الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-03-09

5:05 مساءً

أهم اللأخبار

2025-03-09 5:05 مساءً

بين التراثي والحداثي .. بين الأماني المعلبة ودعني أحلم .. صَنعت مملكةً لقاصة وصحافية ومحاربة .. سلاحها الكلمة

01

لطفية القبايلي

كتبت صاحبة السيرة العطرة المرأة ” الحانية القوية في آن ” الأديبة الليبية التي أعجبت بأسلوبها الراقي في أول لقاء بيننا في معرض الكتاب الدولي منتصف التسعينيات من القرن الماضي والذي يقام سنويا بطرابلس على أرض المعارض هناك .. وأثناء جلسات ثقافية مثمرة بمن أحيوها ومن كانوا حاضرينها بقوة .. وتتضح ملامح شخصيتها من أول قصة قصيرة طرحتها للقراء في العام 1958 بعنوان «جميلة» تأثرًا بالمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد وعمرها 11 عاما فقط .. هي الأديبة القاصة والصحافية المنادية طوال عمرها بنبذ النظرة المجتمعية المتخلفة تجاه المرأة مستهجنة بقلمها القصصي والصحفي كل الممارسات التي من شأنها الحط من قدر هذا الكيان الكبير المربي والمنجب قبلا وصانع الأسر والعوائل بكل اقتدار .. مع كثر من المناضلات الليبيات نقشت _ لطفية القبائلي اسمها سلاحها الكلمة المتقنة وهي بنت بمدينة طرابلس المولودة في العام 1948، تحصلت على إجازة التدريس العامة 1966 _ وإجازة التدريس الخاصة عام 1967 ولم تتوقف لتتحصل أيضا على ليسانس جغرافيا عام 1973 …

اتجهت بداية حياتها العملية للعمل بالتدريس .. عملها بمجال الصحافة وتكثيف رؤاها ونصوصها وحواراتها وقوة قلمها وجرأته أهلها بعملها في مجلة البيت لأن تقلدت منصب رئيس تحرير المجلة ، اهتمت في قصصها ومقالاتها الصحفية بقضايا المرأة وحقها في التعليم والعمل وحرية التعبير .. القبايلي خاضت دورا عصيبا في زمن صعب فهي قاصة من جيل الرواد، تحررت بالإرادة والصدفة معًا من تابوهات العرف والخرافة ، وبخروجها من القمقم ، فكانت أنثى تقتفي أثر سرد يحتوي كينونتها بعيدًا عن طوق التصنيف .. القبايلي وبنات جيلها تأثرن بالمد القومي الناصري مع بداية صباهن وملامح الكتابة التي بدأت تتوجهن كأديبات ليبيات .. تأثرن بحرب التحرير الجزائرية وبقصة نضال جميلة بوحيرد وقضية فلسطين وقصص كفاح النساء هناك بجانب الرجال .. فشاركت بقصتها ” جميلة ” فعرفت بلونها القصصي المواكب لكفاح الشعوب العربية وبسرد تأثر برواد النص الأدبي الليبي مع بدايات الخمسينيات من كانت تتابعهم وتقرأ لهم بنهم كخليفة التليسي ومحمد المسلاتي وعائشة عبدالرحمن وكانت توقع بلقب ( بنت الشاطيء ) ومن بين من تأثر سردها بهم فريد سيالة وعلي مصطفى المصراتي من ليبيا أما من امتزجت أفكارها بأقلامهم المهمة من غير الأدباء الليبيين أشهرهم سميرة عزام ومصطفى لطفي المنفلوطي وطه حسين .. معا شكلوا شيئا في فكرها وتأثرت بهم كتابة وبقوة ما يطرحون … قالت :

