الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-07-01

6:22 صباحًا

أهم اللأخبار

2025-07-01 6:22 صباحًا

من يُشعل غابات الجبل الأخضر؟ تحقيق خاص للمنصة يكشف الأسباب والخفايا

من يُشعل غابات الجبل الأخضر؟ تحقيق خاص للمنصة يكشف الأسباب والخفايا

 

بألم وحسرة وعيون تملؤها الدموع، يقف الحاج محمد النحيلي شاهدا على أرضه التي أفنى فيها عمره،  وهي تلتهمها ألسنة اللهب التي حولت محصوله إلى رماد مكوم.

لم يفلح الماء الذي سكبه من دلو صغير، ولا صرخاته التي علت في الوادي، هو وأبناؤه الذين يحاولون بكل ما أوتوا من قوة إخماد الحريق المتصاعد بلا رحمة.

على الجانب الآخر، يبذل رجال  هيئة السلامة والدفاع المدني والشرطة الزراعية والمتطوعون من الهلال  الأحمر جهودا متواضعة في مواجهة النيران التي تأكل كل شيء في طريقها، تاركة وراءها رمادا خانقا يخنق الأنفاس.

 المنصة الليبية  تابعت آثار هذه الحرائق المتكررة بمناطق الجبل الأخضر  طيلة أسبوع متواصل ، واستقصت خلفياتها، واستطلعت شهادات السكان، والمسؤولين، والخبراء، في محاولة للإجابة عن السؤال: من يُشعل النيران  برئة ليبيا … ولماذا؟

  الأخضر يتحوّل رمادا..… والحكومة تلتزم الصمت

النيران الجائرة لم تدمر الطبيعة فحسب، بل عرّت عجز الدولة في الاستجابة السريعة  فلم تكن الخسائر بيئية فقط، بل طالت اقتصادا محليا كان يعتمد على تجارة النباتات العطرية والطبية، التي كانت تدرّ أكثر من مليون دينار سنويا وفق تقديرات 2006.

الباحث في الاقتصاد الزراعي،  سامي الرياني ، أوضح أن النيران  التهمت نباتات سريعة الاشتعال كـ”العرعر، البطوم، الزيتون البري، الخروب، والسرو”، التي تحتوي على زيوت طيّارة تزيد من سرعة انتشار النيران، فضلًا عن كونها موائل طبيعية مهمة للحياة البرية.

وأشار الرياني إلى أن  العامل البشري  هو السبب الأبرز للحرائق، سواء عبر الحرق المتعمّد لأغراض الزراعة أو التوسع العمراني العشوائي، محذرا من أثر طويل الأمد على استقرار النظم البيئية.

ومع تدهور أكثر من 63بالمئة  من الغطاء النباتي، واختفاء 14 ألف هكتار خلال عقد، تتصاعد الدعوات لتفعيل  قانون الغابات رقم (5) لسنة 1982. وإنشاء إدارة متخصصة لحمايتها.

المناخ بريء والفاعل معروف

رغم أن العوامل المناخية كارتفاع الحرارة، والجفاف، وانخفاض الرطوبة، قد تكون مسببا في  إشعال الحرائق إلا أن الباحث البيئي  خليفة بوفراج  يؤكد أن “اليد البشرية” تبقى المتهم الرئيسى، مشيرا إلى الحرق المتعمّد لغرض التوسع الزراعي أو العمراني، أو بقايا نيران المتنزهين، وذلك وفقا لشهادات الأهالي.

وأكد الباحث أن النيران قد دمرت بيئات كاملة كانت تعتمد عليها الحيوانات في الغذاء والتكاثر، ما أدى إلى نزوح جماعي للكائنات البرية، ونفوق بعضها، مما يهدد بحدوث اختلالات خطيرة في التوازن البيئي.

وينص القانون الليبي  أنه “لا يجوز لأي شخص أن يشعل نارا داخل الغابات أو المراعي العامة، أو على مسافة تقل عن مائتي متر من أطرافها، ما لم يكن قد حصل على إذن كتابي من أحد مراكز التفتيش الزراعي”، وهو نص قانوني لم يُفعّل بصرامة رغم خطورة الوضع البيئي.

الحريق بدأ من مكب قمامة

أكد رئيس جهاز الشرطة الزراعية بالجبل الأخضر،  المقدم  عادل ابريدن ، إنهم باشروا التحقيقات فوراً ، وأظهرت التحقيقات أن الحريق بدأ من مكب قمامة قرب الطريق العام، مرجحا أن يكون اشتعال القمامة بفعل فاعل أو بسبب الإهمال.

وأشار إلى أن سرعة الرياح الجنوبية أسهمت في توسع رقعة النيران، وأن الجهاز يفتقر إلى الإمكانات ، ويحتاج إلى مركبات دفع رباعي، وأبراج مراقبة، وطائرات إطفاء عاجلة.

 البرلمان والحكومة في قفص الاتهام

خمس منظمات بيئية ليبية أصدرت بيانا غاضبا على الفور حمّلت فيه البرلمان والجهات التنفيذية مسؤولية الكارثة، وطالبت بمحاسبة المقصرين.

مدير منظمة “شتلة البيئية” ابريك قيقيات، أحدى هذه المنظمات أكد إلى هناك تنسيق بين المؤسسات الأهلية ومجلس النواب لإنشاء إدارة متخصصة للغابات، وإطلاق مشروع وطني توعوي للنشء.

 وهاجم ” قيقيات”  هشاشة قدرات الهيئة الدفاع المدني والشرطة الزراعية  قائلا:

 “السيارات غير مهيأة لتضاريس الجبل، والأطقم غير مدربة، ولا تملك الأدوات اللازمة، وهذا أمر لا يُغتفر” .

وكما طالب بإنشاء محميات طبيعية لإكثار الأنواع المستوطنة ، وتوحيد جهود الدولة والمجتمع المدني لحماية الغابات.

 لجنة الزراعة تطالب بإنشاء مطار لمكافحة حرائق الجبل الأخضر

اعتبر رئيس لجنة متابعة الزراعة بمجلس النواب، سعيد خالد اسباقه، أن ما يحدث من حرائق متكررة في الجبل الأخضر يُعد كارثة بيئية لا تُغتفر، مشيرا إلى أن ليبيا لا تمتلك حتى الآن طائرة واحدة لإطفاء الحرائق، وهو أمر وصفه بـ”غير المقبول” في ظل تسارع التغيرات المناخية.

وأكدت لجنة الزراعة، في بيان لها، ضرورة إنشاء مطار متخصص في نطاق مدن الجبل الأخضر، يُخصص حصريا لمهام مكافحة الحرائق وحماية الغابات والغطاء النباتي في المنطقة.

مطلب الإطفاء الجوي… لا يحتمل التأجيل

شدّد رئيس المجلس الاجتماعي في مدينة البيضاء، أبوبكر الجالي، على أن “الإطفاء الأرضي” أثبت فشله في الوصول إلى المناطق الوعرة التي لا يمكن الوصول إليها إلا جوا، معتبرا أن توفير طائرة إطفاء دائمة في مطار الأبرق لم يعد خيارا، بل ضرورة استراتيجية عاجلة.

وأوضح الجالي أن المجلس خاطب الجهات المعنية مرارًا دون أن يتلقى أي رد رسمي حتى الآن.

وفي السياق ذاته، كشف قسم السلامة الوطنية بمطار الأبرق عن قرب توقيع اتفاقية لجلب أول طائرة إطفاء ليبية، بتمويل من صندوق إعادة الإعمار، في خطوة طال انتظارها لدعم قدرات الاستجابة لحرائق الغابات في الجبل الأخضر.

 حرائق ليلية… وشبهات التعمد تلاحق الجناة

أبدى مدير إدارة النظم الجغرافية بوزارة البيئة في الحكومة الليبية، فارس فتحي، قلقه من اندلاع حرائق خلال ساعات الليل، كما حدث في مناطق المرج، شحات، ووادي الكوف، معتبرا أن هذا النمط يعزز فرضية التعمد البشري في إشعال النيران.

وأشار فتحي إلى أن الرياح الجنوبية الجافة (القبلي)، التي تجاوزت سرعتها 40 كم/ساعة، زادت من صعوبة السيطرة على حريق وادي الكوف، مضيفا أن تكرار اندلاع الحرائق في المواقع ذاتها يثير الشكوك ويستوجب مراجعة عاجلة لخطط الوقاية، وتشديد إجراءات الرقابة لحماية الغطاء النباتي من الاندثار.

ورغم تداول مشاهد مرئية موثقة يظهر فيها أحد السكان وهو يتّهم مواطنا بإشعال النيران عمدا في مزرعته، لم تصدر وزارة الداخلية حتى الآن أي توضيحات رسمية حول ما إذا تم تلقي بلاغات أو فتح تحقيق بالخصوص، ما يفتح الباب أمام تساؤلات جدية بشأن التعامل الرسمي مع هذه الكوارث المتكررة.

ورغم غياب أي تصريح رسمي من وزارة الزراعة والثروة الحيوانية حتى الآن، رصدت  المنصة الليبية  أن أسعار طائرات الإطفاء التي طالب بها الجميع تتراوح عالميا بين 150 إلى 500 ألف دولار فقط مبلغ لا يبدو مستحيلا في بلد يواجه كوارث بيئية متكررة كل عام.

ختاما الحرائق تنطفئ، لكن الأسئلة تبقى مشتعلة  فمن سيعوض المتضررين من أصحاب المزارع والمساكن المحاذية للغابات؟ ومن سيتحمل مسؤولية حماية الغطاء النباتي من التآكل والتلاشي؟ وهل سيتحرك المشرع لتشديد العقوبات على من يثبت تورّطهم في هذه التعديات، سواء عمدا أو نتيجة الإهمال؟

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة