل بعضها عن بعض وتجعل التواصل بينها ضرباً من التحدي ..
ومع ذلك ، فإن تلك الصحراء التي بدت يوماً حاجزاً .. تحولت مع الوقت إلى رابط خفي .. يمد جذوره في عمق الهوية التي تجمع أبناءها ..
على الرغم من قلة الأنهار وشحّ الأمطار .. ومع ندرة الصناعات وضعف الزراعة التي لا توجد إلا في بعض البقاع .. إلا أن الليبيين وجدوا في التجارة دربهم وملاذهم الآمن ..
ففي الغرب ، تنساب أرواحهم نحو المغرب العربي وتتصل مصالحهم بأوروبا .. في الشرق تمتد صلاتهم بالمشرق .. بينما الجنوب ينبض بروح إفريقيا كأنه شريان يصل الاتجاهات..
وهكذا، كانت ليبيا دائماً همزة وصل ، لا تُحاصرها حدود الرمل ، بل تسكنها روح التبادل والتواصل .. ورغم هذا التنوع في الجغرافيا والاتجاهات.. ظلت ليبيا وحدة متماسكة .. تحمل بين جنباتها ديناً واحداً .. الإسلام .. ولغة واحدة .. العربية.. ومذهباً جامعاً.. المالكي .. تلك الهوية الراسخة جعلت من ليبيا أكثر من مجرد أرض تفصلها الصحراء، بل وطن يوحّد شعبه رغم كل التحديات .