خالد محمود
تتزين صفحات بعض المراكز والمستشفيات الحكومية بعناوين عن توطين العلاج وتدريب الكوادر الطبية وإسهاب وإطناب ويعتقد مسؤولو الصحة في ليبيا ان نشر الأخبار عبر النافذة الإعلامية هي اهم أدوات نجاح مشاريع توطين العلاج بالداخل ، قد اتفق معهم من حيث الشكل فقط ، لأن المضمون لا يتوافق تماما مع الشكل او بكلمات أخرى العمل على ان يصبح توطين العلاج غاية اهم من يصبح مجرد خبر تذروه الرياح
التوطين
بشكل مبسط فإن التوطين هو المحلية أي تحويل الأعمال او الأشياء إلى عمل محلي وفي القطاع الصحي تعتبر ورش العمل والعمليات الجراحية في الداخل هي ركائز مهمة في توطين العلاج ، ولا ننكر ان هناك محاولات خجولة لتوطين العلاج في ليبيا يطلقها جهاز دعم وتطوير الخدمات العلاجية في غرب البلاد او نظيره في شرق البلاد، وشاهدنا توافد لعدد من القوافل الطبية والهدف توطين العلاج او إعفاء المواطن من مشقة السفر إلى المدن الليبية الكبرى او إلى خارج حدود الوطن ، والتوطين يقابله حقيقة “ان اغلب العمليات الجراحية الكبرى والمعقدة تجرى خارج ليبيا ” اما على نفقة المواطن او نفقة الدولة الليبية ، وبالتالي فإن هدف التوطين هو إقناع المواطن الليبي بقدرة القطاع الصحي الليبي على تقديم الرعاية الصحية أسوة بدول الجوار في مصر او تونس وهما اكثر الدول العربية استقبالا للمرضى الليبيين على مدار العام.
المواطن والخدمة الطبية
قطاع عريض من المواطنين يفضلون تلقي العلاج في مصحات خارج ليبيا وبعضهم يسافر إلى مصر وتونس للبحث عن عناوين لأطباء معروفين وغير معروفين ورغم ان بعضهم قد يتضايق من سوء المعاملة او يشكو من عدم فعالية العلاج او الدواء الموصوف، من هؤلاء الأطباء إلا ان قناعتهم تبقى راسخة في ان الخارج افضل من الداخل وطبعا بناءً على تجارب ووقائع كثيرة ، ولا يخفى على احد سوء سمعة المستشفيات الليبية منذ حقبة النظام السابق وهذا عزز قناعات المواطنين بفشل القطاع الصحي.
المحلي
يتجه المواطن حال إصابته بوعكة صحية خفيفة إلى العيادات العامة وهناك يواجه مشكلة افتقارها إلى الأطباء والكوادر المتخصصة ، وفي حال وجد في احداها طبيب يكشف عن حالته المرضية بأبسط المعدات فإنه سوف تصدمه عاملة الصيدلية بعبارتها الشهيرة ” تجاري ” أي ان الدواء لا يتوفر إلا في الصيدليات التجارية.
وفي بعض المناطق الليبية يطلق أسم عيادة مجمعة على مبنى يفترض انه يقدم الخدمة الصحية الشبيهة بما يقدمه المستشفى العام إلا ان هذه العيادات المجمعة لا تعدو عن كونها وحدة صحية تفتقد إلى الإمكانات والقدرات التي تؤهلها لتقدم الخدمة الصحية للمواطن ما يجعل الأخير يتجه إلى العيادات الخاصة وهناك يعاني ما يعانيه من تكاليف العلاج من الكشف والتصوير والتحاليل وصولا إلى الوصفة الطبية.
القطاع الخاص
هل يختلف القطاع الخاص عن القطاع العام ؟ من حيث الشكل فإن القطاع الخاص يتفوق في إمكاناته ومعداته وأيضا في تغطية مرتبات الكوادر الطبية، من حيث المضمون يتفوق كذلك على القطاع العام في توفير الكفاءات والأطباء المتخصصين او الاستشاريين وتبقى مسألة التكلفة المادية فقط تثقل كاهل المواطن من ذوي الدخل المتوسط.
