المنصة تواصل رصد حوارية نحو الحل لتوضيح مسارات اللجنة الاستشارية المكلفة من بعثة الأمم المتحدة، وذلك في حوار مطول مع عضو اللجنة الاستشارية الدكتورة عبير إمنينة الأكاديمية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بنغازي مع الإعلامية زينب تربح، وفي هذا التقرير نرصد المسارين الثاني والثالث.
ينص المسار الثاني لحل الأزمة الليبية الذي طرحته اللجنة الاستشارية على انتخاب مجلس تشريعي من غرفتين في غضون عامين ويعهد بصياغة الدستور والمصادقة عليه إلى مجلس الشيوخ وينظم الدستور الجديد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بهذا الشأن ما هي الضمانات لقيام المجلس التشريعي الجديد بمهامه، ولماذا اقترحتم مجلس تشريعي منتخب لصياغة مشروع دستور وإجراء استفتاء عليه؟
واقع التجارب السياسية يشير إلى أنه لا يوجد ثقة في أي ضمانات، هذا كان رد عضو اللجنة الاستشارية عبير إمنينة على ما يخص الضمانات، مضيفة أن التسوية السياسية التي سوف تتم أيًا كان شكلها يجب أن تضم هذه الضمانات أو أن يحددها المجتمع الدولي الذي يجب عليه أيضا أن يبارك الحكومة الجديدة، واختيار هذه الحكومة الجديدة قد يكون ضامن، ولكن التصريح بضمانات فقط سهل حيث يمكن أن يتم ضربها في عرض الحائط، والأدلة على ذلك كثيرة، كما دعت الشعب للتحرك قليلًا ويكون هو ضامن أيضا، وذلك لأن هناك 14 سنة مرت في تاريخ البلاد دون أن يقوم الشعب بدوره في الرقابة الحقيقية.
ما الدور الذي يفترض على الشعب الليبي القيام به حتى يكون ضامن من الضمانات؟
السؤال حول الضمانات مشروع ومُلح، لكنه في واقع تجربتنا السياسية دائمًا مطروح ودائمًا تبقى الضمانات هشّة.
نحن رأينا أن التسوية السياسية أياً كان شكلها يجب أن تتضمن هذه الضمانات بوضوح. وهنا دور المجتمع الدولي، لأنه هو من يبارك ويشرعن أي مخرج سياسي جديد.
للأسف، في السياق الليبي الحالي، المجتمع الدولي والأطراف المتدخلة في الصراع هم الضامن الحقيقي لتنفيذ الاتفاقات أكثر من الأطراف المحلية.
وفي الوقت نفسه، على الشعب الليبي أن يتحمل مسؤوليته كمواطنين. الضغط الشعبي، المتابعة، والحراك المدني كلها عناصر ضاغطة؛ لضمان عدم تكرار التجارب السابقة حيث ضاعت 14 سنة دون نتائج حقيقية.
وأضافت أن المجتمع الدولي الذي يعتبر أيضا ضامن أكبر للعملية السياسية، يعد طرف من أطراف الصراع للأسف، لذلك يجب أن يكون ضامنًا حقيقيًا لوقف الصراع الداخلي.
المواطن الليبي يجب أن يكون الضامن الأول للعملية السياسية. الرقابة الشعبية، المتابعة، الصوت الانتخابي، وحتى النقد الواعي في الساحات والمنتديات… كل ذلك ضرورة وليس خيارًا.
إذا أردنا مسارًا انتخابيًا يُفضي إلى دولة حقيقية، فلا يمكن أن يُترك الأمر فقط للنخب أو القوى الدولية، بل يجب أن يُشارك فيه الناس… لأنهم الركيزة التي لا تسقطها أي خلافات سياسية.
من ضمن التعهدات التي تم نقضها، التعهدات الأخلاقية، كتعهد رئيس حكومة الوحدة بعدم الترشح للانتخابات، ومع ذلك تقدم لها متحججا بأن وصف التعهد بالأخلاقي، فهل هناك تعهد من نوع آخر يكون ملزمًا قانونا يمكن الاعتماد عليه؟
ردت إمنينه بأن التعهد الأخلاقي يفترض أن يكون أيضا قطعيا وملزم بقوة القانون، معقبة أن الضمانات دائما موجودة ومتفق عليها، ولكن التجربة السياسية كشفت أن هناك مخارج يتم اللجوء إليها، وللخروج من هذا المأزق يجب تأسيس قاعدة دستورية لا يتم الخروج عنها.
