عز الدين اللواج
على كليهما مايزال الصحب المقرب والبعيد يتحدثون بأسى .. رأيت واحدهم يطأطيء خافيا عينيه عن الجميع بكفيه وعرفته يبكي بصمت من احمرار وجهه ثم تماسك وصوته المختنق يقول لي ياصديقتي أدرك أننا جميعا سنذهب لذات الطريق ولكنهما رحلا باكرا وفي قلبيهما غصة عرفناها نحن من اقتربنا من أحزانهما قبل أفراحهما .. اللواج همه وطن .. مهني حد التوجع من أجل متاعب المهنة .. والمسماري شاعر حالم وناقد نافذ وطفل عذبته الوحدة .. فهل كل المتسمين بضخامة الجسم وبراءة السمت الطفولي هكذا !! وترك السؤال يدور في خلدي بينما كنا نتحدث عن جملة ( انتشاء حد الحزن )* عنون بها عز الدين اللواج مقالا نقديا لـ (صلاة العابرين ) ديوان حمد المسماري ورأيت أن أهمية الكاتب والمكتوب عنه وفي أعماله يستحقان أن نقرأ عنهما ولهما فكانت الخلخلة التي تخيرتها لقرائنا اليوم .. تمعنوها استمتاعا بكتاب امتلكوا زمام الكلمة حين استملكتهم .. سأتوقف أنا هنا ليبدأ اللواج ” انتشاءً حدّ الحزن ” قراءة نقدية في ديوان حمد المسماري ” صلاة العابرين ” .

العنوان الكلى للديوان هو العتبة الاولى التى من خلالها نلج الى تمحيص الديوان والدخول فى عوالمه ((صلاة العابرين)) وهى أيضا العنوان الفرعى للقصيدة الرابعة فى الديوان ستقودنا هذه العتبة الى استيراد طقسى لصلاة المسافرين والعابرين ((صلاة القصر)) والتى وإن بدت متعجلة الاأنها لاتخلو من الخشوع الكلى كأى صلاة سيما وأنه يفتتح صلاته العابرة هذه بإهداء الى ارواح اناس لهم علاقة خاصةفى دخيلة الشاعر (( أمه وأبيه ..ورجالا رائعين مرو بمدينته العجوز ثم رحلت ارواحهم ايضا شعراء وكتاب لهم تأثيرهم الخاص فى تداعيات وتجليات نصوصه الشعرية ((النيهوم والفاخرى والفزانى)).يمر عليهم فى إهدائه ولكن بتلاعب سياقى فى الجمله ((عابرا اتلو صلاتى)).
النص ((صلاة العابرين)) وهو إيان الاهداء ((عابرا اتلو صلاتى)) واعتقد أن التوظيف هنا جاء ليحمل السياق الذى قصدته وهى أن الديوان ما هو الا مجموعة صلاوات متعجله اوردها الشاعر ابان عبوره ..هذه الصلوات المتعجلة السريعة هي أيضا خاشعة وحزينة مملوءة بالخيبات والدموع والالم إحالة الى واقع الحال لدى الشاعر.
كتبت الى الله رساله
أخبرته أننى
منذ ميلادى وأنا أبكى…1
نصوص حمد المسمارى تشكل فى تداخلاتها أنساقا معرفية معينة أو مشاهد داله على أشياء معينة فى عقلية الشاعر وهذه الاشياء لا تتمظهر اعتباطا بل تكمن خلفها طاقات الشاعر المنفعلة والفاعلة بدورها فى اثراء المناخ العام لكل قصيدة والتى تتجمع فى النهاية لتشكل رؤية الشاعر للعالم من خلال ذاته هو مع أحتفاظه ((أى الشاعر)) بقدرته على الانتقاء الواعى لسلطة الجمالى الكامن فى النظم والانساق اللغوية التى شكل من خلالها فضاء مشهديا دالا على مايود البوح به فى صلواته العابرة تلك يتزامن هذا مع قدرة النص الشعرى عند حمد المسمارى على تشكيل مجموعه من الايحاءات المتجهة فى مجملها نحو غايات رمزية متعددة الانتشار والتشعب أعنى ان هذه العلامات تمضى فى خط رأسى عميق نحو مجهول رمزى فاتحة مفازة متعددة التأويلات التى لاتنتهى والتى لانستطيع بوصفنا المتلقى للنص الوقوع على المعنى الذى نلج من خلاله براح ((القصيدة /النص/ الديوان))والفضاءات المعرفية المكونة لكل ذلك .. ونستشف بأن الواقع وإرهاصاته هو الحالة المسيطرة على قصائد الشاعر والتى شكل هذا الواقع فيها نوع من الهيمنه يصلح أن نجعله مفتاح الولوج الى العوالم الشعرية لهذا الشاعر رغم أن هذه العوالم هى طافحة بالفجيعة والموت والدموع.
لعينيك منذ أدركت وجودى
وشقأى
أحاول كتابة القصيدة
وكلما أبدأها
تخذلنى حروفها العنيدة
لم أكن أعرف أن الشعر
يغدو عميقا عندما يكتب
على شاهد قبر 2
او فى مقطع آخر……….
فى غرفة الشاعر
الكلمات تموت قبل أن تولد
والشاعر لايعرف كيف تقال
نسترق السمع
لهمس المشاعر المجنونة
تولد القصيدة
فى كلمة واحدة
آهات… 3
تؤلف قصائد (حمد المسماري) في مجملها أنماطا تصويرية لاتخلو من الامتلاء حتى حوافها برائحة الموت والفجيعة .. حتى في القصائد التي تبدو مهداه أو موجهة إلى شخص أو موقف معين .. لاتخلو من مناجاة مملؤة بالدموع والنواح .. تطفح برائحة الفقد والموت المجاني الذي يقدمه الشاعر مجانيا إبان كل قصيده .
في قصيدته ” من أغاني الغجر” التي يهديها إلى الشاعر (محمد الشلطامى) يقول في إهدائها إليه : (مهداه إلى شاعر الحب والموت والحرية.. وناظم أناشيد الحزن العميقة) ..