مع استمراري في الكتابة نصحني الأديب الراحل خليفة التليسي بأن أجمع ما كتبت من قصص قصيرة لتصدر في مجموعة بعنوان «أماني معلبة» العام  1977، ثم مجموعة «دعني أحلم»، وكتاب في أدب الرحلات لازال حتى هذه اللحظة في طور المخطوطة. وقيل عن مجموعتي أماني معلبة ودعني أحلم أنهما تتوقان للتمرد متضحا هذا من عناوينهما ولكنني أقول ليس هذا تمردا بالمعنى المباشر .. ولكن إلى كسر شيء ما ، المرأة الليبية والعربية عمومًا عانت ولاتزال ثالوثًا ضاغطًا تجسده التقاليد والأاسطورة والخرافة، وطبيعي أن تتوالد اللحظات والمشاعر منصهرة في فضاء الحيرة والتردد، متمحورة حول الهموم الذاتية للمرأة، وأحيانًا للرجل، لذا جاءت معبرة عن صور تلك الضغوط بدرجات متفاوتة، من الخاطرة إلى التهويمة إلى الانفعالات السريعة، لتتحول في شكلها النهائي إلى سرد نصي قصير فظلت مجموعة «دعني أحلم» لم ترَ النور بعد لسنوات عديدة رغم أنها كتبت فترة الثمانينات وتصوروا واقع وطموحات المرأة الليبية آنذاك ، وكان لابد من كيمياء الكتابة أن تبوح بسرها للحلم ، وتبحث لها عن مَخرج من دائرة الوجع كيفما كان.

عملها في التدريس لم يثنها في العام 1968 م بعد التقائها بالسيدة الشاعرة والكاتبة خديجة الجهمي ذاك العام بالمصادفة السعيدة في حياتها .. لم يثنها من التعلق بالصحافة وتتلمذت على يد الكاتبة الكبيرة آنذاك خديجة الجهمي التي ترأست تلك السنوات مجلة المرأة قبل أن تنشأ مجلة الأمل والبيت وتزاملت صحفيا مع بنات جيلها نادرة عويتي ومرضية النعاس وأخريات خضن المجال باقتدار .. وكانت تلك بوابتها للخروج من قوقعة مجتمع وقف ضد طموح المرأة التي ترغب العمل بغير مجال التدريس وحتى التدريس في تلك الأعوام كن يخضنه بخجل ووفقا لضرورة العصر والتطور ولكنها ناضلت بقلم لم ينكسر والمتتبع لنصوصها في معالجاتها وحواراتها الصحافية سيدرك هذا مثل :

_ ثقب الباب // نصا يصف واقع العادات والتقاليد الاجتماعية التي فرضتها أعرافا سائدة كما يحدث في الأعراس وفيها تستعين ببعض المصطلحات التي لم تكن لتأتي إلا بالليبية الدارجة لتفهم مقتربة بذلك من ذهن المتلقي .

_ مواقف عائلية // قصص اجتماعية حاكت مشاكل عائلية واقعية خلف جدران البيوتات الليبية وطرحت المشاكل معززة نهايات النصوص بحلول واجبة توقفها وتنهيها لم تترك فقط الجراح نازفة بل اقترحت كيف تقطبها .

_ مذكرات مدرسة // كان النص الأكثر قوة وجرأة وكي يستوعب في مجتمع مازال منغلقا جمعت فيه كما نصوص عدة بين روح النص الأدبي السارد لقضايا اجتماعية والكلمات التوعوية المحرضة دون الخروج عن سياق المجتمع المنضبط ويفترض دينيا وعربيا وليبيا ولكن دون غلو .

منذ نعومة أظفارها وقبل دخولها المسابقة الهدف التي انطلقت عبرها عوالمها السحرية الواقعية لتعالج بعض الظواهر الظالمة ضد المرأة في مجتمعها .. مرايا ذاكرة القاصة الكبيرة لطفية القبايلي عكست نموها شيئا فشيئا في هذا المجال عبر صحف الحائط المدرسية حيث تمكنت بشعاع الطموح النفاذ من طوق العزلة إلى النشر في جريدة «طرابلس الغرب»، التي كانت تبحث عبر محرريها عن مواهب في المعاهد والمدارس، وتقوم بنشر تلك النصوص الواعدة ، عبرتلك البدايات المحتشمة الخجولة كان منعطف الحياة يرسم لي طريق الولوج إلى عالم الكتابة في زمن الخمسينيات حيث لا راديو ولا تلفاز، يقابله شغف لامحدود بالقراءة ومراسلة الصحف وكتابة الخواطر وأديبتنا الموعودة بالألق ماتزال طالبة. كل تلك المحطات كانت مقدمة لتصل بها قدرتها الإبداعية في مجال الصحافة وهي ماتزال محررة شابة لإجراء حوارات مع المفكر الجزائري مالك بن نبي ، وألبرتو مورافيا ، ورجيه غارودي ، ويوسف السباعي كيف لا تستطيع محاورة هذه الأسماء المهمة من قلت عنها موعودة بالألق لأنها كانت تعي ماتفعل إذ قالت في إحدى اللقاءات التي أجريت معها :

حالة الجرأة التي تلبستني منذ الطفولة مكنتني لاحقًا من كسر تابوه السياق التعليمي كمدرسة لصف البنين بمدرسة (هايتي) في زمن لا تسمح الرقابة الاجتماعية الذكورية بممارسة المهنة على هذا النحو.

