حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) من استمرار تفشي أسراب الجراد الصحراوي في شمال أفريقيا، خصوصًا في ليبيا وتونس والجزائر، خلال شهري يونيو ويوليو، مع توقعات بتحرك هذه الأسراب جنوبًا نحو منطقة الساحل لبدء موسم التكاثر الصيفي.
وفي تقريرها الشهري الصادر الجمعة، أكدت المنظمة أن أسراب الجراد البالغ والأسراب الصغيرة ما زالت تتشكل في عدة مناطق شمالية، مشيرة إلى أن التكاثر الصيفي مرجّح أن يبدأ في جنوب الجزائر وشمال النيجر وموريتانيا. وأفادت بأن التكاثر الربيعي قد بدأ فعليًا بعد وصول مجموعات الجراد إلى مناطق شهدت أمطارًا في فبراير الماضي، خاصةً وسط الجزائر وغرب ليبيا.

رصد وتحركات في ليبيا
رُصدت أعداد كبيرة من الجراد الصحراوي في مناطق مختلفة من ليبيا، أبرزها ترهونة، سبها، تازربو، غات، وغدامس، إضافة إلى جنوب بني وليد، حيث تطورت الحوريات بجميع أطوارها خلال مايو، وتواصل تطورها في يونيو الجاري. كما شوهدت أسراب صغيرة ناضجة في شمال غرب البلاد.
وقد بدأت السلطات الليبية عمليات مكافحة محدودة، حيث تمت معالجة 322 هكتارًا من الأراضي المتضررة خلال الفترة بين 1 و18 مارس، في محاولة لاحتواء انتشار الحشرة المدمرة التي تشكل تهديدًا حقيقيًا للمحاصيل الزراعية والأمن الغذائي في البلاد.
شهدت بني وليد وسرت وترهونة وتراغن وعدة مناطق بالجنوب هجومًا مكثفًا للجراد الصحراوي في مارس الماضي، حيث اجتاحت أسراب كثيفة منطقتي وادي سوف لجين ووادي أم الدياب، مسببةً خسائر جسيمة في محاصيل الشعير. وصرّح محمد جمعة، مدير مكتب الغطاء النباتي بالمدينة، أن الأسراب وصلت إلى مرحلة التزاوج، مما ينذر بتوسع في أعدادها خلال الأسابيع المقبلة.


وفي الواحات الشرقية، أكد رئيس الشرطة الزراعية، العميد إدريس بدر، أن نسبة الأضرار في الحقول الزراعية بلغت نحو 70%، خاصة في مناطق الطفل والمزارع المجاورة. وأشار إلى انطلاق حملة مكثفة بالتعاون مع الجهاز الوطني للتنمية لمكافحة الأسراب.
وفي سياق متصل في مارس الماضي شهدت ليبيا موجة كبيرة من أسراب الجراد، حذّر حسين البريكي، المسؤول باللجنة الوطنية لمكافحة الجراد الصحراوي في ليبيا، من “انتشار غير مسبوق لأسراب الجراد في الجنوب”، مؤكدًا أن البلاد مهددة بكارثة بيئية وزراعية ما لم تُتخذ إجراءات سريعة.
وأوضح البريكي أن “الرياح غير المنتظمة ساعدت في اتساع رقعة الانتشار”، وأن “دخول الجراد مرحلة التزاوج ووضع البيض يُنذر بظهور أجيال جديدة أكثر عددًا وخطورة”.
كما أشار إلى أن نقص الإمكانيات في عدد من المناطق – من معدات رش ومركبات ميدانية – يُعرقل بشدة جهود المكافحة، مما يُصعب السيطرة على الموقف.
كما كشف تقرير بحثي صادر عن المركز الليبي لأبحاث الصحراء وتنمية المجتمعات الصحراوية أن الجنوب الليبي يواجه “تحديات جسيمة” في مواجهة الجراد، مع نقص حاد في معدات المكافحة مثل خزانات الرش الصغيرة والمبيدات والسيارات الميدانية.
ورغم الجهود التي تبذلها الجهات الحكومية، من بينها مديرية أمن مرزق وجهاز الشرطة الزراعية وقطاع الزراعة، فإن التقرير يؤكد ضرورة “توحيد الموارد وتوفير الدعم العاجل” لحماية المزارع والمراعي من الانهيار.
وضع مقلق في دول الجوار
في الجزائر، تم رصد نشاط واسع لأسراب الجراد، خصوصًا في ولايات تمنراست، جانت، إليزي وقزام، حيث ما زالت النباتات خضراء بفعل الأمطار الأخيرة، مما سمح ببيئة ملائمة لتكاثر الجراد. وأعلنت السلطات هناك عن معالجة 6523 هكتارًا خلال الفترة من 1 إلى 23 مارس. أما في تونس، فقد ظهرت أسراب صغيرة في الجنوب الشرقي منذ منتصف مارس.
وفي تونس، حذّر محمد رجايبية، المكلف بالزراعات الكبرى بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، من المخاطر الكبيرة لتوسع انتشار الجراد، ودعا إلى تعزيز التعاون الإقليمي مع ليبيا والجزائر.
وأكد رجايبية أن الرياح الصحراوية والتغيرات المناخية تُساهم في احتمالية وصول أسراب جديدة إلى الجنوب التونسي، مشددًا على أن بلاده لا يمكنها مواجهة هذه الأزمة بمفردها، في ظل الخسائر التي تكبّدها القطاع الزراعي سابقًا.
وفي مصر كشفت وزارة الزراعة المصرية عن أن هناك 13 قاعدة رئيسية و52 قاعدة فرعية تنتشر بالمناطق الحدودية لمواجهة حدوث أي تكاثر للجراد.
وأكد الدكتور أحمد رزق رئيس الإدارة المركزية لمكافحة الآفات إن الوضع تحت السيطرة في مصر حتى الآن، حيث يتم مكافحة أي جماعات تظهر من الجراد الصحراوي والتي تأتي من الحدود الجنوبية والحدود الغربية للبلاد، وأشار إلى أن هناك دعم كامل من الدولة وعلاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي لعمليات المكافحة.
وأوضح أنه يتم متابعة الأسراب من خلال قواعد الجراد المنتشرة على ساحل البحر الأحمر من شمال سيناء حتى خط عرض 22 عند الحدود السودانية وعلى طول الوادي في الداخل وقواعد الجراد في مرسي مطروح والوادي.

الظروف المناخية ساهمت في التفشي
وأرجع التقرير تفشي الجراد إلى الأمطار الغزيرة التي هطلت في أغسطس وسبتمبر 2024، ما أدى إلى وفرة الغطاء النباتي في شمال الساحل وجنوب الصحراء، واستمرار هذه الظروف حتى الشتاء، ما مكّن الحشرات من التكاثر خارج مواسمها المعتادة.
وفي فبراير ومارس 2025، أدت أمطار جديدة مصحوبة برياح جنوبية إلى تحرك الأسراب نحو مناطق ممطرة جديدة في شمال أفريقيا، وهو ما أسفر عن بداية تكاثر ربيعي نشط.
وفي وقت سابق كشف ريتشارد مونانج، خبير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في شؤون المناخ وأفريقيا، عن وجود علاقة مباشرة بين تغير المناخ وتفاقم أزمة الجراد الصحراوي التي تضرب منطقة القرن الأفريقي منذ عام 2020، في أسوأ تفشي تشهده المنطقة منذ عقود.
وأوضح مونانج أن ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق خلال السنوات الخمس الماضية، إضافة إلى الأمطار الغزيرة التي فاقت المعدلات الطبيعية بنسبة تصل إلى 400% في أواخر عام 2019، قد خلق بيئة مثالية لتكاثر الجراد.
وبيّن أن هذه الظواهر المناخية المتطرفة، الناتجة عن ظاهرة “ثنائي قطب المحيط الهندي” والمتفاقمة بفعل التغير المناخي، ساهمت في خروج أسراب الجراد من مناطق الركود الصحراوية إلى مناطق زراعية مأهولة، مما يهدد الأمن الغذائي لملايين السكان في إثيوبيا وكينيا والصومال.

التحذير من موجة صيفية
تتوقع “الفاو” أن يبدأ معظم الجراد البالغ غير الناضج بالتحرك ببطء نحو الجنوب الغربي، ليصل إلى مناطق الساحل في يوليو المقبل للتكاثر الصيفي، وهو ما يتطلب تكثيف جهود المسح والمكافحة في دول شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، لتفادي وقوع كارثة زراعية واقتصادية.
كما أشار التقرير إلى أن موسم التكاثر الربيعي في مصر والسودان والمملكة العربية السعودية في طريقه إلى نهايته، بينما يستمر بدرجات محدودة على طول الحدود الباكستانية – الهندية.
وتدعو الفاو إلى استجابة إقليمية عاجلة لتفادي تفاقم الأزمة، عبر تنفيذ عمليات مسح دورية في المناطق المتضررة ومحيطها، وتوفير الموارد اللازمة لمكافحة الأسراب النشطة، خصوصًا في مناطق العبور بين شمال أفريقيا والساحل، حيث يتوقع أن تكون هذه المناطق بؤرة لتكاثر جديد خلال موسم الصيف.