الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-06-30

6:30 مساءً

أهم اللأخبار

2025-06-30 6:30 مساءً

التصحر يهدد الجبل الأخضر. ومبادرات شبابية تقاومه

التصحر يهدد الجبل الأخضر. ومبادرات شبابية تقاومه

مجد العماري

كنت أزوره ذات ربيع .. جبل أشم شاهد ما شاهد من بطولات يعايشها جيل بل أجيال من المجاهدين وظل صامدا فلا يستحق منا الإهمال هذا الأخضر المونق الذي قال فيه بعض الشعراء :

وأنت تعانق أفق السماء

وتفتح حضنك للزائر

فيالك من منظر مونق

هدى النفس للمنظر الأزهر

لعقود طويلة ، وقف الجبل الأخضر شامخاً كتاجٍ أخضر في مفرق الصحراء الليبية، متحدياً القحط بتنوعه النباتي الاستثنائي. لكن اليوم، وبينما نتأمل هذا الإقليم الذي طالما تغنى به الجغرافيون والمؤرخون، يتبادر إلى الذهن سؤال مؤرق: كيف تحولت هذه الجنة الخضراء التي تزخر بغابات الخروب والبلوط والزان والعرعر، وتعبق بأريج الميرمية والخُزامة والزعتر البري، إلى أرض تترنح على حافة الجفاف؟ إنها مفارقة محزنة أن يتراجع هذا الغطاء النباتي الثمين بوتيرة متسارعة، ليس فقط بفعل تقلبات المناخ التي تتجاوز سيطرتنا، وإنما أيضاً – وهذا ما يضاعف الألم – بأيدٍ ليبية تفتقر إلى رؤية تُحصن هذا الإرث الطبيعي النادر. الحديث عن التصحر في الجبل الأخضر ليس مجرد تشخيص لظاهرة بيئية، بل هو مسألة صادمة لمسؤوليتنا الجماعية: هل ندرك حقاً حجم ما نخسره، وهل نملك الإرادة الحقيقية لإنقاذ ما تبقى من رئة ليبيا الخضراء قبل أن يبتلعها التصحر تماماً؟

في هذا المشهد البيئي الذي يزداد قتامة، تواجه ليبيا منذ سنوات خطر التصحر وتآكل الغطاء النباتي بوتيرة متسارعة تُنذر بعواقب وخيمة على الإنسان والأرض معاً. وبينما تُعد الطبيعة الصحراوية جزءاً أصيلاً من جغرافية البلاد، فإن التدخل البشري غير الواعي، من رعي جائر وقطعٍ للأشجار واستنزافٍ للمياه، فاقم من تدهور التربة، وبدّل ملامح بيئات خضراء كانت تُعدّ من أنقى رئات البلاد الطبيعية، خصوصاً في منطقة الشرقية.

تشير تقارير بيئية محلية ودولية إلى أن التصحر بات يهدد مناطق زراعية كانت تُعرف بخصوبتها، كما يؤثر سلباً على سبل عيش المجتمعات المحلية التي تعتمد على الأرض كمصدر دخل وغذاء. ومع تفاقم الأزمة المناخية وغياب التخطيط البيئي، يتقلّص الأمل في استعادة الغطاء النباتي دون تدخلات جادة ومستدامة.

ورغم هذا الواقع، لا يخلو المشهد من بصيص أمل يتمثل في مبادرات بيئية وشبابية تسعى إلى إعادة الحياة إلى الأرض. من بين هذه المبادرات، يبرز فريق “سفاري برقة”، الذي أطلق حملات للتشجير ضمن نشاطاته البيئية تحت عنوان “حملة شتلة 2025”، مستهدفاً المناطق المتضررة من القطع العشوائي والحرائق.

هذا الفريق، الذي يقوم أساساً بتنظيم رحلات المشي الطويل في الطبيعة، المعروفة عالمياً بـHiking، دمج بين متعة المغامرة والمسؤولية البيئية. رحلات “سفاري برقة” لا تعتمد على الأماكن السياحية التقليدية، بل تتوجه نحو مناطق نائية، وعرة، غالباً ما تكون بعيدة عن البنية التحتية، في نمط من الرحلات يُشبه الاستكشاف البيئي أكثر من كونه ترفيهاً. هناك، وفي ظروف طبيعية قاسية، يقوم المشاركون بالتخييم الحقيقي، ويزرعون أشجاراً محلية مقاومة للجفاف مثل: الخروب، السرو، الزيتون البري، والسنديان.

لكن هذه المبادرات لا تسير دائماً في خط مستقيم. إذ يواجه الفريق صعوبات حقيقية، ليس فقط لوجستية تتعلق بوعورة المسالك أو شُح الموارد، بل أيضاً من نوع آخر أكثر إحباطاً: قيام بعض الأفراد عمدًا بتخريب ما تمّت زراعته واقتلاع الأشجار بعد أيام أو أسابيع من غرسها. هذا التعدي لا يشكل فقط تهديداً بيئياً، بل يوجّه ضربة مباشرة إلى جهود تطوعية تسعى لصنع فرق حقيقي، ويطرح تساؤلات عن الحاجة إلى وعي مجتمعي أكبر، وحماية رسمية لهذه المبادرات.

هذه التحديات، رغم مرارتها، لم تُثنِ عزيمة “سفاري برقة” ولا أمثالهم من النشطاء البيئيين، الذين يرون في كل بذرة تُغرس وعداً صغيراً بمستقبل أكثر خُضرة، وإن طال انتظاره.

الخاتمة:

في مواجهة التصحر، لا تُزرع الأشجار فحسب ، بل تُزرع الإرادة أيضاً. وما يفعله “سفاري برقة” وأمثاله ليس مجرد تشجير، بل مقاومة صامتة تُعيد للأرض كرامتها، وللناس إيمانهم بأن التغيير، مهما بدا هشاً، يبدأ بخطوة. يستحضر هذا النضال البيئي ما سطره الشاعر محمد علي أحمد في قصيدته “من وحي سوسة”:

“وهنا على شطآن سوسه يالها من جنة سحرية الإغراء

نامت على البحر الجميل كظبية مذعورة هربت من الصحراء”

فكما هربت تلك الظبية من قسوة الصحراء نحو الخضرة، فإن مهمتنا اليوم هي منع هروب الخضرة من جبالنا، وتحويل كل بقعة مهددة إلى واحة تقاوم زحف الرمال وجفاف القلوب .. إنه ملهم الشعراء فهل سيبكونه حينما يختفي اخضراره أم سيتعشقونه كما عهدنا منهم غزلا رشيقا .. حتى زوارها تهيموا فيها عشقا فقال بعضهم حين زار الجبل الأخضر ومدنه :

يم الجبل والكوف ظهر الوادي

مكان شيخنا اللي قهر  ها الأعادي

دوم  زاهيا  يا باهيا  وبناسها اللي  غادي 

تكونوا فراحه دوم سواء حظور و البوادي

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة