أثار الحديث عن نية الولايات المتحدة ترحيل مهاجرين غير شرعيين بينهم أصحاب سوابق جنائية إلى الأراضي الليبية، موجة استياء وتحذيرات داخل الأوساط السياسية، وسط رفض رسمي وشعبي لأي ترتيبات قد تحول البلاد إلى وجهة لترحيل المهاجرين من الدول الكبرى.
عضو مجلس النواب، جاب الله الشيباني، وصف القضية بأنها معركة وطنية تتطلب موقفا موحدا من جميع الليبيين على اختلاف توجهاتهم السياسية مؤكدا أن رفض ترحيل المهاجرين إلى ليبيا يمثل خطا أحمر لا يمكن التهاون فيه.
من جانبه، حذر عضو لجنة الدفاع بمجلس النواب، طارق الجروشي، من تداعيات ما نشر في تقارير إعلامية، خاصة ما نقلته وكالة “رويترز”، حول خطط أمريكية لترحيل سجناء إلى ليبيا.
وعبر الجروشي عن رفضه القاطع لما وصفه بالترحيل القسري، الذي يشكل انتهاكا للسيادة الوطنية، مطالبا بفتح تحقيق عاجل وشفاف بشأن هذه التقارير، ومتوعدا بتقديم شكاوى رسمية إلى مجلس حقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة.
وأشار الجروشي إلى أن اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 تحظر ترحيل الأفراد إلى بلدان قد يتعرضون فيها للخطر، معتبرا أن أي خطوة من هذا النوع تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي الليبي.
قرار قضائي أمريكي يقيد الترحيل
وفي تطور قانوني ذي صلة، أصدر القاضي الاتحادي براين ميرفي في ولاية ماساتشوستس، حكما يمنع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من ترحيل مهاجرين إلى ليبيا دون منحهم فرصة حقيقية للطعن في القرار أمام المحكمة.
واعتبر ميرفي أن أي ترحيل وشيك ينتهك أوامر المحكمة الفيدرالية، خاصة في ظل استمرار تصنيف ليبيا كبلد غير آمن.
تقارير تكشف تفاهمات سرية
بدورها، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن وجود اتصالات بين حكومة الوحدة الوطنية وإدارة ترامب خلال عام 2025، تناولت استعداد الجانب الليبي لاستقبال مهاجرين مرحلين من أمريكا، مقابل دعم سياسي للحكومة في ظل ما وصفته الصحيفة بالهشاشة السياسية والضغوط الأمنية والاقتصادية التي تواجهها.
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض المسؤولين الليبيين أعربوا عن مرونة تجاه المقترح الأمريكي خلال اجتماعات تمت في شهري يناير وفبراير من العام ذاته، في محاولة لاستمالة الدعم الأمريكي واستثماره داخليا لصالح استقرار الحكومة.
رفض رسمي من الحكومتين
في المقابل، سارعت وزارة الخارجية في الحكومة الليبية إلى نفي وجود أي ترتيبات من هذا النوع، وأكدت في بيان رسمي أن الدولة الليبية ترفض بشكل قاطع أي محاولات لتوطين المهاجرين، مشيرة إلى أن ما يتداول لا يستند إلى إطار قانوني أو دبلوماسي معترف به.
من جانبها، نفت وزارة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية بشكل قاطع أي تواصل مع الإدارة الأمريكية السابقة بشأن استقبال مهاجرين، معتبرة ما ورد في التقارير الصحفية الدولية محاولة لتشويه صورة الحكومة وإحداث بلبلة إعلامية.
وشددت على تمسكها برفض أي حلول خارجية لا تحترم السيادة الليبية، أو تحاول فرض ليبيا كمركز لإعادة التوطين أو التجريب الأمني.
مخاوف أمنية وإنسانية
وتتصاعد المخاوف في ليبيا من أن تتحول البلاد إلى محطة ترحيل دولية للمهاجرين، في وقت لا تزال فيه الأوضاع الأمنية والإنسانية هشة، ومراكز الاحتجاز تفتقر إلى المعايير الدولية.
كما يشير مراقبون إلى أن القبول بمثل هذه الصفقات قد يفتح الباب أمام انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان، وتدهور الوضع الأمني بسبب احتمالية ترحيل أفراد على صلة بجماعات متطرفة أو إجرامية.
وفي ظل الانقسام السياسي بين الحكومتين، يبقى الملف عرضة للتسييس، ما يستدعي، بحسب نواب ومراقبين، تشكيل موقف وطني موحد يضمن حماية السيادة الليبية ورفض تحويل البلاد إلى مكب لتفريغ أزمات الآخرين.