رغم مرور الوقت.. لازالت آثار إعصار درنة المدمر تشق القلوب وتحز في النفوس وتسيل دموع الرجال، واليوم يتساءل أحد من يعيشون ألم الفراق عن كيفية نسيان هذا الحزن.
فوجه رجل فقد أسرته كلها في إعصار درنة وبقِي وحيدًا، تساؤلا لدار إفتاء عربية عن نصيحة لمقاومة الحزن الذي يشق قلبه حسب قوله.
رسالة الرجل
وقال الرجل المكلوم في أهله وذويه “أنا من مدينة درنة في ليبيا، وشهِدت يوم الإعصار، وتحطُّم السد، وقد اختار الله أسرتي جميعًا؛ أمي، وزوجتي، وابني الوحيد، وبناتي الثلاث، وأخي وزوجته، وأولاده الأربعة، ونجوت وحدي، ولم أعُد أملك في الحياة سندًا، وتغيرت حياتي تغيرًا جذريًّا، فكيف لي أن أُقاوم الحزن الذي يشق قلبي؟ على رغم إيماني الكبير بالله، ورضائي بقضائه وقدره”.
لم يمر وقت طويل حتى جاء الرد من موقع الإفتاء العربي الألوكة الذي كان طويلا وبدأته بالدعوة للرجل بثبات القلب والصبر على المصاب وتنفيس الكرب وتفريج الهم وصرف الابتلاء، ودعت لأسرته بأن يكونوا من الشهداء وأهل جنة الفردوس.
وأكدت أن الإعصار أمر قدره الله، مستشهدة ببعض الأيات من القرآن الكريم، مطمئنة الرجل بأن كل ما يحدث في هذا الكون لا يكون إلا بقضاء الله وقدره؛ وأنه طمأن الناس بالعوض الجميل إذا سلم المرء ورضي بقاء الله.
اصطفاء الله
وأشار إلى أن الله سبحانه يختار من عباده من يصطفيهم، وعلى قدر أعمالهم، مضيفة “فلعل الله قد اختارك لهذا الاصطفاء، وأراد أن يختبرك، ويجزيك خير الجزاء؛ فأيوب عليه السلام اختاره الله للاصطفاء، وضرب به المثل في الصبر على ما ابتلاه الله في ماله وزوجه وجسده، وكل أبنائه؛ حيث فقَدَ عشرين ابنًا، وفقد معهم كل شيء، وصبر، فعوَّضه الإله الكريم أضعاف ما فقد، وعوَّضه الله بسبب صبره، وحسن عبادته، ودعائه”.
وشدد الموقع على وصايا الله بالصبر على مصائب الدنيا، لأنه الحل الأمثل لها والذي يخلفه بشارات عظيمة للصابرين بأنهم مهتدون، كما استشهدت الدار بصبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي عاش ألم الفقد صغيرًا بأبيه، وأمه، ثم جده، وفُجع في حياته بفقد جميع أبنائه، عدا فاطمة رضي الله عنها، ودمعت عيناه عند فراق ابنه إبراهيم، وتحلى بالسَّكينة، والرضا، والصبر، والاسترجاع بلا سخط، ثم فقد زوجته خديجة رضي الله عنها، إضافة إلى فقد الكثير من صحابته، وأقاربه.
الناس ودرجات المصيبة
وأشار الموقع إلى قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه: (الشرح الممتع على زاد المستقنع): “الناس إزاء المصيبة على درجات؛ الأولى: الشاكر، الثانية: الراضي، الثالثة: الصابر، الرابعة: الجازع، الذي فعل محرمًا، وتسخط من قضاء رب العالمين، الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، له الملك يفعل ما يشاء، وأما الصابر: فقد قام بالواجب، والصابر هو الذي يتحمل المصيبة؛ أي يرى أنها مُرة، وشاقة، وصعبة، ويكره وقوعها، ولكنه يتحمل، ويحبس نفسه عن الشيء المحرم، وهذا واجب، وأما الراضي: فهو الذي لا يهتم بهذه المصيبة، ويرى أنها من عند الله فيرضى رضًا تامًّا، ولا يكون في قلبه تحسرٌ، أو ندمٌ عليها؛ لأنه رضِيَ رضًا تامًّا، وحاله أعلى من حال الصابر، والشاكر: هو أن يشكر الله على هذه المصيبة”
وشدد الموقع على أهمية الإكثار من قول: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، وقول: (اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها) عند حلول المصيبة، وفي هذا الصدد قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم تُصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها)).
مقترحات لتخطي الحزن
واقترح موقع الإفتاء مجموعة من الأمور التي تعين على الصبر على البلاء وتتمثل في: الرضا بما قسمه الله، التركيز على نعم الله، وعدم الانشغال بالمفقود، اعتبار أن البلاء الذي وقع لك هو بمثابة الدواء الذي يشربه المريض، رغم مرارته، ولكنه يُشفى بعد تجرع هذا الدواء، والصبر عليه، والتسليم بقضاء الله وقدره، والتضرع والدعاء، ومدافعة البلاء بالصدقة، والذكر، والصلاة.
كما أوصى بعدم الاستسلام لامتداد الحزن لفترات طويلة، مشيرة إلى أن هذا البلاء قد يكون خيرًا ورفعًا للدرجات، وتكفيرًا للسيئات، مبينة أن المصائب تربط المسلم بربه، والوقوف ببابه، مع التضرع والاستكانة إليه.
ونبه الموقع الرجل إلى أهمية الاستشارة النفسية خاصة عند إصابة الإنسان بحزن شديد، أو اكتئاب.
ونصح الرجل السائل إلى المسارعة بالزواج، واختيار المرأة المناسبة، الصالحة.