تشهد مدينة الأصابعة حالة من الذعر والقلق المتواصل ، مع استمرار اندلاع الحرائق الغامضة منذ عدة أشهر دون أسباب واضحة.
ظاهرة غريبة أعادت للأذهان مشاهد مشابهة شهدتها قرى ومدن أخرى في دول الجوار ، مثل بعض قرى الصعيد في جمهورية مصر ، حيث واجه السكان هذا الألغاز دون وجود تفسير علمي حاسم ، وبين الذعر ومحاولات الإطفاء اليومية وأسئلة السكان التي لا تجد إجابة ، تبقى الحقيقة ضائعة وسط تصاعد ألسنة اللهب ؟
السحر
اتخذت السلطات المصرية العديد من الخطوات العملية لمعرفة أسباب سلسلة الحرائق الغامضة التي شهدتها بعض المناطق مؤخرا ، في وقت اتجهت فيه بعض التفسيرات الشعبية إلى ربط الظاهرة بعوامل غيبية مثل “الجن” وهو ما دفع العديد من المواطنين للجوء للشيوخ والدجالين لتجاوز المحنة وسارت البرامج التلفزيونية على نفس النهج وعمد بعضها إلى استضافة شيوخ أو دجالين أو متضررين وكل يروي القصة من وجهة نظره
ففي العام 2024 شهدت محافظة الغربية انطلاق حملة لتطهير المقابر من أعمال السحر في عدة قرى، ولاقت المبادرة ترحيباً كبيراً من الشباب وانتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وخلال أعمال مبادرة “خلينا ننضفها”، تم استخراج طلاسم وأعمال سحر وعظام حيوانات وملابس عليها دماء من المقابر كما اطلقت العديد من الحملات لإزالة السحر من المقابر في صعيد مصر.
الإهمال
لكن هذه الألسحار ليست أسبابا علمية ومنطقية لاندلاع الحرائق حيث رأى عضو مجلس النواب المصري أحمد قورة، إن الفساد بالمحليات وراء غالبية الحرائق حيث أن “الإهمال المتكرر وعدم قيام بعض الموظفين بواجباتهم، إلى جانب استفادة محتملة لدى البعض من الحرائق، أمور تجعل هناك ضرورة لاتخاذ مزيد من الإجراءات التي تمنع وقوع الحوادث”.
وطالب قورة الحكومة بتشكيل لجان فنية متخصصة بكل محافظة على مستوى البلاد تتولى المرور على جميع المؤسسات والمنشآت الحيوية والجماهيرية داخل مختلف المدن والمراكز والأحياء للتأكد من توافر جميع وسائل الحماية والسلامة والأمن الصناعي لحمايتها من نشوب حوادث الحرائق بداخلها.
إحصاءات
أما السلطات المصرية فكانت تتعامل مع كل حريق بشكل فردي وتلجأ إلى تفسير كل حادث على أنه منفصل وتبحث في تفاصيله بطريقة عملية منطقية وفي النهاية لجأت إلى ذكر إحصاءات دقيقة حول عدد الحرائق وأسبابها ومناطق انتشارها حيث كشف التقرير السنوى لحوادث الحـريق فى مصر عام 2024، أن عدد حوادث الحريق على مستوى البلاد بلغ 46,925 حادثة.
ووفقاً للحالة الجنائية، جاء الحريق العارض في المرتبة الأولى لحوادث الحريق بعدد 9,814 حادثة بنسبة 20.9%، يليه الحريق بسبب الإهمال بعدد 4,886 حادثة بنسبة 10.4% خلال عام 2024.
وكانت النيران الصناعية (مثل أعقاب السجائر، أعواد الكبريت، مواد مشتعلة، شماريخ) السبب الرئيسي للحريق بعدد 14,817 حادثة بنسبة 31.6%، يليها الماس الكهربائي أو الشرر الاحتكاكي بعدد 8,428 حادثة بنسبة 18% من إجمالي مسببات الحريق.
وجاءت الأرض الفضاء (القمامة والمخلفات) في مقدمة أماكن حدوث الحرائق بعدد 18,467 حادثة بنسبة 39.4%، تليها المباني السكنية بعدد 17,969 حادثة بنسبة 38.3% من إجمالي حوادث الحريق.
وعلى مستوى المحافظات، احتلت محافظة القاهرة المركز الأول في عدد حوادث الحريق بـ6,288 حادثة بنسبة 13.4%، تليها محافظة الغربية بعدد 3,990 حادثة بنسبة 8.5%، بينما جاءت محافظة شمال سيناء في المرتبة الأخيرة بعدد 189 حادثة بنسبة 0.4% من إجمالي حوادث الحريق.
وعلى مستوى شهور السنة، سجل شهر مايو أعلى عدد من حوادث الحريق بـ5,468 حادثة بنسبة 11.7%، يليه شهر يونيو بعدد 4,883 حادثة بنسبة 10.4%، في حين سجل شهر فبراير أقل عدد بـ2,916 حادثة بنسبة 6.2% من إجمالي حوادث الحريق.
