تعاني ليبيا من تضخّم عدد بعثاتها الدبلوماسية وارتفاع نفقاتها بشكل لا يتناسب مع حجم إنجازاتها، إذ تتجاوز نفقات الدولة التي يبلغ عدد سكانها نحو 8.7 ملايين نسمة نفقات دول كبرى مثل مصر التي يتجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة، والجزائر التي يزيد عدد سكانها عن 46 مليون نسمة.
نفقات ليبيا
أعلن مصرف ليبيا المركزي أن إجمالي نفقات وزارة الخارجية والجهات التابعة لها خلال عام 2024 بلغ نحو 3.04 مليار دينار، وهو ما يشكّل 70% من نفقات الأجسام السيادية العليا مجتمعة (مجلس النواب، المجلس الأعلى للدولة، المجلس الرئاسي، مجلس الوزراء، والجهات التابعة لها).
وينشط في الخارج 149 سفارة وقنصلية ومكتب تمثيل دبلوماسي ليبي، فيما بلغ حجم إنفاق وزارة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة الوحدة الوطنية في عام 2024، 3.04 مليار دينار، في حين أظهرت بيانات المصرف المركزي إنفاق 888 مليون دولار على العاملين الليبيين في الخارج خلال الفترة من 2022 إلى 2024.
ويبلغ عدد العاملين الليبيين في السفارات والقنصليات والمندوبيات الدبلوماسية حتى نهاية سنة 2023، 3478 شخصًا، منهم 1923 شخصًا يحمل صفة دبلوماسي، وفقًا لبيانات ديوان المحاسبة الليبي.
وفي تعليق سابق، قال وزير الدفاع الأسبق محمد البرغثي: إن امتلاك ليبيا لعدد كبير من السفارات والقنصليات والمندوبيات، ليس مدعاة للفخر أو تعزيزًا للحضور الدولي كما يروّج البعض، بل يُعد عبئًا ثقيلًا على موارد الدولة. وأكد أن عددًا من هذه البعثات توجد في دول لا تربطها بليبيا مصالح سياسية أو اقتصادية واضحة، ولا تضم جالية ليبية تُذكر.
وذكرت مصادر مطلعة أن نحو 22 ألف دبلوماسي ليبي مسجّلون في الخارج، بعضهم لم يغادر ليبيا أصلًا، ويتقاضى راتبًا شهريًا يصل إلى 7000 يورو.
الدبلوماسية الجزائرية
تُعد هذه الأرقام ضخمة مقارنة بنظيراتها في الدول المجاورة. فعلى سبيل المثال، تمتلك الجزائر شبكة دبلوماسية واسعة حول العالم، تشمل سفارات وقنصليات وممثليات دائمة. ووفقًا لموقع EmbassyPages، اعتبارًا من مارس 2025، تضم البعثات الدبلوماسية الجزائرية 99 سفارة، و36 قنصلية، و3 ممثليات أخرى، تغطي أكثر من 99 دولة، ما يعكس التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها الدولية وخدمة جاليتها بالخارج.
وفي مارس 2024، أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تغييرات في سلك رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية. ووفقًا لبيان وزارة الخارجية الجزائرية، شملت التغييرات 28 سفيرًا، و3 قناصل عامين، و3 قناصل، وذلك تطبيقًا لأحكام المادة 92 من الدستور.
وأشار البيان إلى أن هذه التعيينات تندرج ضمن جهود تنشيط الجهاز الدبلوماسي، وتهدف إلى تحسين الأداء في مواجهة التحديات الراهنة، وضمان أفضل رعاية للجالية الجزائرية في الخارج.
أما رواتب الملحقين الدبلوماسيين الجزائريين في الخارج، فتُحتسب على أساس راتب ثابت يُضاف إليه عدد من المنح والحوافز، بحيث تتراوح ما بين 1000 يورو إلى 5000 يورو شهريًا، وفقًا للمنصب والمكان. ويصل راتب بعض الملحقين من ذوي الدرجات العليا إلى نحو 30 ألف دولار شهريًا.
الدبلوماسية المصرية
أما مصر، والتي تُعد من أعرق المؤسسات الدبلوماسية العربية، فإن حجم إنفاقها على البعثات الدبلوماسية أقل بكثير من نظيره الليبي. وتشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية المصرية في عام 2018 إلى أن عدد الدبلوماسيين المصريين لا يتجاوز 500 دبلوماسي، ينتشرون في 129 دولة، ويخدمون مصالح أكثر من 10 ملايين مصري في الخارج، وفقًا لما ذكره المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية، أحمد أبو زيد.
وذكر السفير بدر عبد العاطي، المتحدث الأسبق باسم الخارجية المصرية، أن “عدد السفارات والقنصليات المصرية في الخارج يبلغ 165، موزعة على 129 دولة فقط”. وأضاف أن “دخل هذه السفارات يصل إلى نحو 1.7 مليار جنيه مصري، وهو ما يعادل تقريبًا حجم نفقاتها، ما يعني أنها لا تُحمّل ميزانية الدولة أعباء إضافية”.
وتشير المصادر إلى أن التمثيل الدبلوماسي الأكبر لمصر في الخارج يوجد في سفارتي واشنطن ونيويورك، حيث يضم كل منهما نحو 15 دبلوماسيًا، بينما لا يتجاوز عدد الدبلوماسيين في بقية السفارات ثلاثة أو أربعة فقط. ويبلغ راتب السفير المصري في الخارج نحو 15 ألف دولار شهريًا، ويرتفع بحسب الدولة وطبيعة المهام.
خلاصة المقارنة
وبالرغم من الفوارق البشرية والمالية الهائلة بين المصروفات الليبية على دبلوماسيتها، فإن جواز السفر الليبي يُمكّن مواطنيه من السفر بدون تأشيرة أو تأشيرة عند الوصول إلى 49 بلدًا، في حين يُمكّن جواز السفر الجزائري حامليه من الدخول إلى 66 دولة بدون تأشيرة أو تأشيرة عند الوصول، ويمكن جواز السفر المصري حامليه من دخول 63 دولة بدون تأشيرة أو تأشيرة عند الوصول، بحسب Passport Index.
تكشف المقارنة بين نفقات البعثات الدبلوماسية الليبية ونظيراتها الجزائرية والمصرية عن وجود خلل واضح في إدارة الموارد المالية الليبية، إذ تُنفق أموال طائلة دون تحقيق أثر دبلوماسي يُسهم في إخراج البلاد من أزماتها السياسية والأمنية، ما يتطلب إعادة نظر شاملة في آليات توزيع وإدارة البعثات الليبية في الخارج.