أورد هذا الاهداء فى مقدمة قصيدته الأولى فى ديوانه وكأنما هو هنا يوجه إهدائه الى شخص يحاكيه ويقاسمه ((أناشيد الحزن العميقة)) .. دلالة تصبغ الديوان وتؤطره على اعتبارها مفتتح الكلام ضمن متن لا يحيد عنه ((لغة الحزن العميقة / القاسم المشترك والمتن معا )) يخاطب ((الشلطامى)) فيقول :
بكيت وحيدا
أختلطت دموعك بالمطر
وأحتواك خوف كل هذه السنين
وصرخات من أحببت
من وجوه 4
يخاطب الشلطامى هنا متكىء على هذه الاستيرادات للأفعال ((بكيت وحيدا……أختلطت دموعك…….احتواك خوف)) .. أفعال تتكىء ولاشك على مخزون معرفى يشكل حوصلة الحزن المنبثق فى قصائد الشلطامى وكأنه بهذا يرتهن بأجزاء من من ماضى الشاعر الشلطامى الشعرى لكنه يعود ليخاطب الشلطامى
لن تزهر الزنابق
فهذه القفار ياصديقنا
مرصودة بالموت منذ البدء
وهذه الديار ياصديقنا
قد نسيت اعراسها والمجد 5
إنه يؤكد أستمرار الفاجعه الحزينة التى بداءها الشلطامى عبر الاخبار بأفعال الماضى ليأتى بـ((لن)) الجازمة ليقرنها بالاستمرارية ليحفل عالمه هو الاخر بما يحفل به عالم الشلطامى العالم المرصود بالموت والدموع.
وفى قصيدة (( الى عبدالوهاب البياتى)) يخاطب البياتى :

ياشاعر عشتار وعائشة ولوركا
والعالم السفلى والاسطورة
مازال هذا الشرق
يعانق الخيال والمأساة
بأنتظار الثورة 6
(( صورة البياتي ))
ليخاطبه فى نهاية القصيدة مستكملا مشواره الذاتى المعاش مشوار اليأس والقنوط والدموع
أوقد لنا شمعتين
ليأسنا صلى ركعتين 7
وحتى إبان النكوص من الذاتى الى الواقع العربى نجد قصائده تحمل السمة الغالبة للديوان استكمالا للتشائم وخيبات الامل..
ياطفل الاحزان
وداعا
وداعا ياضحية الجحود
وداعا ياضحية الوعود
فنحن قتلناك
قبل أن يغتالك اليهود 8
وتتكر القصائد وتتكرر المرثيات وتكر اسماء القصائد التى تمتلى بالتراكميات المندغمة مع الحزن العميق الذى يحمله بأتجاه الواقع العربي المعاش : كتاب _ العشاء الاخير _ دون كيشوت عربي _ لاتذرفو الدموع ……. الخ .
هذه قصائد حمد المسمارى مجموعة صلوات عابره حزينه لعابر يتيم يغادر المكان فيما لايزال يحمل فى جوانحه حنين للمكان والشخوص والزمن
________________________
ديوان صلاة العابرين للشاعر حمد المسمارى منشورات المؤتمر فبراير 2006
1/ من قصيدة فى الديوان بعنوان ((عن الحزن وأشياء اخرى )) ص24
2/ من قصيدة فى الديوان بعنوان(( الرحيل)) ص50
3/ من قصيدة فى الديوان بعنوان(( فوضى الكلمات ))ص65
4/ من قصيدة فى الديوان بعنوان(( منن أغانى الغجر)) ص7
5/ من قصيدة فى الديوان بعنوان((منن أغانى الغجر)) ص8
6/ من قصيدة فى الديوان بعنوان(( الى عبدالوهاب البياتى))ص9
7/ من قصيدة فى الديوان بعنوان (( الى عبدالوهاب البياتى))ص12
8/ من قصيدة فى الديوان بعنوان ((إلى طفل يموت على شاشات المرئيات ))ص49

