تتجلّى واحدة من أجمل صور التراث الحيّ، في قلب الصحراء الليبية، وتحديداً في مدينة غات، حيث تُقام زفّة العريس التارقي، في مشهد احتفالي باذخ يجمع بين الأصالة والروح الجماعية، ويجسّد عمق التقاليد وثراء الثقافة التارقية المتجذّرة.
تُقام هذه الزفّة كذروة احتفالات الزواج، إذ يظهر العريس محاط بحضور كبير من الأهل والأصدقاء وكبار المنطقة، مرتدي الزي التقليدي الفاخر، المعروف بـ”آلشو” الأسود، إلى جانب “تيكميست” الواسعة و”تاجلموست”، اللثام الشهير الذي يُعدّ رمز للهوية التارقية. وعلى الرغم من تفضيل البعض اللون الأبيض، يبقى اللون الأسود هو الخيار المفضل لما يحمله من رمزية وقار وأناقة.
بجانب العريس، يقف ما يُعرف محلياً بـ”الوزير الأول والثاني”، وهما صديقان مقربان متزوجان، يتم اختيارهما بعناية ليكملا الصورة الاحتفالية بتناغم، دون أن يطغى حضورهما على العريس.
قبل دخول العريس إلى منزله، تُرتل القصائد الدينية والشعرية، وتُتلى بردة البوصيري وأشعار البشير، في لحظات يغلب عليها الخشوع والهيبة، بمشاركة كبار السن والوجهاء الذين يضفون طابع من الاحترام والقدسية على المناسبة.
أما الشباب، فلهم دورهم الخاص، حيث يضفون جو من الفرح والحيوية عبر الأهازيج والتصفيق والرقص الجماعي، في لحظات تُرسخ في ذاكرة العريس وتُخلّد في قلوب الحاضرين.
ليست الزفّة في غات مجرد احتفال، بل هي لوحة تراثية نابضة بالحياة، تُمثّل انتقال العريس من مرحلة إلى أخرى، وتعبير عن الهوية الثقافية والانتماء العميق، في مشهد يجمع بين الفرح والتقاليد في أبهى صورهما.