أصدر محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى، بيان رسمي اليوم سلّط فيه الضوء على جملة من التحديات الاقتصادية والمالية الحرجة التي تمر بها ليبيا، نتيجة تفاقم الإنفاق العام والانقسام السياسي الحاد في الدولة.
وجاء في البيان تأكيد المصرف على التزامه الكامل بالقانون رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته، وسعيه الدائم لتحقيق الاستقرار المالي والنقدي، إلاّ أن الظروف المحيطة والتحديات الكبيرة دفعت المصرف إلى الكشف عن مجموعة من الحقائق المقلقة التي تؤثر على أداء الاقتصاد الوطني.
وذكر البيان أبرز النقاط التي تضمنها، مستهلاً إياها بالإنفاق العام المزدوج، حيث وصل الإنفاق العام في العام 2024 إلى 224 مليار دينار، بواقع 123 مليار لحكومة الوحدة الوطنية، و42 مليار لمبادلة النفط، و59 مليار للحكومة الليبية، في حين بلغت الإيرادات النفطية والضريبية 136 مليار دينار فقط، هذا التفاوت ولّد طلب عالي على النقد الأجنبي قُدّر بـ 36 مليار دولار، ما تسبب في ضغوط كبيرة على سعر صرف الدينار الليبي.
وبحسب البيان أدى ذلك إلى التوسع في الإنفاق إلى تضخم عرض النقود ليبلغ 178.1 مليار دينار، وهو ما ينذر بارتفاع في معدلات التضخم، وضعف في قيمة العملة، ومخاطر تهدد الاستقرار الاقتصادي العام.
وأوضح البيان بأن تراجع إيرادات النفط، وانخفاض إيراداته المُورّدة للمصرف خلال عام 2024 إلى 18.6 مليار دولار، مقابل مصروفات بالنقد الأجنبي بلغت 27 مليار دولار، مما أدى إلى فجوة تمويلية عطلت قدرة المصرف على تنفيذ سياسة سعر صرف مستقرة.
ويتوقع المصرف المركزي استمرار الإنفاق المزدوج وقرارات الإنفاق في 2025، على أساس “12/1” وغياب ميزانية موحدة، مع استمرار مستوى الإنفاق كما في 2024، ما يعني استمرار الضغط على النقد الأجنبي وزيادة العجز في ميزان المدفوعات والدين العام.
وذكر المصرف في بيانه بلوغ مصروفات النقد الأجنبي في الربع الأول 9.8 مليار دولار، بينما كانت الإيرادات النفطية 5.2 مليار دولار فقط، مما خلق عجزاً قدره 4.6 مليار دولار خلال 3 أشهر.
وبلغ الدين العام الإجمالي لدى المصرفين “طرابلس وبنغازي” نحو 270 مليار دينار، ويتوقع أن يتجاوز 330 مليار دينار بنهاية 2025، وهو رقم وصفه المصرف بـ”غير القابل للاستدامة”.
وشرح المصرف في بيانه بأنه اضطر إلى استخدام جزء من الاحتياطيات الأجنبية التي تفوق 94 مليار دولار، للمحافظة على استقرار الأسعار، لكنه حذر من أن هذا الإجراء مؤقت وغير مستدام.
وأوضح المصرف أنّ أزمة الانقسام الحكومي، والاختلاف في القرارات والإجراءات بين الحكومتين أدى إلى غياب رؤية اقتصادية موحدة، ما قيد قدرة المصرف على تنفيذ سياسة نقدية فعالة.
وفاقمت ظاهرة التهريب، والهجرة غير الشرعية، واستهلاك العمالة الوافدة غير الرسمية لما يقارب 7 مليار دولار سنوياً، وتسببت في الضغط على النقد الأجنبي وساهمت في توسع السوق السوداء وغسل الأموال.
وجاء في البيان إعلان المصرف عن اتخاذ إجراءات حازمة، منها إعادة النظر في سعر الصرف وضوابط النقد الأجنبي، لتحقيق نوع من التوازن في ظل غياب السياسات الاقتصادية الكلية الفعّالة.
كما أبدى المصرف استعداده للتعاون الكامل مع كافة الجهات، ودعا السلطتين التشريعية والتنفيذية لتوحيد الجهود نحو إنهاء الانقسام السياسي، اعتماد ميزانية موحدة، ضبط الإنفاق العام، تعزيز الاستقرار الاقتصادي والنقدي.
ودعا المصرف الجهات القضائية والأمنية لتكثيف الجهود لمكافحة التهريب والمضاربة بالعملات الأجنبية، لما تشكله من تهديد مباشر للاقتصاد الوطني.