بدرية الاشهب
تقول أحضرية وغيرت عاداتها
فيا البداوة أصل ومفاعيل
أنا بنت هاذي الأرض من طياتها
أنا من مطرها وعشبها والسيل
أنا من دماً سالت على جالاتها
نايات تجري في عروق الجيل
أنا من بَحَرْها ومن شجر غاباتها
من كل واحة وارفة بنخيل
أنا من سواحلها وهوا جناناتها
أنا م الرتم والطلح والقصيل
أنا من قرى متوسدة طيباتها
ف ظل المحبة عاشقة لمقيل
أنا من صحاري غازلة ذراتها
ثياب لانبياء وساحة التنزيل
أنا من أجبال أحقافها ثكناتها
لنار المعارك شاعلة الفتيل
أنا من نفس أمي وصوت رحاتها
وبكيت هجاويها عقاب الليل
وغناوة (الجباد) في حوشاتها
اللي جابت مخاوير أسمرة والنيل
أنا من عباه رحلن سداياتها

هي تلك المعجونة بليبيتها حد التجانس لونا قمحيا ولهجة بنغازية وعمق شاطيء الشابي هي تلك الأيقونة الشعرية التي قال عنها الأستاذ ناجي العرفي : بدرية إبراهيم الأشهب شاعرة الوطن والوجدان الليبي …
* تَوَسَّد الرملْ .. إذراعا
طالق اصْروعَ الريح
*يَنْشل .. مِنْ أنيابْ السرابْ
اشْراعا
رُبَانْ الرحيل أيصيحْ
* لَمْ المسَا أتباعا
عُيون
تفهما .. تلميحْ
يرْموا الشَبَكْ .. ع الساعه
يخرْ النهار أيطيحْ

ولدت الشاعرة بدرية إبراهيم الأشهب عام 1952 في مدينة بنغازي، ونشأت بين أزقتها التي ألهمتها حب الكلمة والإحساس العميق بالمكان والناس .. درست الاجتماعيات وحصلت على إجازة تدريس خاصة ، وعملت كمدرّسة في مرحلة التعليم الأساسي ، لتكون الكلمة دائمًا جزءًا من حياتها، سواء في التعليم أو في الشعر ..
اتخِشّْ إِحْسَاسي .. وتحصي عَليَّا زفرتي وأنفاسي
تغزلني مَرَاوِح مِ الشّْعَاع الماسي
وتطلعني علي سِرّْ الغَرَام المَخْفِي
اتوسِّدني ذْراع النَّجم وقت نْعاسي
وتسرد علي سمع اللَّيَالِي وَصْفي
أنثى شاعرة .. وشاعرة مهجوسة بالوطن الاشهب بأسلوبها الشعري الرقيق بعاطفتها العميقة وبارتباطها بهويتها كانت علامة وبصمة في كل ليبيا وهكذا أحبها من سمعها تتغنى بالوطن وتعلق بجملها الضاربة في عمق حارات وزنايق وشوارع ومناطق بنغازيها .. وقصدت الهاء العائدة على قلبها وجوارحها كما تصفها في قصائدها التي تلهب المشاعر كما كتبت :
بنغازي عزوز موشمه ايديها
من كفها تطلع الشمس
في كفها الثاني إطيح
مابينهن تغزل الشمس
أيـامنـا وأحلامنـا
مابينهن تسكن الريح
بنغازي عزور لابسة ” رقعة “
بيها إحتمى ليل الشتا وصقعـة
خيوط رقعتها أزقتنا وحوارينا
خيوط رقعتها
شراييـن الحيـاة فينـا
صوت خطوتها ونـس
من غير ما نحكي تحس
من غير مانحتاج للتلميح
ارتباط الشاعرة بدرية ابراهيم الاشهب بالهوية الليبية قدمت من خلاله للمكتبة الليبية الثقافية عديد الأعمال المكتوبة والمغناة .. حيث تميزت كلماتها بالسلاسة والموسقة التي تغري الفنانين بتلحينها وغنائها فكانت حصيلة مهمة من قصائدها مغناة للوطن ولبنغازي وللطفل ديوان كامل بروعته من ألحان الخضر وغناء مجموعة من الأطفال :
# ياغيمه ياجايبه قطرات امية .. عندي ورده ذابله اسقيها ليا
قطوستنا خايفه ينبل شعرها .. كداته بلسانها من فوق ظهرها
تبي حوش خوالي الي فيه الظلالية
تميزت بدرية الأشهب بقدرتها على صياغة الكلمات التي تلامس القلوب، فغنى لها العديد من الفنانين، ومن أشهر ماتغنى به سيف النصر من أغانيها .. قصيدة ليل المدينة من ألحانه أيضا وفي مطلعها : (( في خاطري لك وحشة .. تسألني علي اخباري))
بدرية الأشهب ليست مجرد شاعرة، بل هي صوت يحمل دفء ليبيا ووجدانها، تسكن كلماتها القلوب لأنها نابعة من واقع صادق وتجربة غنية. بقيت قصائدها خالدة في الذاكرة الليبية، وستظل تلهم الأجيال القادمة بجماليات الشعر الشعبي وأصالته .. كتب عن رومانسية طاغية في قصائدها أيضا العاطفية كما في عاطفيتها تجاه الوطن .. الشاعر الكبير جمعة الفاخري فقال في جزئية انتقيتها من قراءة له في إحداهن المعنونة نقطة ضعف وردت في مخطوطه كتابي في رحابِقصيدةٍ ، وهو مجموعة قراءات في قصائد شعبيَّةٍ :
القَصِيدَةُ تُعَدُّ – بِحَقٍّ- أُنْمُوذَجًا مِثَاليًّا لِلْقَصِيدَةِ العَامِّيَّةِ الرُّومَانِسِيَّةِ لِإكِثَارِ الشَّاعِرَةِ تَرْصِيعِ أَبْيَاتِهَا بِعَنَاصِرِ الطَّبِيعَةِ وَسِيلَةً لِلتَّعْبِيرِ الفَنِّي، مِثْلُ:
الشَّعَاع الماسي، النَّجم، اللَّيَالي، النُّور، الغيم، الآفاق، الخمائل، الشَّوَاطِئ، العصافير،خرير السَّواقي، الرَّوَابي، الغروب، الإشراق، الشُّموس، الأوراق، الثَّمار.. وغيرها.
فَضْلاً عَنِ النَّزْعَةِ الذَّاتِيَّةِ لِلشَّاعِرَةِ؛ فَهْيَ ذَاتُ طَابِعٍ وِجْدَانِيٍّ تُعَبِّرُ عَنْ ذَاتِهَا فِي مُجْمَلِ أَبْيَاتِ القَصِيدَةِ. مَعَ اهْتِمَامِ الشَّاعِرَةِ بِالْمَعْنَى وَالفِكْرَةِ دُونَ إِهْمَالِ الْمَبْنَى، وَالاعْتِنَاءِ بِحُسْنِ الصِّيَاغَةِ، وَتَأْنِيقِ التَّعَابِيرِ، مَعَ عِنَاقِ الْخِيَالِ وَالْأَحْلَامِ فٍي جُلِّ تَعَابِيرِهَا.
وَنَلْحَظُ تَمَسُّكَ الشَّاعِرَةِ بِالْوِحْدَةِ العِضْوِيَّةِ لِلْقَصِيدَةِ، فَهْيَ لَمْ تُغَادِرْ تَيْمَةَ النَّقِيضَيْنِ اللَّذَيْنِ بَنَتْ عَلَيْهِمَا القَصِيدَةَ: تَعْذِيبِهِ وَإِسْعَادِهِ لَهَا، بِيْنَ الحَنِينِ إِلَيْهُ وَالتَّعَذُّبِ بِهِ:
(قادر تعذِّبني وقادر تعفي ..عارف غرامك هُوّْ نقطة ضعفي)
كَمَا يَظْهَرُ اِعْتِنَاؤُهَا بِالْمُوسِيقِا الدَّاخِلِيَّةِ، بِتَعَمُّدِهَا تِكْرَارَ حُرُوفٍ بِعَيْنِهَا، وَكَلِمَاتٍ بِذَاتِهَا تَتَقَارُبُ فِي بُنْيَتِهَا، وَتَخْتَلِفُ فِي مَعَانَيهَا، وَاعْتِمَادِهَا عَلَى صُوَرِ الْجِنَاسِ الِجَمِيلَةِ مِثْلَمَا نَلْمَحُهُ فِي هَذِهِ الأَبْيَاتِ لِلشَّاعِرَة بدريَّة الأشهب:
ضعفي كَامِـنْ .. في وين ما لحظة بقربك نامن
وين ما إيديك غفن في ايدي ونَامَنْ ..
نقول للزَّمَان خلاص هذا يكفي
بِيّ المشاعر في الغَلا يسَّــــــــــامَنْ ..
يرتاح العنا مِنِّي وجفني يغفي
إِذْ أَنَّ بَيْنَ كَلِمَتِي: (كامن، نامن ) جِنَاسٌ نَاقِصٌ، وَبَيْنَ (نامن، ونامن) فَـ(نَامَنَ) الأُولَى بِمَعْنَى (نأمن) أي الشُّعُورُ بِالأَمْنِ وَالأَمَانِ، وَ(نَامَنْ) مِنَ النَّوْمِ.
وَمِنْ مَلَامِحِ المَدْرَسَةِ الرَّومَانِسِيَّةِ اِسْتَعْمَالُ الرَّمْزِ – نَوْعًا مَا – لِصِيَاغَةِ التَّجْرِبَةِ الشِّعْرِيَّةِ لِلشَّاعِرَةِ، تُعْينُهَا عَلَى تَحْقِيقِ هَذَا الْمُبْتَغَى ثَقَافَةٌ مُعْتَبَرَةٌ، وَاطِّلَاعٌ كَبِيرٌ عَلَى الشِّعْرِ الفَصِيحِ بِفَضَاءَاتِهِ الشَّاسِعَةِ الرَّحِيبَةِ، وَالاتِّكَاءُ عَلَى لُغَةٍ شِعْرِيَّةٍ بَسِيطَةٍ مُعَبِّرةٍ، تَخْلُو مِنَ التَّعْقِيدِ اللُّغَوِيِّ، وَصِيَاغَةُ أَفْكَارِهَا بِأُسْلُوبٍ وَأَلْفَاظٍ مَأْلُوفَةٍ مُوحِيَةٍ ذَاتِ دَلَالَاتٍ عَمِيقَةٍ، وَمَجَازَاتٍ عَالِيَةٍ.
وتَتَحَقَّقُ هَذهِ الرُّومَانْسِيَّةُ الْمُشْتَهَاةُ فِي القَصَائِدِ العَامِّيَّةِ لَدَى بَدْرِيَّةِ الأشهب، وَفي هَذِهِ القَصِيدَةِ خَاصَّةً، بِسَبَبِ جَزَالَتِهَا، وَاتِّسَاعِ مَسَاحَةِ الحُلُمِ بِهَا، وَلَتَوِفُّرِ الخَيَالِ الجَانِحِ فِيهَا، وَلِرَوْعَةِ العِبَارَاتِ الشِّعْرِيَّةِ الْمُخْتَارَةِ بِدَقَّةٍ وَعِنَايَةٍ فَائِقَتَيْنِ.
مـن يصـــدق … إنك إنت من عبر بيا بحور الشوق
ورجعني جريـح ..
مـن يصـــدق …إنك إنت من نزع مـن عيني آهــا
عمرها عمر العنا والصد والتجريح
مـن يصــدق .. إنـك إنت مـن حصـدني
قبل أوانـــي .. وذراني في وجه الريح

بدرية الطفلة التي فتحت عينيها على الحياة في منطقة البركة شارع بن عيسى في بداية الخمسينيات وسكنت بعد ردح من الزمان البركة أيضا ولكنها ارتبطت وجدانيا بزاوية سيدي عبدالجليل هناك وفي قصائدها مايشير إلى وجدانها المبهور بزينة الزوايا في البركة أيام الميلود وفي استقبال رمضان المبارك وكل الاحتفالات الدينية في المدينة .. في شارع سيدي عبدالجليل هي إلى الآن تمهر كتبها التي صدرت باللغة العربية بشاعرية الحرف النثري كما قصائدها المحكية العامية الشعبية في آن التي صورت فيها وعبرها ليبيتها وبنغازيتها بقوة السابر غور هوية مارستها ولم تسمع عنها وأحبت أن توطنها في أذاهان وقلوب أجيال قادمة ولا تتركهم نهب السماع بل رسمت لهم الرؤى وكأنهم يتعايشونها كماها .. فتجربتها الشعرية مستوحاة من حكايات جدتها من الخرافة وأغاني الرحى والأمثال الشعبية والأحاديث اليومية وتربيتها السمحة حيث شاهدت يومياتها وهي ( تهاجي وترجب وتهدي الحلوى في المواسم )
.. وهذا ماجعل الكل يقترب من كلماتها وكأنه يشاهد ويسجل حياة متكاملة تربية وطريقة عيش وصورا للمدينة كما شاهدتها وكتبت عنها معايشة دائمة .. الأديبة المتجددة المبتكرة استطاعت أن تنفرد بأعمالها حيث تقرأ أو تقال فهو صوتها ونفسها الشعري .. نشرت نتاجها عبر الصحف والمجلات الليبية جميعها كرمز وعلم من أعلام الثقافة في بلادها .
مخلصة هي شاعرتنا فلم تترك أحدا تتلمذت عليه وتعلمت منه فن الحياة الاجتماعية إلا وذكرته في قصائدها ( أناس وأمكنة وأزمنة ) جعلت منها شاهدا على عصرها عبر كتاباتها الجميلة .. فحق أن تكرمها ليبيا في عديد المهرجانات والمحافل إمرأة دافئة وشاعرة مخضرمة ومعلمة التف حولها تلاميذها لصفاتها الإنسانية فوق العادة حق أن تسمى (( شاعرة الوطن والتراث والأصالة )) ننتظر منها المزيد ليضاف لسيرتها العطرة فليس هذا آخر ماسيكون في عطائها الأدبي الشعري .
أسمحْ م الدار. بكيا فى ذراها
تالى ليل والدنيا .. سكون
بتْهمهيم. ويردد .. صداها
غربة طير متلحف ..آغْصون
تْمر غيوم تْلبد .. سماها
ينْدى قلب وتمْطر ..عيون
تْلم آطراف. وتجمع .. مداها
وتنْصب نوع إيجلى .. غْبون
تْشق جيوب وتكشف .. عضاها
دمعة حزن فرتْ .. م الجفون
قوافل دمع فوق خد ..آيتباهى
كما (رسال) يلْزم فى ضعون
تغْرد نين ما تفقد .. آوعاها
وهى فى قول .. (يانا يالحنون)
خرْبت سوق داروها .. عْداها
رموها فوق من ضفة .. جنون
هاضا الحال يا مودر .. دواها
يبكى قلب وتضحك .. سْنون
أن صدت خلاى. نبكى فى ذراها
يكبر جرح .. ويصغر الكون

أصدرت شاعرتنا بدرية الاشهب :
_ ديوان باللهجة _ نقطة ضعف
_ ديوان عيون الليل صدر عن مجلس الثقافة العام سنة 2008 م
_ كتاب نثري باللغة العربية _ اوراق خاصة ..
_ كتاب توثيقي تاريخي صدر عام 2012 بعنوان معجم المفردات البنغازية .
إهداء الكتاب كان مختلفا لدرجة أن صفحات التواصل الاجتماعي تناقلته فهي تهديه لكل أهلها في بنغازي بحب ومودة فكتبت:
إلي (شياب وعزايز) هذه المدينة الذاكرة.. التي حفظت لنا الكثير من تراثها وثقافتها.. إلى كل من حفظ عنهم، ويقدمه إلى الأجيال اللاحقة
_ ديوان مسموع من أعمالها الشعرية بصوتها
– مجموعة أقراص للأطفال
ولديها مخطوط تحت الطبع بعنوان : السبحة والمنديل