الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-06-30

4:20 مساءً

أهم اللأخبار

2025-06-30 4:20 مساءً

كاتب لم يهادن في الود ولا جامل في الحق

حمد المسماري

حمد المسماري

هو ذاك الكاتب الواقعي رغم عيشه في خيال خصب عبر كتاباته البديعة .. قال عنه بعض الكتاب ما عنونت به سيرته كانعكاس حقيقي لكتاباته وتعاملاته اليومية : الراحل حمد المسماري كاتب لاذع النقد ، حاد الرؤية عفيف النفس ، لا يعرف المداهنة في الود ، ولا المجاملة في الحق ، يحترم الكلمة وشرف المهنة ، كتبتُ له مرة مستهلا رسالتي: بـ «عزيزي أحمد» فرد عليَّ سريعا: «(معلش) أستاذ محمد، اسمي حمد!» حمد – رحمه الله – ينطلق نحو الحق بقناعة كالسهم ، لا يردعه أحد ولا يوقفه رأي من أحد .

في ديوانه الأول صلاة العابرين روى حزن صاحب القيثارة فوق جثث لم يتسن أن يصلى عليها حثث الأحياء الميتين فقرا وظلما واستعمارا وتركا .. كان ضاحكا في أغلب أوقاته ولكن ديدنه الحزن الظاهر في عينيه رغم تفكيره مع الصحب بصوت عال في كل الأمور حتى مقالاته التي يفكر أن يكتبها .. وحامل القيثارة خلاصة عصارة حزنه .. قال :

حامل القيثارة … ما عاد یغني للشموس الغاربة

لم يعد في لحظة الوجد … وأهات الشجن

يسكب الألحان أقماراً تضيء … في القلوب الشاردۀ

ولأسراب الطيور العابرة

قال لي : یا صاح یقتلني الحنین

لکنهم داسوا عقود الیاسمین … أفلا تری هذە خیام اللاجئین

وعذابات المنافي في العیون … وكلاب الطرقات

تنهش لحم الصبایا البائسات … والصغار

هدهم جوع اللیالي الباردات … انتظارًا للنهار

لم يعرفوا دفء الصباحات الندية … واخضرار الحلم

 في شمس العشیة … هل تری یذکر حېييي؟

کلماتٍ حفرناها فوق أخشاب صلييي

ربما !!!

أحذیة الجنود والبارود .. والقمر المعلق

وبکاء جارتنا الودود

لنصلي أصدقائي فوق أوحال الهزیمۀ

ولنغني من جدید للشموس الغاربۀ

نسكب الألحان أقمار تضيء … في القلوب الشاردۀ

ولأسراب الطيور العابرة

حمد المسماري ولد سنة 1961 بنغازي في منطقة الرويسات .. متزوج وله طفلة واحدة ، عمل موظفا بالشركة العامة للأنانيب ، ثم إنضم إلى صحيفة قورينا حيث أشرف على الصفحة الفنية بها، ثم تولى إدارة قسم التحقيقات. صدر له ديوان شعري سنة 2006 عنوانه (صلاة العابرين) عن منشورات مجلة المؤتمر .. قدوته الأدبية الصادق النيهوم وكان مدافعا عنه وعن كتاباته دائما في مجالس الصحب وفي الندوات العامة أيضا وربما لتأثره الشديد بالأديب الفيلسوف الراحل النيهوم كتب له قصيدة عنونها : رسالة إلى صادق النيهوم .. جاء في بعض أبياتها :

” الحزن بضاعتنا جميعا “

ياصادق …

فرسان هذا العصر

مازالوا بلا معارك

والنسر لم يمت

النسر صار ببغاءً مدهشاً

يغني للخليفة

أشعاره قد جعلت حياتنا

سخيفة

في زمن الغربة والنواح

تبكيك بنغازي كل مساء

تبكيك حتي مقدم الصباح

قنديلها مدينتك .. ما عرف التوهج

قاموسها حبيبتك .. لا يعرف الأفراح

ولا شموعها أضاءت .. رغم الاحتراق

في العام 2007 اختير من قبل موقع جيل ” شخصية العام ” كأفضل كاتب صحفي .. وكيف لا وقد كان مواكبا ليوميات البلاد ينتقد في الفن والأدب وحال البدل ما يراه بعينه الثاقبة وفكره النير أنه معوج وبحاجة لتعديل المائل بكتابة صادقة دون مواربات ..

آخر زياراته لي، أعاد لي خلالها كتابًا كان استعاره مني، وحدثني عن مشاريع ينوي كتابتها، وأخبرني -للمرة العاشرة- أنه يعد للقاء عن أعمالي، وأنه اقترب من الانتهاء من أسئلته، واعترف أنني أتطلع إلى هذه الأسئلة لأنني أعرف أن أسئلته دائما ناضجة وحادة! حدثني، كذلك عن مجموعة مقالاته التي يأمل أن يحويها كتاب، سيهديه إلى صالحة، حدثني أيضا عن مكتبة يريد أن يقيمها ببيته، ليضع بها كتبه المكدسة في كراتين :

– «أريد لصالحة أن تتفتح عينيها على الكتب ، وليس على استار أكاديمي » صالحة هي ابنته التي يحق لها أن تفخر، عندما تكبر، بأنها تحمل اسم حمد المسماري، تماما مثلما نفخر نحن أن والدها نحبه لأنه رجل صادق وشريف ، «عصران» وعفيف ! هكذا قال حمد المسماري عن أمنيته لابنته صالحة وهكذا عرف القارئ بها ذات حديث مع القاص السلس الحكايا .. شهيها حين تكون عن طعام البحر ” وطواجين السمك ” أحمد يوسف عقيلة :

فكان هذا الحوار الذي كتبه أحمد يوسف عقيلة في ذكرى وفاة المسماري الحادية عشر بدأ عقيلة :

علاقتي بحمد المسماري توطدت عقب مقالة نصف لاذعة كتبها عن روايتي «الكراكوز». كان -رحمه الله- قد أعطاني مسودتها قبل نشرها، متوقعا أن أطلب منه تغيير بعض من أسطرها! فأخبرته -على الرغم من انزعاجي- برضائي عنها كما هي! فنشرها كما هي بجريدة أخبار بنغازي، وجاءني مبتسما بنسخة منها! عندها وضحت له وجهة نظري حول بعض ما ورد في مقالاته قلت له :

– «إنك تتساءل عما جعلني أترك القصة القصيرة وأتجه إلى كتابة التاريخ ، ثم بسخرية واضحة ، إلى كتابة وصفات الطهي؟ ثم استغربت من انتقالي من مجال أدبي لآخر بسهولة ؟ سألته : ألم يقم مثلك الأعلى بذلك قبلي ، ولم تنقده ؟ ألم يكتب صادق النيهوم -رحمه الله – عن التاريخ ، وعن مطبخنا الليبي؟ ثم ألم تنتقل أنت من كتابة الشعر إلى المقالة الأدبية، ثم الصحفية ؟ ابتسم وقال:

– «واو، فاتت عليَّ ! ولكن لماذا لم تنبهني عندما عرضت عليك المقال؟» فأجبته: «هأنذا أخبرتك الآن ! وكيف أقنعك بأن القراءة الثانية ، خصوصا من صديق ، سلوك صحي للغاية ».

انتقل إلى رحمة الله تعالى المسماري مساء يوم الأربعاء 10 يونيو 2009 ليدفن في مقبرة الهواري ببنغازي الخميس 11يونيو 2009 وأختم ما جمعته من بعض سيرة كبيرة مهمة للناقد والشاعر الإنسان صاحب الشجن الخفي الظاهر حمد المسماري بقصيدة كتبها بتاريخ 16 / 6 / 1996 م لنعرف كيف رأى الحرية وقد عنون قصيدته ” أغنية عن الحب والحرية ” :

قــدراً أن نعبــر حتــى النهــايـة

دربنــا الممـلـوء بالمــوت

وآلاف الجمــاجــم

قــدراً أن نشــرب حتــى الثمــالـة

كــأسنــا المتـرعـة الأحــزان

فــي عــرس هــوانـا

كـان قـاري النشــرة يـردد

قـالـت الأخبــار عنـا خــونــة

وكنـا فـي ســواد الرحلـة الداجــي

نـردد أغنيــة

لــم يـزل فــي القلــب رو ياء

وبقــايــا أمنيــة

* * *

قــدراً يـا حبنـــا الأكبــر

أن نبكـــي طــويــلاً

وعلــى بـوابــة الليــل والغــربــة

يصلــب حلمنـــا الأخضـــر

صــــدقــونــي

نحــن لا نعــرف ســر اللعبـــة

مـا تسللنـــا كمــا قـال المحقــق

عبــر أستــار المطـــر

لــم نــر ضــوءه لنســرقــه القمــــر

* * *

قـدراً يـا رفيقــة الآلام

أن نبقـى سنينـاً وسنيــن

نغـزل مـن خيـوط الشمـس

الأمــل الأتــي

لآلاف الضحـايـا والجيــاع

المتعبيــن

لــم يعــد بوسعنـا أن نتكلــم

صــار مسمــوحــاً فقــط

أن نتألــــم

* * *

قــدراً كـان علينــا أن نظــل

ألــف عــام

أســرى قيــد

أســرى فكـــراً

لــم نعــد نـدركــه مــن

ألــف عــام

نبحــر فــي لجــة الظلمــة

دون شمعــة

اللــه يـا رفيقــة الآلام

يعــرفنــا

ولــن يتـركنــا نـذرف دمعــــة

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة