عفاف عبدالمحسن
الصمت في الإسلام من الأعمال الصالحات هو غياب الصوت أو التوقف عن الكلام أو التكلم ، ويمكن أن يكون غيابًا كليًا أو جزئيًا .. لغويا الصمت هو السكونً أو الاستراحة من الكلام وهو عكس النطق .. وقد يكون له معانٍ أخرى مثل عدم الكشف عن أفكار أو أسرار وهو إما صمت مرضي مرغوب أو مكروه كونه مسيء في غير محله ولا وقته .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت .
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : قالت عن رواية البخاري ومسلم : إن رسول الله ﷺ «لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ» وكان النبي ﷺ لا يتكلم في غير حاجة وأخبرنا ﷺ أن الله يكره كثرة الكلام فيما يضر .
الصمت إذن أخواتي إخوتي في الله.. عبادة خاصة يفلح من رعى كلامه كما يراعي قوت يومه أهو حلال أم حرام أيسبب أذى للنفس وللآخرين في حال تلفظت به أم عاقبته خير .. فيجزم العارفون أن الصمت ” يحمي الإنسان من الوقوع في آفات اللسان ومنكرات الأقوال ، ويُمكنه من الحصول على راحة النفس في الدنيا والآخرة ” .. وبعض الشعراء قال :
قد أفلح الساكت الصموت
كلام راعي الكلام قوت
ما كل نطق له جـواب
جواب ما تكره السكوت
حسب المنطق المعلوم ومصادقة لتعليم العارفين وما وردنا من هدي نبينا عليه السلام وماجاء به في كتاب الله العزيز .. إن حد الصمت والكلام المطلوب أن تتكلم فيما يعنيك ، فإن سكت عنه لم تأثم ، ولم تستضر به في حال ولا مآل ولا مال ، وأساس ذلك علمك أنك مسؤول عن كل كلمة قلتها وتقولها ، محاسب على كل لفظة ، يقول الله عز من قائل : بسم الله الرحمن الرحيم {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا} صدق الله العظيم .
أخواتي وإخوتي في الله .. نستدرك ونستعلم ونستفهم من كل مانقرأ وماوعينا عليه من ديننا الحنيف الوسطي .. أن الكلام الكثير غير الممعن هدر للوقت في غير ما خلق الإنسان له من جد وسعي وإنتاج .. يهزل صاحبه إذا أكثر فأخطأ .. ويودي به للهلاك إذا تسرع ولم يزن ماسيقول .. وهذه رواية تروى عن أعرابي تكلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطال وأكثر في غير نفع ..
قال له صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : “كمْ دونَ لسانِك من حجابٍ ؟ ” فقال شفتايَ وأسناني ,
قال عليه السلام : “أفما كان لك في ذلك ما يردُّ كلامَك”.
منها نتعلم .. إنْ تكلم المرء فليقل خيرا ، وليعود لسانه جميل وممعن القول .. فإن التعبير الحسن عما يجول في النفس أدب عالٍ .. أدّب الله به عباده المؤمنين .. ونستدل بقوله تعالى في سورة الإسراء الآية الثالثة والخمسين : بسم الله الرحمن الرحيم {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} صدق الله العظيم .

الصمت يكسب الإنسان محبة الآخرين كما يكسب صاحبه دائما الوقار وجميل أن تلم بأطراف الحديث بل كله خير من أن تأخذ بعضه ثم تتحدث فلا تكون رأيا سديدا فتهتز صورتك أمام الآخرين ويقال عنك مهذارا فلا يؤخذ برأيك في المجالس فتكون قد خرجت عن إطار الحكماء العقلاء المتأنين المستحكمين في كلماتهم المتوازنين قبل نطقها .. فالصمت سبيل النجاة دائما عكس الكلام ..
قيل : يا رسول الله، ما النجاة ؟
قال عليه الصلاة والسلام : «أمسك عليك لسانك».
ختاما المرء ينال بالصمت رحمة المولى عز وجل ومن بعد احتراما ومكانة مع ملاحظة أن يكون صمتا مفيدا آنيا ومستقبليا فلا يجوز الصمت في حال وجوب الكلام وهذه يدركها العاقل بميزان حكمته وحنكته ، وهذا استجابة لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، القائل : « رحم الله عبدا تكلم فغنم ، أو سكت فسلم» .