يشهد الاقتصاد الليبي تصاعدا مقلقا في أزماته المالية والنقدية في ظل استمرار الانقسام السياسي وغياب ميزانية موحدة للدولة ما دفع مصرف ليبيا المركزي إلى الإعلان عن وصول الدين العام إلى 270 مليار دينار موزعة بواقع 84 مليار دينار على مصرف طرابلس و186 مليار دينار على مصرف بنغازي مع توقعات بتجاوز الدين حاجز 330 مليار دينار بحلول نهاية عام 2025.
وأشار المصرف في بيان رسمي إلى أن الإنفاق العام خلال عام 2024 بلغ 224 مليار دينار نتج عنه طلب ضخم على النقد الأجنبي قدر بـ36 مليار دولار ساهم في زيادة الفجوة بين العرض والطلب على العملة الأجنبية وأدى إلى تفاقم الضغط على سعر الصرف في السوق الموازي.
وبحسب بيانات المركزي فقد أنفقت حكومة الوحدة الوطنية 123 مليار دينار مقابل 59 مليار دينار أنفقتها الحكومة الليبية وسط انتقادات حادة لاستمرار الصرف وفق قاعدة 1/12 في غياب أي رؤية اقتصادية واضحة أو قانون ميزانية صادر عن السلطة التشريعية منذ عام 2013.
المركزي يطلق ناقوس الخطر
المصرف المركزي حذر من استمرار ظاهرة المضاربة بالعملة وتهريب السلع والمحروقات داعيا وزارة الداخلية والجهات القضائية إلى اتخاذ إجراءات رادعة للحد من هذه الظواهر التي تستنزف احتياطات البلاد من النقد الأجنبي.
كما أشار إلى أن التوسع في الإنفاق المزدوج خلال السنوات الأخيرة أدى إلى تضخم عرض النقود الذي تجاوز 178 مليار دينار مما ينذر بفقدان الثقة في العملة المحلية إذا لم تُتخذ إجراءات تصحيحية عاجلة.
ردود فعل غاضبة وتحذيرات متصاعدة
قوبل بيان المصرف بردود فعل غاضبة من شخصيات سياسية وخبراء اقتصاديين اعتبروا أن تخفيض الدينار الليبي بنسبة 13.3% خطوة غير مدروسة تعكس عجزا حقيقيا في إدارة السياسة النقدية.
عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة وصف الوضع المالي بأنه دخل غرفة الإنعاش داعيا إلى تحرك وطني شامل لإنقاذ الاقتصاد عبر توحيد السلطة التنفيذية وإصدار قانون للميزانية وتقليص الإنفاق خاصة في الباب الثاني ووزارة الخارجية.
من جانبه اعتبر عضو ملتقى الحوار السياسي أحمد الشركسي أن المركزي لن ينجح في الدفاع عن سعر صرف جديد في ظل الهدر الكبير في المصروفات وغياب الشفافية محذرا من مزيد من العجز النقدي في ظل التوقعات بانخفاض أسعار النفط.
أما أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي د. عطية الفيتوري فقد انتقد بشدة لجوء المصرف لتخفيض قيمة الدينار مجددا واصفا ذلك بالنهج الفاشل الذي لم يحقق الأهداف المرجوة في السابق بل ساهم في خلق موجات تضخم مطالبا بإعادة النظر في السياسات الاقتصادية وتعزيز دور المصرف كمؤسسة رقابية فاعلة.
اتهامات بعرقلة الإصلاح
اتهم عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بعرقلة أي جهود للإصلاح المالي والإصرار على الإنفاق دون ضوابط معتبرا أن تخفيض سعر الصرف جاء نتيجة حتمية لهذا النهج.
أما الخبير الاقتصادي سليمان الشحومي فقد حمل المصرف المركزي مسؤولية كبرى في الأزمة مشيرا إلى تقاعسه عن أداء دوره كمستشار اقتصادي للدولة ومتهما إياه بالتواطؤ مع الحكومتين المتنازعتين في تسهيل الإنفاق غير المنضبط.
دعوات لإصلاح جذري
وشدد السفير الليبي الأسبق إبراهيم قرادة على ضرورة تبني مقاربة اقتصادية كلية ذات بعد اجتماعي مشيرا إلى أن الوضع الحالي ينذر بمزيد من التدهور في ظل ارتفاع أسعار السلع المستوردة وانخفاض العوائد النفطية.
وفي السياق ذاته حذر رجل الأعمال حسني بي من انهيار اقتصادي محتمل إذا ما انخفض سعر برميل النفط إلى أقل من 70 دولارا داعيا إلى استبدال نظام الدعم العيني بدعم نقدي مباشر يوفر نحو 5 مليارات دولار سنويا كانت تهدر بسبب الفساد والتهريب.
ما بين دين عام متفاقم وإنفاق غير منضبط وانقسام مؤسسي تقف ليبيا على حافة أزمة اقتصادية أكثر حدة تتطلب إصلاحات عاجلة تبدأ من توحيد السلطة المالية واعتماد ميزانية موحدة وصولا إلى ضبط الإنفاق العام وتحديث السياسات النقدية بما يحقق التوازن والاستقرار المالي ويعيد الثقة إلى المواطنين في الاقتصاد الوطني.