الدارس لكتابات القبايلي يدرك أنها لم تضع أمامها قالبًا معينًا في الكتابة ..فعندما تكتب لا تضع نصوصًا مدرسية أمامها ، بل تتناول الحدث بعفوية تقربها من أبطاله كما أوضحت في حوارات عدة هي ذاتها مؤكدة أن نهج الأسلوب السردي الذي يقتضيه الموقف هو ديدنها في الكتابة ، كاستخدام الحوار العامي والمزج بين ما هو تراثي وحداثي ، وترك النهايات لذهن القارئ لافتراض جميع الاحتمالات الممكنة  فتقول : أنا هنا أتمثل بقول الروائي الفرنسي جان ماري غوستاف «كي نكتب ينبغي أن تتوفر فينا أشياء أخرى غير حفظ المعاجم والتراكيب اللغوية»، هي هضم كل كل ما يقرأ وجعل مادته تنتقل إلى النفس انتقالاً وتتحول في الأعماق بكيفية تلقائية.

ككاتبة وصحفية ناشئة آنذاك في مجلة معنية بتوعية المجتمع لم يضعها في مواجهة مع المجتمع فالسياق التحريري لمجلة «المرأة» متفهم لطبيعة البيئة المجتمعية ، وإدراكها بذكائها لتلك الخصوصية مكنها اختيار الأسلوب الذي يوصل الرسالة بأقل الأضرار فأحب القراء ماتكتب وتلقفوه بعناية الراغب استفادة وتفهما .. مع واقع الحياة الثقافية المشجع على تكوين قاعدة واسعة من القراء ذاك الزمان المشهور بتنوع الصحف وعناوينها والكتب والكتاب ومحبة الليبيين للقراءة بخلاف هذا الزمن الذي نعيشه قطعا ومع فورة الوعي المتمثلة في  تأسيس المنتديات والمؤسسات الأهلية و الجمعيات النسائية التي كانت لطفيه القبايلي تهاجمها في كتاباتها حينما تحيد عن مسار الهدف الذي أقيمت من أجله والأساسي فيها توعية المرأة وتغلغلها بشكل يليق بروح المجتمع في مجتمعها وتشجيعها علميا وأدبيا والرفع من معنوياتها وتحفيز قدراتها في كل مجالات الحياة وحينما سألت أيضا في حوار إذاعي عن هذا الهجوم على الجمعيات النسائية واتهمت أن ماتفعله صحفيا ضدهم يناقض دورها ككاتبة تنادي بتحرر المرأة قالت مفحمة ادعاءات من ينشر هذا الكلام وبحدية الواثق مما يعمل :

الجمعيات النسائية هي مكان للثرثرة ولا يجب أن تكون هكذا ولا يفترض أن تقوم على هذا إسفاف لكيان المرأة ، بل انها تدعو للنسوية الخالصة وهو منطق في رأيي يجافي مفهوم التحرر الذي يجمع المرأة والرجل في خندق واحد ، حتى على مستوى الكتابة أرى في مصطلح الأدب الذكوري والنسوي، ضربًا من الوهم ، فالأدب هو الأدب ما تكتبه المرأة أو الرجل، ولا تفوتني الإشارة إلى أن مجلة «المرأة» لم تكن نسوية في كادرها، فصفحاتها احتضنت أقلام كتاب كبار أمثال يوسف الشريف وكامل عراب وأمين مازن وغيرهم .. أنا وبنات جيلي لم نقع في مصيدة الأدب المكشوف أو الإباحي كما في أعمال بعض الكاتبات الليبيات اليوم باسم التحرر ومن اكتشف قديما أن النعاس كانت تكتب أدبا وصحافة باسم مستعار لرجل والقيادي كذلك لم تبدأ باسمها شريفه بل باسم مستعار لرجل فهل ميز أو اكتشف أن من يكتب امرأة حتى تسنى لها أن تكون ذاتها بعد تطور وتفهم المجتمع .

_ تحصلت لطفية القبايلي على وسام الثقافة في مهرجان ثقافي مهم بالجمهورية التونسية بداية الألفينيات .. كما شاركت في عديد المهرجانات الثقافية المهمة في مصر ومالطا والجزائر ومعظم المهرجانات المحلية في بلادها .. وفي السنوات الأخيرة بدء من العام 2019 تقوقعت مبتعدة عن المجال والمشاركات والظهور بسبب حالتها الصحية عفاها الله وشفاها وقبل أن تقعدها ظروفها الصحية عن ممارسة ما أتقنته فن الكتابة الإبداعية الذي تميزت به متتلمذا على يدها جيل بأسره وأكثر .. كرّمتها الهيئة العامة للثقافة في العام 2018 م حيث استضافت المكرمين في بيتها وكان تقديرًا لمسيرتها الصحفية والأدبية على مدار الأربعة عقود الماضية .. فحضر عن الهيئة عضو اللجنة التسييرية السيدة إكرام الكاتب ، و مدير إدارة البرامج والأنشطة بالوزارة  السيد فوزي الطرشي مع عدد من الأدباء والكتاب والإعلاميين منهم المجايل لحضرتها ومنهم الأجيال التي التحقت بعدها في المجال ولفيف من العائلة والصحب وأختم سيرة أديبة أحببت قلمها وشخصيتها وشعرت أنها ظلمت حينما لم تنشر أعمالها حتى ماجمعته بمخطوطات .. برأي مهم لها متمنية أن بعض ماجمعته عن سيرتها الحياتية الإبداعية يكون رافدا ودافعا لكل مبدعة ليبية ماتزال تتلمس دربها لتكون .. قالت لطفية القبايلي:

جوهر السؤال النهضوي في كتابات المبدعات الليبيات // أن تتعلم المرأة وتتمكن من معرفة حقوقها وتدخل ميدان العمل أسوة بالرجل، هذا منجز مكافئ لجوهرها الإنساني ، المرأة الليبية حققت جزءًا من هذه المقاربة التنويرية أواخر الستينات والسبعينات على مستوى المشاركة في الفعاليات الثقافية والندوات ، ثم بدأ حضورها يتراجع ، والسبب أن المرأة الليبية والعربية عمومًا أُغتيلت في كيانها واُستغلت وتم تشيئوها وتحولت إلى مجرد ديكور، وأصبح ارتباطها بالسرد يكاد يكون مشروطًا بوضعها في قالب واحد وهو لغة الجسد .. تناولها في هذا القالب قد لا يعني تشويه المرأة وإنما فضح واقعها المتخلف .. وأنا لست ضد هذا المبدأ ولكن اختلافي في أسلوب التناول وهو أن لا تكتب قصة فاضحة جدًّا باسم الحرية، والاشتغال على لغة الجسد لشد الانتباه، والأمثلة على ذلك كثيرة في السرد العربي الحديث والإشارة هنا إلى ما يكتبه الرجل والمرأة معًا، في المقابل نجد أعمالاً تناقش جوهر الإيقاع الحياتي دون الارتماء الكامل في حضن الإباحية، بدءًا بليلى بعلبكي في «أنا أحيا» وصوفي عبدالله في «لعنة الجسد» ثم أحلام مستغانمي في «ذاكرة الجسد» و«عابر سرير» وغيرها، نجد شواهد لهذا الإيحاء لكنه بقي محكومًا بالمضمون العام للنص ملتمسًا مسلكه نحو عوالم الكيان الإنساني .. فمسيرة هذا الكيان تتجه نحو بقائه مشتركًا يذوب فيه كلانا، ولكن ذلك لا يمنعني من القول إن الرجل دخل عالم المرأة وشيأها ونجح في ذلك ، والمضحك عندما يكتب عن المسكوت عنه سيحميه رولان بارت بـ«موت المؤلف»، في مقابل أن المرأة عندما تتناول المسكوت عنه، تلصق بها تهمة أن ما هو مسرود يعكس ماضيها الخاص وإرجاعها دائمًا إلى المعادل الفيزيائي، لا أحد يحاسب الرجل والمرأة تبقى دائمًا في قفص الاتهام.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة