فتحي نصيب
من أفكاره أن ” هناك نزوع انساني وربما فطري لان يستمع الانسان الى الحكاية “
هو القاص والصحفي ومعد البرامج الإذاعية ورئيس تحرير عديد الصحف أثناء رحلته العملية فتحي نصيب .. المولود بنغازي عام 1957 درس فيها وتأثر بكتابها وأدبائها وإعلامييها الكبار قبل أن يلحق ركبهم في معاناة الكلمة والقلم
فبعد أن بدأ يفك الخط شرع بالقراءة النهمة لمجلات الاطفال وقتها ( سمير وميكي والسندباد _ وقصص كامل الكيلاني) وكان من هواة مشاهدة افلام السينما في المرحلة الاعدادية وهي كانت التسلية الوحيدة في زمانه فكان الصبيان في عمره تقدم لهم تسهيلات بأن يدفعوا نصف ثمن التذكرة حينما يبرزون بطاقة طالب كانت كل هذه المشاهدات والقراءات مصادره الأولى لتخزين الكلمات والحكايا حتى بدأ يقرأ القصص والروايات الليبية والعربية والمترجمة كما تخزن ذاكرته احداث ووقائع تحدث في مدينته بنغازي من الاقارب والجيران والاصدقاء مقتنعا منذ صغره أنه ليس كل حدث يمكن ان يكون مادة لقصة وليس كل شخصية واقعية تصلح لأن تكون شخصية قصصية وأفصح في أحد اللقاءات التي قرأناها أثناء جمعنا سيرته الإبداعية (( إنني أميل إلى التخيل أي بناء قصة تستند الى الواقع لكن لابد من اضافة جزء من الكاتب ومشاعره ورؤيته وحصيلة تجاربه الحياتية لبناء قصة أو حكاية تبدو في ظاهرها كواقعة حدثت بالفعل رغم انها من بناء الخيال))
وليزداد حمله حملا حين راودته المحبة وصقلت تجربتها بزواج ناجح نتج عنه بنات وبنين كانت قرينته أيضا من صاحبات هموم الكلمة الشاعرة عائشة المغربي .. صاحب السيرة المليحة الملامح الصعبة الصعود عبر مدارج قمة الأدب بعد معاناته تجربة القيود فكان سجين كلمته الحرة لردح من الزمن أيضا صقلته تجربة السجن ليكون بيننا هذا الإنسان المفكر فتصبح كتاباته بين السهل والممتنع بين اليومي والغارق في القدم أو المستشرف للمستقبل .. قبل الولوج أكثر في سيرته ربما نعرفه عن قرب حينما نقرأ شيئا له كقصته المبهمة الواضحة المعنونة بالنشيج سرد فيها قصة الحاج علي وإلى أين وصل به نشيجه المكتوم :
ذات أصيل خريفي عزف (الحاج علي) عن الالتحاق بشلته من الكهول والشيوخ، فجلس على عتبة بيته. تعالى صياح صبية يلعبون كرة القدم في الساحة ألقريبة وافترش رفاقه من المتقاعدين أرضا ترابية يلعبون (السيزة)*، تحلق آخرون يتابعون مجريات اللعب باهتمام وحماس.
ألقى (الحاج علي) نظرة واهنة على جذع شجرة دون أوراق ينتصب إلى جوارها عمود كهرباء معدني فضي اللون دون أسلاك.
انحدرت على خده دمعة ثم أخرى، وضع كفيه على وجهه، لكن الدموع تسللت من بين أصابعه.
في اليوم التالي جلس (الحاج علي) عند الأصيل جلسته المعتادة، شرعت دموعه بالهطول، تحولت بعدها إلى بكاء مكتوم فنشيج استرعى بعض متابعي (الخربقة)، حينها قرر أن يؤوب إلى بيته درءا لأية تساؤلات.
في اليوم الثالث وأمام عتبة البيت انهمرت الدموع كشلال، وحين هم بالدخول اكتشف أن جاره (سعيد) يبكي في صمت.
بنهاية الأسبوع لم يعد أحد يلعب (الخربقة)، هجر البعض المقهى، واتخذ جيرانه عن يمينه وشماله وأمامه أماكنهم أمام عتبات بيوتهم وشرعوا كجوقة متناغمة في البكاء الحار.
انتقلت الحالة إلى الشوارع المجاورة وأغلقت المقاهي أبوابها.
استرعت حالة البكاء أمام البيوت عند الأصائل اهتمام رجال الأمن، الذين رفعوا تقاريرهم إلى مسؤوليهم الذين تلقوا الأمر بعدم اكتراث في البداية، ولكن بعد شهر تقريبا توالت التقارير من أحياء عدة متناثرة بالمدينة تفيد استشراء حالة البكاء على عتبات البيوت عند الأصيل.
انهالت التساؤلات من أعلى المستويات لمعرفة أبعاد هذه الظاهرة: هل هي حركة منظمة؟ من يقف ورائها؟ هل تمت بإيعاز خارجي؟ ما هي أهدافها؟
حار رجال الأمن ولم يعرفوا الإجابة، ارتبكت دوائر الاستخبارات الداخلية والخارجية ولم تعرف كيف تتصرف هل تقبض على كل من يبكي في هذه المدينة؟ وما هي التهم التي ستوجه إليهم؟ أم تتركهم على حالهم؟ ماذا لو انتقلت إلى مدن أخرى؟ وهل من سبيل لحجب هذه الظاهرة عن عيون السفارات الأجنبية؟
ماذا لو تم التطرق إليها في الصحف العالمية والقنوات الفضائية الدولية؟
اختفى (الحاج علي) عن أهله وجيرانه أسبوعا، لم يعرف أحد من وراء هذا الاختفاء، رجع بعدها إلى بيته ولم يخرج منه، إلى أن وجد ذات فجر ندي مفارقا الحياة تحت جذع الشجرة الجرداء.
حصل نصيب على بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية من جامعة قاريونس ( بنغازي ) عام 1994 م واستكمل دراسته حتى حصل على دبلوم دراسات عليا من ذات القسم العلوم من جامعته في بنغازي عام 1996 وعمل بالمؤسسة العامة للصحافة بنغازي وكتب في الصحف السيارة والمجلات التي تصدر في ليبيا وخارجها بعد برهة وتدرج حتى أصبح مدير لتحرير ومن ثم رئيس تحرير عديد الصحف والمجلات فكان :
_ رئيس تحرير مجلة (الهدف)
_ مشرف ثقافي لصحيفة (الهلال)
_ مدير تحرير مجلة (فضاءات)
_ مدير تحرير صحيفة (البلاد)
_ مؤسس منظمة (فال) للدفاع عن حرية الفكر والتعبير. _ أعد برامج أدبية في الإذاعات المختلفة صوت أفريقيا . صوت الوطن العربي الكبير . الجماهيرية ( الوطنية حاليا ) وإذاعة بنغازي المحلية .
_ بين الأعوام 2012 إلى 2015 تولى مهمة مدير ادارة التعاون الثقافي الدولي بوزارة الثقافة الليبية .
من آرائه :
أقول وبكل مرارة إننا نعيش عالماً لا واقعياً ، يعجز حتى كتاب الواقعية السحرية فى أمريكا اللاتينية عن تخيله أو تصوره . واقعنا العربى “سريالي” بامتياز .
بدأت قصته مع الكتابة الإبداعية بأنواعها مع الصحف الحائطية بالمرحلة الاعدادية والثانوية ثم رأست تحرير مجلة (الهدف) التي كانت تصدر بمدرسة صلاح الدين الثانوية .. ثم مشرفا على الصفحة الثقافية لصحيفة نادي الهلال ببنغازي ثم مدير التحرير لمجلة فضاءات وصحيفة البلاد التي صدرت عام 2011 .. وفي رحلته منعرجات مهمة حزينة ولكنها أفادته ( فرب ضارة نافعة ) فيحكي فتحي نصيب أن بدايات النشر كانت مع مجلة جيل ورسالة الكشفية وبعدها في صحف ومجلات كالكفاح والفجر الجديد والاسبوع الثقافي والفصول الاربعة والشمس، وفي السجن أصدرت مجلة ( النوافير) وهي حسب علمي أول مجلة ثقافية تصدر في السجون الليبية.
صدر له:
_ (المد) مجموعة قصصية مصادرة 1979،
_ (مرايا السراب) مجموعة قصصية عن مجلس الثقافة العام 2007،
_ (مقاربات في الفكر والادب – مقالات فكرية ونقدية) عن وزارة الثقافة الليبية 2013،
_ (الحلم الذي ينأى) مجموعة قصصية عن دار روافد المصرية 2020
تحت الطبع : المقامات / تأملات فكرية / هو وهي/ حوارات وتساؤلات .
على لسان نصيب خلال حوار صحفي عبر السقيفة الليبية حكى حكاية تعتبر منعرجا مهما في حياته الإبداعية تقول حكايته :
بعد اصدار مجموعة من مجلة “نوافير” اقترح البعض اصدار كتاب” النوافير” بواقع كتاب كل شهر والفكرة أن نختار موضوعا ما وتتاح الفرصة لمن اراد الكتابة وطبعا كله من الذاكرة والقراءات المختزنة لأنه لاتوجد لدينا الكتب او المجلات، فتم اختيار عنوان الكتاب الاول بعنوان “جدل القيد والورد “وهو موضوع مخصص للشعر وتحديدا للشعر المنتمي الى الحياة والشعر المقاوم لكل أشكال القيود ومن هنا عنوان الكتاب وبعدها اخترنا موضوع دراسة وتتبع تاريخ الحركات العقلانية في الفكر العربي والاسلامي منذ ظهور المتكلمين والمعتزلة حتى حركة التنوير المعاصرة، واصدرنا كذلك كتابا عن فيلم (عودة مواطن) للمخرج محمد خان الذي يرصد التغيرات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والاخلاقية في مصر بعد ماسمي بسياسة الانفتاح وكان عنوان الكتاب (رغيف محمد خان وجاتوه القوة الميتة). والطريف إنني التقيت بالصدفة بمحمد خان في مهرجان القاهرة السينمائي الدول اواسط التسعينييات من القرن الماضي وبعد أن عرف انني كاتب ليبي قال لي: أتعرف إنه وصلتني مجموعة من المقالات حول فيلمي “عودة مواطن” كتبها مثقفون وأدباء ليبييون داخل السجن وصدقني إن قلت لك إن ماكتبه هؤلاء عن الفليم يفوق ماكتبه نقاد الفن في مصر، لقد كان نقدهم دقيقا ورؤيتهم عميقة وفهموا عدة اشارات لم ينتبه اليها أحد . طبعا كنت اسمعه وانا مبتهج وكان ردي : وهل تعلم إنني أحد هؤلاء السجناء ومن ضمن الذين كتبوا عن فليمك ، وكانت المفاجأة سعيدة وغير متوقعة وصرنا اصدقاء من يومها حتى إنه دعاني للمشاركة في إحدى ندوات معرض الكتاب بالقاهرة وعرفني على صديقه المخرج خيري بشارة. وكنت سعيدا بتجربة مجلة” النوافير” والكتب التي اخرجناها وعرفت ان الكلمة لا تموت والأفكار تتجاوز الزمن وتتخطى القيود والحدود .
نشر نتاجه الأدبي داخل الوطن وخارجه حيث تعامل محليا مع صحف // الفاتح ــ الجماهيرية ــ الزحف الأخضر ــ الكفاح ــ الشمس ــ الفجر الجديد ومجلات عديدة مهمة // جيل ورسالة ــ الثقافة العربية ــ الفصول الأربعة ــ المؤتمر .
(( جزء من عمل للكاتب ))
أما عربيا فقد نشرت له صحف // أنوال المغربية ــ الشعب الأردنية ــ المساء المصرية .. ومن المجلات العربية التي تزين بها نتاجه الأدبي // أقلام . العراقية ــ أدب ونقد . المصرية ــ المجاهد . الجزائرية ــ الكاتب العربي . السورية
مارس نشاطات مختلفة خلال رحلته الإبداعية المستمرة حتى كتابة هذه البيوغرافيا التي حاولنا فيها جمع مايمكننا عن سيرته توثيقا لكاتب مناضل ليبي قلمه الجاد تأثر بالوطن ليؤثر فيمن سيتناولون بعفوية الكتابة مع عمقها ومن هذا المنطلق أعد مجموعة من البرامج الإذاعية في إذاعات : _الجماهيرية ( الوطنية حاليا ) ــ صوت الوطن العربي
ــ صوت إفريقيا ــ إذاعة بنغازي المحلية.
من برامجه التي تركت أثرا مهما :
1/ محراب الفكر ـ يومي .
2/ الباب المفتوح ــ يومي .
3/ كاتب وقصة ــ أسبوعي .
4/ مرفأ الليل ــ يومي .
5/ أدوات الاستفهام ــ يومي .
6/ قصص وحكايات ــ يومي.

كما اشترك بإعداد كثير من البحوث وأوراق العمل التي ألقيت في ندوات مختلفة على مدى سنوات علمنا بعضا منها جاءت ضمن أمسيات قصصية وندوات في عدد من المدن العربية : بغداد، القاهرة، دمشق، عمان، تونس، مراكش، وبالطبع في مدينتي بنغازي وطرابلس مثل :
1/ ندوة ( مجتمعنا والمستقبل ) ــ طرابلس / 1996 . 2/ندوة ( الرواية العربية ) ــ طرابلس ــ 1999.
3/ندوة ( علم النص) ــ الجزائر 2001 مهرجان ( المربد ) الثقافي ــ بغداد 1999.
أماسي قصصية :
1/ عمان / 1991 .
2/ القاهرة / 1994 .
3/ تونس / 1995 .
4/ دمشق / 1997 .
5/ بنغازي / 2005 .
انتظار _ بقلم فتحي نصيب _ طرابلس 2010
ستأتي كاشراقة الشمس عقب المطر . ستجلس أمامه في مهابة ، ويتقافزان بحديثهما من ضفة إلى أخرى . سيشكو لها بألم وحدته ، وكيف تبخر الأصدقاء ، الواحد تلو الآخر، كمدا أو عشقا أو جنونا أو اغترابا . منهم من غيبه البحر ، أو هوى من ارتفاع شاهق ، أو قضى بمستشفى بداء غامض ،أو بغرفة باردة في إحدى دول الشمال الأوروبي.
ستأتي حتما.
جلس على نفس الكرسي بذات المقهى الذي يرتاده منذ عشرين عاما، بالقرب من حوض أسماك الزينة التي تسبح في حلقة مفرغة داخل المستطيل الزجاجي الذي تتوزع داخله أصداف بحرية ونباتات ( بلاستيكية ) وطاحونة تنفث فقاعات الأكسجين.
ستأتي.
وسيردد عليهابانشراح مقاطع كاملة يحفظها غيبا من رواية ( الحب في زمن الكوليرا).
سيبوح لها بشوق بكل أسراره الصغيرة التي كتمها في قلبه طيلة سنوات . وسيلقي عليها ما احتفظت به ذاكرته من دعابات سمعها طوال حياته.
سينقل لها بحنين أخبار حيهم ، وكيف آلت الأمور في شارعهم القديم .
وتلاشي الساحة التي ركض بها صبيا ، وعن حديقة الأطفال وكيف هجرتها أسراب الحمام ، ولماذا اختفت المراجيح وحلت محلها خيول خشبية لاتبرح مكانها وتخلو من أي تعبير.
سيخبرها بحزن عن تلك العجوز التي تعمل بمسح بلاط المستشفى لتؤمن مصاريف الدراسة الجامعية لابنتها الوحيدة.
وعن جارته الودودة التي تطوعت لغسل ملابسه ورتق جواربه ومده بوجبات الطعام.
ستأتي ، وسيتنادمان ، ويبكيان شوقا.
سيغني لها بمرح ،وسيشبك أصابعه بأصابعها ويغيب في عينيها.
ستأتي . لايساوره أدنى شك في هذا.
سيحدثها بفخركيف انفجر في وجه مديره الأجوف ذات يوم، وطرده من العمل.
سيخبرها بحميمية عن المدن التي عشقها ، وتلك التي حلم بها ولن يراها مطلقا،ومقاطعته للصحف ، وامتناعه – في السنوات الأخيرة – عن تناول لحوم الحيوانات ، لاخوفا من ( الكوليسترول) بل لقناعته بأنه ليس من الإنصاف افتراس الكائنات التي تشاركنا البر والبحر.
سيقرأ لها بوله النصوص التي جمعها والتي تحكي عن ضياع العمر والانكسارات والأطفال الذين يموتون جوعا والحروب المجنونة و سهاد المطلقات الطويل .
سيحكي لها بحسرة عن اللقاءات العابرة مع نساء كحبات الكرز صادفهن في صالات الانتظار بالمطارات أو ردهات الفنادق أو أولئك الرجال المنهمكين بأعمال لايعرفها أو سحنات رجال الشرطة المتشابهة في جميع دول العالم.
وسيبوح لها بانكسار عن لياليه الحزينة في أمسيات الصيف ، وزياراته لقبر أمه ورشه بالماء ، وإدمانه التدخين والقهوة وقراءة المعلقات.
اتكأ على عكازه ، نهض بتثاقل ،غادر المقهى المزدحم برواده، مضى يشق طريقه في ليل تكاثف ظلامه.
اهتمت الأوساط الثقافية بنتاجه وأفكاره حتى أجريت معه عديد اللقاءات الصحافية عبر العرب اللندنية . والمساء التي تصدر في القاهرة وصحيفة الأهرام الدولي التي تصدر في باريس .. كما استضيف في عدد من البرامج الثقافية عبر فضائيات عربية ومحلية .. فكان ضيفا لبرنامج ثقافي عبر الليبية الفضائية عام 2007م .. كما استضافته الفضائية الجزائرية .. والأردنية والتنونسية وعديد من الفضائيات المصرية .. حل ضيفا على الفضائية المغربية خلال برنامج ثقافي يهتم بشأن الأدباء في الوطن العربي .. وكان جارا للقمر عبر الفضائية العراقية .

صباح جديد _ بقلم فتحي نصيب 2027
رن جرس المنبه فأسكته ونهضت متثاقلا ، اغتسلت ، اتجهت صوب المطبخ ووضعت ركوة القهوة على الموقد ، نزعت قائمة الطلبات عن باب الثلاجة ( 1 ) (( عزيزي ( 2 )أرجوك )) (3 ) …. اغسل الأطباق والأكواب وجففها جيدا .. ضع الملابس في المغسلة مع كوبين من مسحوق الغسيل..لا تستخدم الماء الفاتر …ولا تخلط الملابس الملونة والبيضاء … اليوم موعد ري نباتات الظل ..لا تنسى أن تشرع نافذتي
غرفة النوم والحمام … ضع أكياس القمامة أمام مدخل
البناية …عرج ــ في طريق عودتك إلى البيت ــ على
مطعم الأسماك واحجز لنا وجبة جاهزة لأربعة أفراد
فالليلة ستتناول وداد ( 4 ) وزوجها العشاء في بيتنا ……
قبلاتي ..))
فارت القهوة ، اطفأت الموقد ، وددت لو سمح لي الوقت هذا الصباح لتبييض قصتي الأخيرة قبيل ذهابي إلى العمل .
أنجزت طلبات زوجتي جميعها وخرجت .
لم أتمكن من فتح باب سيارتي ، فقد ركن احدهم سيارته جوار باب السيارة .. انتظرت قليلا وقررت أن اركب من الباب الآخر ..وحين اتخذت وضعي خلف المقود وأشعلت المحرك جاء احدهم وركب السيارة المركونة الى جانبي وطار بها دون كلمة اعتذار .
وصلت مقر عملي متأخرا ..ركنت سيارتي بعد جهد لعدم وجود مكان شاغر .. صعدت الدرج لاهثا إلى مكتبي .. حياني زميل (5 ) بابتسامة شمعية مرسومة على وجهه منذ نصف قرن .. أخبرتني زميلة مطلقة أن المدير يطلبني على وجه السرعة ( 6 ) .
وجه لي مديري ( 7 ) ملاحظات تتعلق بتأخري عن العمل وبطء إنجازي للمعاملات ..ولم يترك لي فرصة للرد وبتر كلامه قائلا : سأكتفي بالتنبيه الشفوي هذه المرة ..مع السلامة .
خرجت في الثانية والنصف فوجدت إشعار مخالفة مرورية موضوعا بعناية بين زجاج السيارة الأمامي وماسحة المطر بسبب ركن سيارتي في مكان يحظر فيه الوقوف ..ولا ادري متى نبتت علامة الممنوع اللعينة أمام سيارتي.
قدت سيارتي على مهل محاولا السيطرة على شحنات الغضب التي بدأت بالتنامي منذ هذا الصباح متسائلا : متى تسنح لي الفرصة لتبييض قصتي الأخيرة … إلا أن صبيا يكاد لا يرى يقود سيارته بسرعة جنونية أطلق آلة التنبيه ، أفسحت له الطريق حتى فاجأني صبي آخر من ناحية اليمين ..حوصرت بين سيارتي الصبيين الأهوجين وقررت إبطاء السرعة كي اتحاشاهما معا .
دخلت بيتي منهكا ، ارتميت على الأريكة الوثيرة ( 8 ) وفكرت في حياتي كلها وتساءلت : هل هذه هي الحياة التي حلمت بها .
أخرجت وجبة الغداء المعدة في الليلة الماضية ووضعتها فوق الموقد على نار هادئة بانتظار عودة زوجتي .
فكرت أن انتهز هذا الوقت لتبييض القصة اللعينة إلا إنني كنت متوترا ، رميت الأوراق جانبا ، ولعنت مدرس اللغة العربية الذي قرأ في ملامح النجابة المبكرة ( 9 ) وتنبأ لي بأنني سأصبح أديبا مرموقا ، ليس في بلادي فحسب بل في العالم الثالث برمته إذا واصلت الكتابة .
ذهبت إلى الحمام ، أقفلت الباب ، وقفت أمام المرآة المثبتة على الجدار ، تأملت وجها مجهدا لرجل هربت أحلامه ، لا يملك سوى حذاءين أسودين وبضعة قصائد غير منشورة ومشروع رواية لم ولن تكتمل …شرعت بالضحك كي إفك أسارير الوجه الخشبي الذي ينعكس في المرآة.
_______ (( هوامشه في القصة ذاتها قصة أخرى ))
( 1) هذه وسيلة الحوار مع زوجتي التي تضطر للاستيقاظ في وقت أبكر لبعد مكان عملها .
( 2 ) إذا خاطبتك زوجتك بود ــ بعد سنوات طويلة من الزواج ــ فهذا يعني أنها تريد خدمة ما .
( 3 ) الرجاء يعني أن المهام المطلوب إنجازها كثيرة ، وربما شاقة .
( 4 ) وداد وزوجها أثقل زوج على وجه الأرض ، إلا أن زوجتي ترتاح لهما ، ربما لان وداد دميمة ، فزوجتي لا تد خل بيتها امرأة جميلة ، أبدا.
(5) اعتاد هذا الزميل أن يلقبني ب ( نجيب محفوظ ) منذ أن علم ــ بالصدفة ــ إنني اكتب القصص انزعجت منه في البداية ثم اخذت الامر على سبيل المزاح ، نظرا لكبر سن الرجل
الذي يتأهب للتقاعد بعد بضعة اشهر، وربما من الحياة برمتها .
(6) اعتدت على المكائد اليومية لصغار الموظفين ..كحبك الدسائس أو الوقيعة أو الوشاية لدى رؤسائهم المباشرين داخل دائرتهم ..وبالطبع يعد التملق سلوكا يوميا .
( 7 ) مديري من الصنف إياه …وتولى منصبه لاعن كفاءة أو خبرة بل بعد دعوته لرئيس مجلس الإدارة لتناول العشاء في بيته .
( 8 ) زوجتي مشغوفة بتجديد أثاث البيت كلما توفر مبلغ من المال ،وأحيانا نضطر إلى الاستدانة أو الشراء بالتقسيط ، واكتشفت متأخرا أنها تتبع وصايا صندوق النقد الدولي أي عدم السماح لي بأي تراكم مالي ..وعملا بنصيحة جارة عجوز لها وجه ضفدع وعينا ثعلب وملخصها أن الزوج إذا اغتنى بد ل سيارته وزوجته .
( 9 ) لا اعرف من أين كون فكرته هذه … ولكنه أول من زرع في راسي وهم أن أكون أديبا .
