في عالم تتسارع فيه التغيرات التكنولوجية بات استخدام الذكاء الاصطناعي حاجة ملحة وليس ترفا أو رفاهية لأنه المحرك الرئيس للتحول الرقمي العالمي كما أن الدول التي تسعى إلى تحقيق الاستقلال التكنولوجي والتنمية المستدامة أصبحت تدرك أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ليس فقط كأداة تقنية، بل كأداة استراتيجية واقتصادية وعلمية.
السيادة الرقمية
وبحسب الهيئة الليبية للبحث العلمي تبرز أهمية جعل ليبيا ركيزة للذكاء الاصطناعي من منظور استراتيجي، اقتصادي، وعلمي وذلك لتعزيز السيادة الرقمية والتقنية: فامتلاك ليبيا لمنصات وتطبيقات ذكاء اصطناعي محلية يقلل من التبعية للتكنولوجيا الأجنبية، ويمنحها استقلالية في اتخاذ القرار والتعامل مع التحديات التقنية الخاصة بها. فبناء بنية تحتية رقمية وطنية يضمن الأمن المعلوماتي ويُعزز القدرة على التحكم في البيانات السيادية.
كما أن الذكاء الاصطناعي مهم لتمكين القدرات الأمنية والعسكرية حيث يلعب دورًا متزايدًا في تعزيز القدرات الدفاعية، من خلال أنظمة المراقبة الذكية، وتحليل البيانات الاستخباراتية، والتنبؤ بالتهديدات الأمنية. إذا استثمرت ليبيا في هذا المجال، فإنها ستحقق نقلة نوعية في أمنها الوطني.
تطوير الحوكمة
ويسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير الحوكمة والخدمات العامة ويمكن من تحسين كفاءة الإدارة الحكومية وتقديم خدمات ذكية للمواطنين، ومكافحة الفساد عبر تحليل البيانات والمعاملات بشكل فوري وشفاف.
أما الأهمية الاقتصادية للذكاء الاصطناعي فتكمن في تنويع مصادر الدخل حيث لا تزال ليبيا تعتمد على النفط كمصدر أساسي للدخل القومي. غير أن الذكاء الاصطناعي يتيح فرصة استراتيجية لتنويع الاقتصاد، من خلال تطوير قطاعات جديدة تعتمد على الابتكار والمعرفة مثل تكنولوجيا المعلومات، والخدمات المالية الذكية، والصناعات الرقمية.
ريادة الأعمال
ويعزز الذكاء الاصطناعي ريادة الأعمال والابتكار فمن خلال توفير بيئة محفزة للشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يمكن لليبيا أن تُنتج حلولاً مبتكرة تتناسب مع خصوصيات المجتمع الليبي، وتوفر فرص عمل نوعية للشباب.
كما يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية في القطاعات الحيوية ويمكن أن يُحدث ثورة في الزراعة من خلال الزراعة الذكية، وفي قطاع الصحة عبر التشخيص التلقائي، وفي الصناعة عبر خطوط إنتاج آلية ذكية، مما يؤدي إلى تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة.
البحث العلمي
وتكمن الأهمية العلمية للذكاء الاصطناعي في تعزيز البحث العلمي والتطوير من خلال إنشاء مراكز بحوث متخصصة في الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يضع ليبيا على خارطة البحث العلمي العالمي، ويعزز التعاون مع الجامعات الدولية والمراكز المتقدمة.
كما يسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير التعليم والتأهيل المهني عبر إدراج علوم الذكاء الاصطناعي والبيانات في المناهج الدراسية والجامعية وهو ما يؤهل جيلًا قادرًا على قيادة الثورة الرقمية في ليبيا. كما أن الاستثمار في الكفاءات المحلية يُعزز من القدرة التنافسية للدولة.
ويلعب الذكاء الاصطناعي دورا في توطين المعرفة وبناء رأس المال البشري عبر تدريب وتأهيل شباب وشابات ليبيا في تخصصات الذكاء الاصطناعي والبرمجة وتحليل البيانات وهو ما يمكنهم من قيادة مشاريع تقنية محلية، وتصدير الخبرات إلى الأسواق الإقليمية والدولية.
رؤية شاملة
وحتى تتحول هذه الأهداف إلى واقع ملموس، لا بد من اعتماد رؤية وطنية شاملة للذكاء الاصطناعي، يتم تنفيذها وفق خطط استراتيجية محددة تشمل تأسيس هيئة وطنية للذكاء الاصطناعي تتولى التخطيط، التنظيم، ووضع المعايير الوطنية وسن التشريعات اللازمة التي تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي وتحفظ الخصوصية وتحمي الحقوق الرقمية إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية الرقمية مثل مراكز البيانات الوطنية وشبكات الإنترنت فائقة السرعة وتشجيع التعاون مع الجامعات العالمية لبناء برامج تبادل وتدريب تقني وإنشاء صناديق دعم وتمويل للمشاريع البحثية والشركات الناشئة في المجال التقني.
ويمكن القول إن جعل ليبيا ركيزة للذكاء الاصطناعي هو خيار استراتيجي لبناء اقتصاد متنوع ومستقر، وتحقيق السيادة الرقمية، واللحاق بركب الدول المتقدمة. ومع الإرادة السياسية، والدعم المؤسسي، والاستثمار في الإنسان، يمكن لليبيا أن تتحول من مستهلك للتكنولوجيا إلى صانع لها، ومن تابع رقمي إلى فاعل عالمي.