تواجه ليبيا اليوم واحدة من أخطر مراحلها منذ 2011، حيث يتقاطع الجمود السياسي مع التدهور الاقتصادي، ليضع مستقبل البلاد على المحك.
فبينما تتواصل الجهود الرامية إلى توحيد السلطة التنفيذية، تتفاقم الأزمات المالية والمعيشية، وسط غياب رؤية واضحة تخرج البلاد من أزمتها متعددة الأوجه.
محاولات توحيد الحكومة.. أولوية سياسية ملحة
في سياق السعي لإنهاء حالة الانقسام، شدد عضو مجلس النواب، علي الصول، على أن الأولوية الراهنة لمجلس النواب بالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة هي تشكيل حكومة تنفيذية موحدة تفرض سلطتها على كامل الأراضي الليبية.
وأوضح الصول أن هذا التوجه يهدف إلى معالجة الأزمات المتراكمة وإنهاء حالة الانقسام السياسي التي أعاقت مسيرة الاستقرار والتنمية.
وفي الوقت ذاته، انتقد الصول تصريحات المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه، معتبرا أن مواقفها المتكررة تخدم استمرار الوضع الراهن وبقاء حكومة الوحدة الوطنية، ما يطيل أمد الأزمة.
مطالب عاجلة لتحسين الأوضاع الاقتصادية
وفي ظل هذا المشهد السياسي المتعثر، تبرز الأزمات الاقتصادية كمهدد إضافي للاستقرار.
حيث أكد عضو مجلس النواب، عبد المنعم العرفي، على ضرورة الإسراع في اتخاذ قرارات حاسمة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية، مشيرا إلى أن هناك مطالبات بعقد جلسة رسمية يحضرها محافظ مصرف ليبيا المركزي لمناقشة الإصلاحات المطلوبة.
وأوضح العرفي أن الوضع المالي يتطلب تحركا عاجلا، خاصة مع تفاقم الدين العام والانقسامات الاقتصادية بين الشرق والغرب.
إجماع سياسي متزايد على تشكيل حكومة جديدة
من جانبه، شدد عضو المجلس الأعلى للدولة، بلقاسم قزيط، على أن هناك إجماعا وطنيا واسعا على ضرورة تشكيل حكومة جديدة موحدة قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية بفعالية.
وانتقد قزيط الربط بين بقاء حكومة الوحدة وثورة فبراير، معتبرا أن هذا الطرح يقلب الحقائق ويؤخر الحلول.
وأكد قزيط أن المرحلة تتطلب البدء بتشكيل حكومة جديدة، يعقبها تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، مع ضرورة وضع قاعدة دستورية متفق عليها تضمن نجاح العملية الانتخابية.
تقارب برلماني لطي صفحة الانقسام
وفي تطور إيجابي، أعلنت عضو المجلس الأعلى للدولة، أمينة المحجوب، أن التنسيق بين مجلس النواب ومجلس الدولة يسير بوتيرة جيدة، مع تأكيد وجود إرادة حقيقية لدى الطرفين لإنهاء الانقسام وتشكيل حكومة موحدة.
وأضافت المحجوب أن الاجتماعات المشتركة المرتقبة ستسعى إلى وضع رؤية موحدة للمرحلة المقبلة، والتركيز على إعداد قاعدة دستورية توافقية تفتح الباب أمام الانتخابات المقبلة.
مؤشرات اقتصادية تنذر بالخطر
على الصعيد الاقتصادي، حذر مصرف ليبيا المركزي من خطورة الأوضاع المالية، معلنا أن الدين العام القائم بلغ نحو 270 مليار دينار، منها 84 مليار دينار لدى مصرف طرابلس، و186 مليار دينار لدى مصرف بنغازي.
وأشار المصرف إلى توقعات بارتفاع إجمالي الدين إلى أكثر من 330 مليار دينار بنهاية عام 2025 في حال استمرار الإنفاق المرتفع وغياب الميزانية الموحدة.
كما لفت المصرف إلى أن احتياطيات ليبيا من النقد الأجنبي ما تزال صامدة عند حدود 94 مليار دولار، إلا أن العجز المسجل في تعاملات النقد الأجنبي خلال الربع الأول من العام الجاري بلغ نحو 4.6 مليار دولار، ما يزيد الضغوط على الاستقرار المالي للدولة.
بين مفترق طرق… إما العبور أو الانهيار
مع استمرار الجهود السياسية ومساعي توحيد المؤسسات، تبقى ليبيا أمام اختبار حقيقي لإثبات قدرتها على تجاوز أزماتها الراهنة.
وبينما يترقب الشارع خطوات عملية تعيد الأمل في الاستقرار، يظل تحقيق التوافق الوطني وتشكيل حكومة موحدة المدخل الأساسي نحو خروج البلاد من أزمتها ويضع حدا للانقسام ويعزز فرص التنمية والأمن والاستقرار.