محمد الترهوني
أي شعر.. أي أوضاع ؟ أوضاع الشعر الليبي؟ الشعر في ليبيا نائم، ويعيش أحلاما سعيدة ويتنفس بهدوء، لأنه لم يسمع كلمة واحدة من ناقد عن عدم كفاءتهِ.
عاش الشعر في بلادنا في أحضان نقد انطباعي يشبه المحاكاة الساخرة للضغط على «أعجبني» في وسائل التواصل الاجتماعي. وإذا تجنبنا الحديث عن القصيدة المحافظة التي تشكل حطاما ضخما، أو قصيدة التفعيلة، التي إذا تخلصنا من الغطرسة والكبرياء المفرط، يمكن القول إنها مجرد صدى لصوت الشعر في المشرق العربي. لا القصيدة المحافظة، ولا قصيدة التفعيلة يمكن القول عنها إنها قصيدة ليبية، فقد كانت لدينا جميعا كعرب عصابة مفلطحة من الهموم والقضايا المشتركة، ونعتقد جميعا أننا مقاومون ومناضلون، وكلماتنا يجب أن تقاتل، لكن فجأة وبطريقةٍ ساخرة تراجع كل شيء، وأصبحنا بلا قوة وبلا أمل. حدثَ اختلافٌ في الهموم والقضايا نتج عنه اختلاف على مستوى الشعرية، وظهرت وسط تلك الفوضى قصيدة النثر، أو مشروع العالم السفلي، وارتبط هذا الموضوع في مُخيلة الكثير من الشعراء الليبيين بموضوع الحداثة، بينما هو في الحقيقة مرتبط بنص ما بعد الحداثة، مع أن لا أحد يعلم ما هو الفرق، إلا أن هناك تكدسا في خانة الحداثة، وهذا غريب حقا، لأن نص الحداثة مغلق «من حيث معناه» في حين نص ما بعد الحداثة مفتوح وغير محدد، وربما لا أحد أيضا يعلم معنى الفرق بين النص الموجود في ولأجل نفسهِ، والنص الملتزم بتبعية ومشاركة القارئ. وكالعادة لم يتم التعامل مع قصيدة النثر بتحليل نقدي، بل تم التعامل معها بطريقة تآمرية صامتة.
لا أحد هنا يبحث عن نموذج نظري؛ عدم الكفاءة النقدية سرعان ما يخلف عدم كفاءة شعرية، والكثير من كتاب قصيدة النثر لا يفهمون علاقة هذه القصيدة بالمدينة والحداثة والتخريب لكل قديم وإبعادها لشبح الريف والبداوة. قصيدة النثر لا تعترف بشاعر يتعامل مع الحضارة كقناع، قصيدة النثر مختلفة وتحتاج إلى عقلية مختلفة، ومع ذلك عند قراءة معظم قصائد النثر في ليبيا، نجد العواطف نفسها والتعبير الغنائي نفسه، اللذين نجدهما في القصيدة المحافظة. ما الذي يمكن أن يحدد ويميز قصيدة النثر عندنا في ليبيا باعتبارها قصيدة نثر ليبية ؟ الحقيقة لا شيء على الإطلاق يميز هذه القصيدة عندنا، لأن الرواية السيئة ما زالت رواية ، والقصيدة المحافظة السيئة ما زالت قصيدة ، أما قصيدة النثر عندما تكون سيئة فهي تختفي من الوجود ، وتصبح مثل شبح ضال وغبي ، والأمر يزداد كل يوم انحطاطا بسبب وسائل التواصل الاجتماعي ، خاصة فيسبوك؛ ففيه نجد صفا من الشعراء لديهم كل الإمكانيات لجعل قصيدة النثر نوعا منحطا من الشعر، وجعل الأدب يمشي في طريق عمياء وسرية.
_______________________________
هتون محمد الترهوني استقطعت عن دراسة للكاتب المغربي ( عبداللطيف الوراري ) تحت عنوان شعرنا المعاصر إلى أين ” الشعر الليبي ومكر التاريخ ” بدأها مستندا على آراء أهم الكتاب والنقاد والشعراء متخيرا دراسة بحثية مهمة صدرت ككتاب للأستاذ الدكتور قريرة زرقون نصر بعنوان كتابه «الحركة الشعرية في ليبيا في العصر الحديث»_ (2003) _ والكاتب الفنان عاشور الطويبي . والشاعر فرج العربي . والناقد الأديب محمد الترهوني .