بعد عقود من الحظر على دراسة واحدة من أندر أحافير طائر “الأركيوبتركس”، تمكّن العلماء مؤخراً من تحليل عينة محفوظة على نحو استثنائي، ما مكّنهم من تقديم إجابات حاسمة حول قدرة هذا الطائر، الذي عاش قبل نحو 150 مليون سنة، على الطيران.
الأركيوبتركس، الذي يُعد الحلقة الانتقالية بين الديناصورات ذات الريش والطيور الحديثة، لطالما أثار جدل بين العلماء بشأن ما إذا كان قادراً على الطيران النشط أم أنه كان يكتفي بالانزلاق. غير أن الفحص الدقيق لعينة محفوظة في متحف فيلد للتاريخ الطبيعي في شيكاغو، باستخدام الأشعة فوق البنفسجية والتصوير المقطعي المحوسب، كشف عن وجود ريش “ثالثي” على جناحيه، وهو عنصر رئيسي في الطيران النشط لدى الطيور المعاصرة.
العينة، التي تُعادل في حجمها حجم الحمامة، أظهرت أيضاً أنسجة رخوة محفوظة بشكل نادر، وتراكيب لم تُرَ سابقاً في هذا النوع من الأحافير، وقالت الدكتورة جينغمَي أوكونور عالمة الحفريات في متحف فيلد والمشرفة على الدراسة المنشورة في مجلة Nature بتاريخ 14 مايو، إن هذه العينة الأكثر اكتمال بين جميع الأحافير المعروفة للأركيوبتركس” افتقدت فقط إصبع واحد، وكانت العظام محفوظة بأبعاد ثلاثية غير مسطحة، وهو ما أتاح رؤى جديدة حول بنية هذا الطائر القديمة.


وخلال عملية التحضير التي استغرقت نحو 1600 ساعة، نجحت الباحثتان أكيكو شينيا وكونستانس فان بيك في إزالة الشظايا المحيطة بالعظام بدقة بالغة، وكشف تفاصيل دقيقة للأنسجة والعظام ساعدت في إعادة بناء الهيكل الكامل للطائر.
الدراسة كشفت أيضاً عن مفاجآت أخرى، مثل القشور المستطيلة على أصابع القدم، ما يشير إلى أن الأركيوبتركس كان يتجول على الأرض بحثًا عن الطعام، على غرار الحمام الحديث، بالإضافة إلى أدلة على تطور خاصية “الحركية القحفية” في الجمجمة، وهي سمة تمنح الطيور القدرة على تحريك أجزاء من الجمجمة بشكل مستقل لتسهيل التغذية.
ورغم أن بعض العلماء، مثل الدكتورة سوزان تشابمان من جامعة كليمسون، يرون أن الأركيوبتركس كان قادرًا فقط على الطيران لمسافات قصيرة نظرًا لافتقاده بعض التكيفات المتقدمة مثل عضلات الطيران القوية أو عظمة القص العريضة، إلا أن العثور على الريش الثالثي يعد، بحسب وصفها، “دليلًا استثنائيًا” على قدرته على الطيران الفعلي.


وكانت هذه العينة قد بيعت في سوق خاص وظلت بعيدة عن أيدي العلماء منذ تسعينيات القرن الماضي، حتى اقتناها متحف فيلد عام 2022. واعتبر جوليان سيغرز، مدير المتحف، هذا الاكتساب “أحد أهم المقتنيات الأحفورية منذ الديناصور الشهير SUE من نوع T. rex”، لما له من قيمة علمية كبيرة في فهم تطور الطيور.
الاكتشاف الجديد يعيد رسم ملامح مرحلة تطورية حرجة في تاريخ الحياة على الأرض، ويضيف فصلًا مهمًا في قصة تحول الديناصورات إلى طيور، كاشفًا عن قدرة الأركيوبتركس على الطيران النشط، بخلاف ما كان يُعتقد لعقود.
