مريم سلامة
الكاتبة والشاعرة الليبية مريم أحمد سلامة ولدت بطرابلس عام 1965 م عرفها أحد النقاد عبر مقاله يوما « إنها ضوء رائد في الجيل الجديد للكاتبات الليبيات » نعم هي كذلك تقوم أعمالها على مكانة ومركز المرأة في المجتمع الليبي المعاصر في جميع قصصها الخيالية .. شاعرة ومترجمة وصحفية كاتبة وأم وربت بيت كما أنارت بعلمها وبحرفها الأدبي مفاهيم ووطنت ثقافة وأدبيات لجيل بعدها ومجايليها وللقادمين عبر كتبها وتراجمها لم تتوان عن إنارة بيتها واحتضان زوج وأولاد بكل حنان المرأة وقوتها في آن واحد فهي التي تفعل كما تقول عن نفسها ونمط عيش مبدعة تتحمل مسؤوليات أنثى ليبية تعمر بيتها ولا تترك قلمها :
” مريم سلامة الشاعرة ربة منزل تدير بيتها بهذا الخيط الذي يصل الروح بالجسد و القلب بالقالب و الكلمة .. بالفعل إيقاعي و لا شك سريع .. أحاول جاهدة أن أنجز اكبر قدر من الواجبات المنزلية بأكبر قدر من الجودة ولكن في أحيان كثيرة لا تنجح هذه المحاولات .. وفي وجود أبناء متفهمين لطبيعة أمهم و كذلك زوج مدرك تماما لهذا التزاوج بين الخيال في الشاعرة و الواقع في ربة المنزل يجد العذر بل ويسعى متضامنا معها بروح الزوج المحب و الأب المتفاني .. البيت السعيد يقوم على وصفة سهلة هي الحب. الحب ليس بين أطراف بل حالة دائمة ومستقرة تتلبس الروح و الجسد حالة مرئية نافذة و قادرة و معطاءة تتمدد وتكبر وتعم كل المحيط الذي يشملنا و يشمل آخرين نحبهم بل و كل شيء.. بالحب فقط كل عسير يتيسر و كل مر نتحمله و الحب يفتح الأبواب للمقومات الأخرى للسعادة التفاهم و الحوار البناء والتعاضد والاجتهاد في سبيل سلامة القارب وكل من فيه “

حصلت سلامة على بكالوريوس عن كلية التربية عن جامعة طرابلس ( الفاتح سابقا ) عام 1987 في الأدب الإنجليزي .. كما تحصلت على إجازة ماجستير في الأدب الإنجليزي 2015 م عن ذات جامعتها طرابلس كما حصلت على شهادة اختبار كفاءة التدريسTKT من جامعة كمبردج 2016 م .. ولم تتوقف بل ظلت تدرس في تخصص مختلف فخاضت دراسات تاريخية شغوفة بهذا العلم وحينما عملت مترجمة كان لديها عديد المساهمات في مجال الترجمة والسياحة .. وأعلنت عن مشروعها الأهم “ في اليوم العالمي للترجمة أنها تخيرت من أرشيف القنصلية البريطانية في القرن التاسع عشر كتابا بعنوان ” طرابلس أسرار وأخبار ” ربما تحصلت على هذا الأرشيف المهم ولكونها مترجمة رسمية لمشروع ” المدينة القديمة . طرابلس ” لتعكف على ترجمته وأنها بعد عملها لفترة زمنية تصل إلى ثلاثين عاما كمترجمة ستنشر هذا الكتاب مع تراجم أخرى كثيرة تراكمت كمخطوطات جاهزة وبعد لم يشأ الزمن خروجها للنور .
مريم سلامة رغم إعلانها هذا إلا أننا أثناء البحث في سيرتها ومسيرتها بين العلم والإبداع والعمل والكفاح ككل امرأة ليبية بقوة تضع خطواتها على الدروب الثابتة التي لا تميد مخلخلة سيرها .. وجدنا لها عديد الأعمال المنشورة نثرية وشعرية عبر صحف ومجلات ليبية وأجنبية كما في احتفالية اليوم العالمي للترجمة 30/ 9 / 20 وقعت عقدا لطباعة باكورة أعمالها المترجمة ” طرابلس أسرار وأخبار ” .
وهي حقا الكائن الحساس كما قالت عن كل امرأة أنثى حقيقية فقد اعتادت أن تحتفي وسط الصحب المثقف المجتمع بأروقة المدينة القديمة بنتاجها لترى في عيونهم وتسمع من كلماتهم قراءات مختلفة تقول لها واصلي .. فاحتفت عبر أمسية شعرية في 27/ نوفمبر / 2022 م بمناسبة مرور 30 عاماً على صدور ديوانها الشعري الأول (أحلام طفلة سجينة) الصادر في العام 1992 م .. وألقت من مجموعتها الجديدة أيضا ( قهوة الظل ) عديد القصائد لتشمل الأمسية ديوانا عمره ثلاثين عاما وآخر يحتفى بكونه مخطوطا تحت الطبع قريبا وبالذات في قصيدة قهوة الظل رأس الديوان كتبت :
كل شيء جاهز لصنع فنجان قهوة
قهوة الظل بدون سكر حلوة
مثل حبات الزيتون المعتقة في ملح الجبل
ما كان ينقصني إلا أمنية
تحتوي كل هباتك يا آن الآن
هل فات الأوان ؟
هل اندس ما ظهر لي في شمس الظهيرة
واختلط بتراب الزيتونة العتيق؟
لا أدرى.
أحب أو أكره أنا امشي
في البدء نهضت قدمي ثم نفضت البن عن راسي
وأحضرت الطريق لعندي
وقالت هيا نمشي
كأن العكاز لم يسقط من يدي
ولم ينزلق السوط عن ظهري
من قراءة ثانية متأنية لمريم في كتاب رأته على درجة من الأهمية وستعرفون أين كمنت أهميته .. نرى مريم المحتفية بالنساء الناجحات وكأنها ترى فيهن نفسها أو تقوي عضدها بهن وكما بدأت وأنا أطرح هنا سيرتها المبدعة كماها .. إنها حساسة شاعرية قوية في آن تسير خطواتها نحو أهدافها بتأن لتصل .. هذا الكتاب الذي خلخلت المعاني المرصوفة فيه بعناية واعظ هو ( تمثلات فكر النهضة في كتابات المرأة العربية بين الأعوام 1860 _ 1914 م ) لمؤلفته الدكتور فوزية بريون .. فكتبت لغيرها من النسوة المبدعات تشعرهن أن طريقهن أصبح أكثر سلاسة من سابقاتهن اللائي درجن مدارج الشعر والقصة والعلم أيضا .. فكتب عنهن وعنه :
إن غايتي من هذه القراءة أن أفي حق هذا الكتاب القيم, الذي جمعت مادته واستخرجت درته كاتبة ليبية من بين خصالها الرائعة فكر يقظ و أحاسيس شاعرة لا يفوتها المنجز البديع حتى و لو تخفى تحت طيات مئات المتون, وخصوصا إذا كان ذلك المنجز لامرأة عربية نفرح بانبعاثها من جب النسيان.
في هذا الكتاب نتلمس سيرة المرأة المجتهدة في سبيل إبراز موهبتها في وقت عصيب. فالمرأة, وهي هنا لا تختلف عن الرجل في هذه الناحية, تحتاج أولا إلى تلمس موطن القدرة الخلاقة لديها و إدراكها كهبة و ميزة خصها الله بها, و ثانيا إلى شق طريقها في محيطها الداخلي و الخارجي, الذي ينوء بمعوقات الذات في خوفها من المحاولة أو المواجهة أو في تقاعسها عن حمل المسئولية, أو معوقات الجموع وهي ُتلقى في طريق هؤلاء المبدعين لا لشيء إلا لأنهم مختلفون, حتى تتمكن هذه الهبة من الانبعاث و الخروج إلى النور بشتى السبل هدفها هدم أنماط سالبة و بناء أخرى موجبة ” و لان الموهبة الحقيقية قبل أن تقتلها وتفتك بها العوامل الخارجية المفروضة عليها يقتلها صاحبها بالإهمال و الوقوع في حالة من الإحباط و الركون عن المضي في ممارسة التجربة.. والغاية الأسمى لهذا الانبعاث هي بناء عالم أفضل يليق بالإنسان خليفة الله على الأرض وهذا الكلام ينطبق على القرن التاسع عشر كما ينطبق على القرن الأول لظهور الإنسان على هذا الكوكب.

وليعرف القارئ سيرتها .. كنهها وعبير شاعريتها .. اقتطعت جزءً تحدثت فيه بعفويتها عبر لقاء أجري معها قالت :
” المرأة كائن حساس و عادة ما يمنح القياد إلى قلبه فان شعرت بأن عليها أن تتوقف مؤقتا أو كليا لصالح البيت و عائلتها فستفعل دون أن تشعر لحظة أنها تخلت عن كونها و ذاتها وان شعرت أن هذا التخلي ضرره أكثر من نفعه فستقضي الليل تفكر في وسيلة تمنحها القدرة على الاستمرار ليس من اجلها بشكل فردي و إنما من أجل عائلتها فهم لا شك يحزنهم أن تتوقف أمهم عن موهبة لا تملكها كل أم .. هي وحدها من يقرر حجم هذه الضرورة. هناك كاتبة مبدعة توقفت حتى كبر أبناؤها وذهب كل في سبيله فعادت إلى العمل و الكتابة والنشر دون ندم على سنوات من الجفاف في سبيل ري حديقتها الخاصة بالاهتمام وشغف الأم بكل تفصيل صغير. في مفهومي ؛ التحرر ينطلق من إيمان بضرورة المعرفة وإطلاق كل الحواس لهذه الغاية فالمعرفة كفيلة بان تجعل المفاهيم واضحة لا اختلاط و لا تشويش بينها وتكفل نجاح النوايا وتتكفل بالوصول إلى الغاية المشروعة دون خوف من أحكام جاهزة وظالمة…ومع هذه المعرفة تتوفر الإرادة وحسن الاختيار و جودة القرار فنقول لا و ألف لا لكل قبيح حتى وان كنا قادرين على الوصول إليه بفضل هذا التحرر…وفي رمشة عين ” .
شاركت سلامة دائما في عديد المناشط والملتقيات الثقافية والأدبية داخل طرابلس وخارجها .. وصدر لها خلال رحلتها الإبداعية المتواصلة لعامنا هذا 2025 م أثناء كتابة سيرتها الأدبية الحياتية
صدر لها :

_ أحلام طفلة سجينة – شعر – دار الفرجاني 1992م .
_ لا شيء سوى الحلم – مقالات – دار الفرجاني 1993م .
_ الطريق إلى المدينة البيضاء – دليل سياحي عن مطابع الثورة العربية كان نصا بالإنجليزية طبعته على نفقتها الخاصة في العام 1995 م .
_ الطبعة الثانية من الدليل السياحي الطريق إلى المدينة البيضاء بعد تنقيحه وزيادة معلومات حوته صدر عن دار الكلمة عام 2005 م .
_ معجم الحمامة – نصوص – صدرت عن مجلة المؤتمر عام المؤتمر 2003 م .
_ الورد المنسي – كتاب نثري – صدر عن مجلس الثقافة العام 2008م .
_ من الباب إلى الباب – قصة قصيرة .. صدرت باللغة الإنجليزية في كتاب “ترجمة ليبيا” للمؤلف إيتن تشورن – منشورات دار الساقي 2008م
_ الحديقة المقفلة – نص في الأدب الليبي _ منشورات الهيئة العامة للصحافة2013 م.
_ ست وردات وناي – ديوان شعري _ صدر عن وزارة الثقافة عام 2013 م
_ للغصن هذا الكلام – ديوان شعري صدر عن وزارة الثقافة عام 2013 م .
في العام 2025 م احتضن حوش «محمود بي» بالمدينة القديمة، ذات مساء خميسي ربيعي في 25 من شهر إبريل .. حفل توقيع لأربعة كتب صادرة عن جهاز إدارة المدينة القديمة طرابلس ، من بينها بالطبع كتاب أخبار وأسرار طرابلس للشاعرة والمترجمة مريم سلامة وعبرت عن محتواه بملخص في حضور نخبة من المثقفين والمهتمين بالتراث الليبي .. أوضحت أن كتابها جاء متضمنا 45 وثيقة ترجمتها خلال عملها في مصلحة الآثار، لتسلط الضوء على الحقبة العثمانية الثانية (1835-1911) وأن الكتاب جاء في ثلاث مجموعات : رسائل القنصل الإنجليزي إلى والي طرابلس الغرب ، والثانية وضعت تحت خانة «مراسلات أخرى» وعددها ثماني وثائق، والثالثة إفادات وشهادات عنونتها «خدمات قنصلية» وعددها ثماني وثائق.

وللمعلومة بشكل عام نضيف نحن عن تلك الإصدارات المهمة أنها أرخت لجزءٍ من إرث طرابلس العريق ، وهي كتابا «وريقات من المدينة اللغز » و «من أويا التاريخ إلى طرابلس المدينة» للباحث سالم سالم شلابي ، و«بشير بك السعداوي في أخبار صحيفة طرابلس الغرب» للباحث الدكتور علي مصطفى دقدق ، و«أخبار وأسرار من وثائق القنصلية البريطانية بولاية طرابلس الغرب (1826-1905) ترجمة وتحقيق الكاتبة مريم أحمد سلامة.
ولدتني أمي وفي عينها حنين للنوم
فاجتمعت الطرق كلها في فمي
تارة تصرخ بي وتارة تصرخ بأمي
السوط يصرخ والعكاز يئن
وأنا أمتثل وأمشي
أمشي في النهار بقدمي
وأمشي في الليل بعيني
ليس الأمر: أحب أو أكره أن أمشي
امشي فعل أمر
الطريق في فمي : إذا عطشت أمشي
وإذا جعت أمشي
وإذا أردت الكلام أمشي
بعد خمسين عاما من المشي تزيد أو تنقص قليلا
جلست قي ظل زيتونة
تركت الوقت يجلس بعيدا عني
ما عاد العكاز في يدي
رحلت أمي وكبرت ابنتي
لكن المكان صياد أشرس من الزمن
كأن التراب بن مطحون
والحنين ماء
وإصبعي عود كبريت