والسؤال هل أغنى القطاع الخاص عن سفر المواطن للعلاج في الخارج ؟
بنسبة بسيطة نعم أغنى قطاع من المواطنين عن السفر لتلقي علاجهم خارج ليبيا والمعضلة هي في اجراء العمليات الجراحية المعقدة او الكبرى.
وهي ما يحاول القائمون على جهود توطين العلاج بالداخل توفيره رغم اصطدامهم بقناعات المواطن بعدم جدوى اجراء العمليات بالداخل لعدة اعتبارات منها الأحكام المسبقة لدى المواطن ناهيك عن السمعة السيئة لقطاع الصحة في السنوات السابقة.
والشيء الأخير يتعلق بقدرة الطواقم الطبية المحلية على تغيير قناعات المواطن بالعمل الدؤوب والنجاح المستمر في اجراء العمليات الصغرى والكبرى في جميع المستشفيات الليبية.
الأمراض المستعصية
الأمراض المزمنة او المستعصية وكذلك الحالات الحرجة معظمها يتلقى العلاجات خارج حدود الدولة الليبية رغم ما يوجّهونه من صعوبات في توفير تكاليف العلاج وخاصة المصابون بالأورام والذين يخضعون لجلسات العلاج الكيميائي ، فإذا لم يكن لديه تأمين صحي فإنه سوف يدفع كل ما يملك لشراء العلاج وهناك من باع شقته او سيارته، ومع كل هذه التضحيات فقد حياته ” موت وخراب بيوت ” كما يقال بالدارجة.
إلى ذلك فإن عشرات يقفون امام المصحات في مصر وتونس والأردن يناشدون بتسديد تكاليف علاجهم في هذه المصحات او يتسولون خفية وهم معذورون فيما يفعلونه مادام مسؤولوا الصحة عاجزين عن انقاذهم سوى بنشر الأخبار المسكنة بأن توطين العلاج سوف ينهي معاناتهم.
فاعل خير
ولعجز الجهات الحكومية عن أداء دورها اتجاه المواطن ظهرت علينا في مواقع التواصل الاجتماعي شخصيات إعلامية او من الوسط الشعبي تعلن عن تكفل بعض فعال الخير بعلاج حالات مستعصية خارج البلاد وهنا التساؤل مادام فاعل الخير تكفل بدفع التكاليف المادية الباهظة لماذا لم يفكر في توطين العلاج أي توجيه هذه الحالات إلى مصحات ليبية.
وهذا قد يؤشر إلى ان ثقة المواطن في قدرة القطاع الصحي الليبي ماتزال متدني، وهنا نحتاج إلى برامج مكثفة لإعادة الثقة وعمل واقعي نلمس نتائجه ولا نطالعه كخبر عابر فقط.
الطبيب الزائر
في اكثر من مناسبة نسمع عن أطباء زوار يتعاقدون مع وزارة الصحة ويجرون سلسلة من العمليات الجراحية وورش العمل
إلا أن هذه الزيارات للقطاع العام غير دائمة، واتذكر ان فريقا طبيا من الولايات المتحدة الأمريكية متخصص في اجراء عمليات القلب للأطفال جاب ليبيًا من أقصاها إلى أقصاها وكان مؤثرا وفعالا، ولا نعرف على وجه الدقة أين انتهى هذا الفريق الزائر ولماذا لم نعد نسمع عنه الكثير، والشاهد ان الفرق الطبية الزائرة هي جزء من توطين العلاج وتدريب الكوادر المحلية واكتسابها لخبرات دولية.
توطين العلاج ليس مجرد شعار تتحجج به الوزارات المتقاعسة عن تفعيل المراكز الصحية والعيادات المجمعة والمستشفيات العامة.
بل هو مطلب أساسي لكل مواطن ليبي اكتوى بنار ارتفاع تكاليف العلاج في الخارج ، فهل يتحقق هذا المبتغى ويترجم إلى واقع ملموس ويتحول العلاج بكامله إلى داخل حدود الوطن والعلاج في الخارج يصبح نوع من السياحة العلاجية.