الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-06-30

11:03 مساءً

أهم اللأخبار

2025-06-30 11:03 مساءً

(حارس العدم)

02

مجد العماري

ضبابٌ شاحبٌ يلفُّ أبراج المدينة البالية، كأنما تسبحُ كتلةُ الحجارة والصمت فوق هوةٍ لا قرار لها. على حافة إحدى الشرفات العالية، يقفُ ظلٌّ وحيدٌ يتدلى رداؤه الأسود معتمِداً على العتمة، كسربِ غربانَ ترفضُ الهجرة.

يُشبهُ تمثالاً منحوتاً من أسئلةٍ بلا إجابات، يقظتُه مرصعةٌ بلعنةٍ ما. كل يومٍ يثبّتُ عينيه في الفراغ، كمن ينتظرُ إشارةً لن تأتي. تحومُ حوله طيورٌ بلا أجنحة، تُلقي أصواتاً تشبهُ صراخ أطفالٍ ضائعين بين الجدران المتآكلة.

لا يعرفُ أحدٌ سرَّ وجوده. يهمسُ البعضُ بأنه حارسُ الهياكل المنسية، حُكم عليه بالسهر حتى تُطوى صحائف الزمن. يتناقلُ آخرون قصصاً عن شبحِ حاكمٍ مجنونٍ حبسَ روحَه في متاهةِ الذكريات. أما العجائز فينسبون إليه لعنةً قديمةً، فيعبرونَ الشواربَ خوفاً من أن تلتقطَ أعينُهم شرَرَ نظراته.

مع كل شروقٍ يذوبُ الضبابُ قليلاً، فيُظهرُ شقوقاً زاحفةً على وجوه المباني كدموعٍ متجمدة. لكن الرجلَ يبقى صامداً، كلمةً مقطوعةً من سياقها، جملةً اعتراضيةً في نصٍّ مُمزق.

في الليلة التي انهمرَ فيها المطرُ زئبقياً، بدا وكأن شفتيه تحركتا أخيراً. ربما كانت صلاةً، أو ربما مجردَ زفيرٍ أخيرٍ لرئةٍ أنهكها الانتظار. لكن المدينةَ التهمت كلَّ الأصوات، بينما استمرَّ الفراغُ يتمددُ حوله، كحبرٍ أسودَ يبتلعُ حروفَ قصةٍ نُسيت نهايتها.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة