رحيل مبكر لصائد ضي القمر وشبيه السُكر الموسيقار الليبي الدكتور تامر العلوني

فُجِع الوسطان: الطبي والفني اليوم بوفاة الموسيقار الدكتور تامر العلواني، استشاري طب وجراحة العظام، والملحن والموسيقار المعروف، بعد صراع قصير مع المرض.

وكان الراحل قد خضع لعملية جراحية كبرى يوم الأحد الماضي لاستئصال ورم في البنكرياس، لكن حالته الصحية تدهورت بشكل مفاجئ عقب الجراحة، ليفارق الحياة، تاركًا أثرًا طيبًا في نفوس كل من عرفوه.

وُلد تامر العلواني في مدينة بنغازي عام 1974م، وتخرّج كطبيب متخصص في جراحة العظام من جامعة العرب الطبية. ورغم تخصصه الطبي، لم يكن حبه للموسيقى يقتصر على مجرد هواية، بل تحوّل إلى إبداع فني استثنائي، جعل ألحانه تمثل جزءًا من ذاكرة المستمع الليبي والعربي. جمع في أعماله بين الأصالة والتجريب، وكان يفضل أن يصنع موسيقاه في الظل بعيدًا عن الأضواء الإعلامية.

جمع الدكتور تامر العلواني بين التميز العلمي والموهبة الفنية، فكان مثالًا نادرًا للعطاء المتعدد، حيث عُرف بأخلاقه الرفيعة وتواضعه ودفء حضوره، وكان صديقًا للجميع في محيطه المهني والفني.

في مسيرته الموسيقية، قدّم الدكتور تامر عددًا من الأعمال التي لاقت رواجًا كبيرًا، من أبرزها أغنية “ضي القمر” للفنان المصري محمد محسن، من كلمات الشاعر سالم العالم، وتوزيع الموسيقار خالد عز. وقد طُرحت الأغنية على موقع “يوتيوب” في سبتمبر 2022، وحققت انتشارًا واسعًا واستحسان الجمهور وملايين المشاهدات.

رغم قلة ظهوره الإعلامي، كان تامر العلواني حاضرًا بقوة في وجدان كل من استمع إلى ألحانه. كان يُفضل أن يبقى في الظل، معزولًا عن الأضواء، تمامًا كما كان صوته في أغنياته، نغمة صامتة لكنها مؤثرة. لم يكن يحب الظهور الإعلامي، وغالبًا ما كانت محاولات الصحافة للوصول إليه تصطدم برفضه، إلا أن الشاعر سالم العالم، الذي كان رفيق دربه وصديقه المقرب، ساعد في إجراء مقابلة معه أخيرًا، حيث تحدث عن تجربته الفنية وأثره الكبير في تطوير الأغنية الليبية.

بدأت علاقة العلواني بالنصوص المحكية في عام 2003، عندما تعرف على الشاعر محمد الدنقلي والصيد الرقيعي في بنغازي. وعرف كيف يلامس كلمات الشعر المحكي ويترجمها إلى ألحان تلامس الروح. في إحدى تصريحاته قال العلواني: “النص المحكي لا يُلحن فقط، بل يُعاش”، مؤكدًا على العلاقة العميقة التي تربطه بالشعراء الذين يعمل معهم، مشيرًا إلى أن كل نص محكي يتحول في ذهنه إلى لحن ينبض بالحياة، يطوعه الموسيقى دون أن يفقد أصالته أو معناه.

كما لاقت أغنيته “لأنك تشبه السكر” نجاحًا كبيرًا، وهي من كلمات الشاعر الليبي محمد علي الدنقلي، وألحان وأداء الدكتور تامر العلواني نفسه، وتوزيع الموزع المصري إسلام الشريف. وقد نُشرت في قناة العلواني على “يوتيوب”

ورغم أن الفيديو نُشر بجودة بسيطة ضمن مجهود فردي، إلا أنه لامس قلوب الكثيرين، وكان الراحل يعتزم إعادة طرحه بجودة أفضل.

وتقول بعض أبياتها:

“لأنك تشبه السكر

نحاول ننسج العالم

على لون وهوى السكر

لأنك تشبه السكر

نحاول نختصر هالليل

بيش يظهر ونتصبح

على نورك على حضورك المتعطر”

في نظر العلواني، كانت الموسيقى أكثر من مجرد لحن، بل هي تجربة إنسانية بحد ذاتها. فقد كان يُفضل النصوص التي تُثير إحساسه كموسيقي وتلهمه لتوليف ألحان تمزج بين الجمال الفني والعمق العاطفي. إحدى أبرز تجاربه كانت مع الشاعر سالم العالم في أغنية “أرقص الألم”، وهو نص محكي مليء بالجرأة، أحب العلواني اللحن، حتى شعر وكأنه جزء من كيانه الفني. كما قال العالم عنه: “عندما يحب ملحنٌ ما نصًا، فهذا يعني أن النص في أيدٍ أمينة.”

وكان آخر أعمال الدكتور تامر، أغنية حملت عنوان “أنتِ الحياة”، أطلقها عبر حسابه على موقع فيسبوك يوم 22 مارس 2025، الأغنية من كلماته وألحانه وأدائه، والتنفيذ الموسيقي عزو العوامي.

ورغم أن هذا العمل كان قد نُفذ منذ سنوات، إلا أن الدكتور تامر أوضح أنه لم يجد الوقت الكافي لتوزيعه بالشكل اللائق، ليقرر طرحه أخيرًا كإهداء لكل الأمهات والزوجات والأخوات والبنات، وللمرأة الليبية خاصة، موجهًا تحية خاصة إلى بنغازي وأمه ليبيا.

تقول كلمات الأغنية:

“أنتِ الحياة

نبضي والهوى

وعمري اللي مشى… وعمري الجاي

وأنتِ الغلا

جرحي والدوا

وفرحي وبكاي”

وفي مفاجأة صادمة لمحبيه، لم يعد بالإمكان سماع أرشيف الفنان تامر العلواني على قناته الرسمية على منصة يوتيوب، حيث تم حذف كامل محتوى القناة عقب وفاته، مما شكّل صدمة جديدة لعشاق موسيقاه.

رحم الله الدكتور تامر العلواني