الأصابعة
ولو حاولنا إسقاط التجربة المصرية على ليبيا سنجد أن مدينة الأصابعة لازالت في بؤرة الحرائق مجهولة الأسباب والتي بدأت منذ شهر فبراير الماضي، قبل أن تنخفض وتيرتها في شهر مارس، لتعود إلى النشاط خلال اليومين الماضيين، حيث تشتعل النيران بشكل مفاجئ ودون سبب واضح، لتلتهم محتويات المنازل، ما أدّى إلى تضرّر أكثر من 100 منزل وبقاء عدّة عائلات دون مأوى.
الجن
العجز عن إيجاد تفسير علمي للحوادث دفع العديد من المواطنين إلى ربط الأمر ” بالجن ” والسحرة، وانتشرت أقاويل حول أسباب بيئية أو روحانية إلا أمين عام دار الإفتاء سامي الساعدي قال إن الجن حقيقة والسحر حق ويترتب عليه أثره بإذن الله لكن لا يجوز أن ننسب كل شئ للسحر ويجب على من تولوا أمر البلاد البحث في الأسباب الحقيقية وراء الظاهرة فقد تكون الأسباب مادية ملموسة والتغافل عنها ونسب كل شيء للجن هو تفريط في الأمانة.
كما أن لجنة الحصين لمكافحة السحر والشعوذة أكدت منذ بداية اندلاع الحرائق أنها لا تجزم في معرفة أسبابها وأن وجودها في مواقع الحرائق يهدف لتقديم المساعدة فقط، موضحة أن الحرائق قد تكون ناجمة عن عدة أسباب.
خبراء أوروبيون
وفي محاولة لحل لغز الحرائق تم تشكيل عدة لجان محلية للتحقيق في الأمر، لكنها لم تتوصل لنتائج تذكر لذلك تم الاستعانة بفريق أوروبي متخصص وصل إلى المنطقة مؤخرا في مهمة ميدانية للتحقيق في أسباب الحرائق واستعان بأحدث الأجهزة والتقنيات العالمية لإجراء قياسات دقيقة وتحقيقات ميدانية شاملة، في محاولة لكشف لغز هذه الحرائق.
تعويضات
وفي غضون ذلك عقدت لجنة تعويض المتضررين من حرائق مدينة الأصابعة اجتماعًا استعرضت فيه التقرير النهائي لأعمالها، والذي تضمن حصرًا شاملاً للمنازل المتضررة وتقديرات مالية لجبر الأضرار، في خطوة تمهيدية لإحالته إلى وزير الحكم المحلي لاعتماده، ومن ثم إلى رئيس الوزراء لأخذ الإذن المباشر في صرف التعويضات.
المستجدات الميدانية
وبشأن التطورات اليومية على الأرض أعلنت بلدية الأصابعة تحسن الوضع العام بشأن الحرائق التي تشتعل دون سبب حيث لم تسجل أمس السبت أي حالة حريق حسب سجلات غرفة البلاغات بقسم السلامة الوطنية الأصابعة .
وأكدت بلدية الأصابعة رصد عدة حالات بسيطة بمنازل تكررت فيها الحرائق وكذلك حالات أخري تعامل معها المواطنين بأنفسهم دون تدخل سيارات المطافي كما لم تسجل أي إصابة أو حالة اختناق حسب مصادر مكتب الإسعاف والطوارئ الأصابعة.
وأشارت بلدية الأصابعة إلى أن قسم السلامة الوطنية ببلدية الأصابعة، وقسم السلامة الوطنية بمطار الزنتان، متمركزين في مواقعهم، على أهبة الاستعداد لتنفيذ مهامهم اليومية في مكافحة الحرائق فور ورود أي بلاغ كما أن مكتب الإسعاف والطوارئ بالأصابعة، وشباب مكتب الهلال الأحمر الأصابعة، مستعدين لتقديم خدمات الإسعافات الأولية والرعاية الطبية فور ورد أي بلاغ
ولفتت بلدية الأصابعة إلى تكريم فرقة الدعم والإسناد التابعة لهيئة السلامة الوطنية بعد انتهاء مهامها بمدينة الأصابعة وسيتم تعويضها بتمركز عدد 4 سيارات من أقسام السلامة الوطنية بالبلديات المجاورة.
وحذرت البلدية المواطنين من إشعال النيران في القمامة أو مخلفات الحرائق أو أي مواد قابلة للاشتعال، إلا في الأماكن المخصصة داخل المكب، حفاظًا على السلامة العامة كما دعت المواطنين المتضررين إلى التوجه للجهات المختصة لاستكمال إجراءات محضر إثبات الواقعة، لضمان توثيق الأضرار واتخاذ الإجراءات المناسبة.
الخلاصة
أمام تعقد الوضع في ليبيا وكثرة التكهنات وغياب الحلول الناجعة قد تكون التجربة المصرية نموذجا يمكن الاسترشاد به في فك شفرة الحرائق ومعرفة أسبابها المنطقية والحلول العملية.