في كل مرة نحاول ضبط الإطار السياسي، تظهر ثغرات أو ما يمكن أن نسميه “منافذ للاستدامة”، وهي ما يجعل هذه التعهدات في النهاية غير صلبة. وبالتالي، إن لم تكن هناك قاعدة دستورية محكمة، فلن تُجدي التعهدات شيئًا، سواء كانت أخلاقية أو حتى سياسية.
لماذا اقترحتم تشكيل جسم جديد لصياغة الدستور أو أسندتم مهمة صياغة الدستور لجسم جديد بينما هناك جسم منتخب أنجز مشروع وينتظر استفتاء الشعب عليه؟
أكدت إمنينة أن الإجابة على مسألة الدستور الجديد أو لماذا البحث؟ يمكن الإجابة عليه باستفاضة في المسار الثالث، ولكن بشكل عام فإن شرعية مشروع الدستور الحالي تأخرت كثيرا وأصبحت على المحك لأن تعديل 12 أنهى دور لجنة صياغة الدستور وشرعيتها القانونية وكل المواضيع العالقة بالعملية الدستورية.
وأضافت أن الرؤية هي أن يتم الاستفتاء على دستور موجود، أو أن يُعاد فتحه من جديد، متابعة أن هناك كثير من المشاكل المرتبطة بالدستور، حيث أن أعضاء الهيئة التأسيسية لديهم وجهة نظر مختلفة، لكن الدستور واجه مشاكل، واعتبر أنه مسودة وتم تسليمها للمشرع الذي ألغى كل ما يتعلق بالنقاط المُنظمة للعملية الدستورية وأصبح الآن المجال مفتوح للتعاطي مع السؤال الدستوري أو مع موضوع الدستور بشكل مختلف.
وأشارت إلى أن المسار الثالث يركز على العملية الدستورية، حيث يتناول ماذا لو يتم تحريك العجلة الدستورية حتى بالاستفتاء على ما هو موجود أو يتم إعادة فتحه وكيفية تناول قضايا خلافية فيه.
المسار الثالث الذي توصلت إليه اللجنة الاستشارية، يتضمن التوصل لدستور والاستفتاء عليه قبل إجراء أي انتخابات.
وفي هذا الصدد طرح سؤال حول الفرق بين المسارين الثاني والثالث؟ في الثاني اسندتم مهمة صياغة الدستور للمجلس التشريعي الجديد المنتخب، وأوضحتم أن الدستور الجديد هو الذي سينظم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، هذا يعني أن الفرق أنكم اسندتم مهمة صياغة الدستور لجسم واضح منتخب؟
وصفت عضو اللجنة الاستشارية عبير إمنينة المسار الثالث بـ “الصعب” لأنه يشترط إيجاد تسوية سياسية حقيقية، حيث يجب إقناع المؤسسات الموجودة الآن بالقيام بعملية الاستفتاء على الدستور، وبالتالي تبرز الحاجة لتوحيد المؤسسات الموجودة الآن لإعادة فتح أو إعادة طرح موضوع الدستور.
وأضافت أن هذا عملية صعبة، لأن المسودة جاهزة منذ عام 2017، ولم تحرك ساكنة، بل للأسف تم استخدام مشروع الدستور كوسيلة لتعطيل أي عملية انتخابية.
وأشارت إلى أن عبد الحميد الدبيبة يتعامل مع الموضوع في حال الحديث عن انتخابات بأنه لن يسلم السلطة إلا عن طريق الدستور، وعند انتهاء الضغوط التي يتعرض لها يتم تجاهل موضوع الدستور.
وقالت إمنينه إن هذا هو الفرق ما بين المسارين، وأنا أرى أن تنفيذ المسار الثالث صعب نوعاً ما، لأن ثماني سنوات لم تسفر عن أي نتيجة، فما الذي سيتحقق الآن! كما أننا في المسار الثالث سنواجه مشكلة من تسند له مهام الاستفتاء لأننا سنتعامل مع أجسام باقية، وبالتالي هذه الأجسام هي من يجب أن تتولى مهمة الإشراف على الاستفتاء وتنفيذه.
وختمت إجابتها على السؤال بالتأكيد على أنها ترى أن المسار الثالث في هذه الحالة هو dead end من البداية طريق مسدود، هو مسار ولد ميت.
لماذا وجد المسار إذاً؟
موجود لأنه من المهم أيضاً الحديث عن مسودة بغض النظر، حتى إذا رأينا أنه ميت، كما أنه مهم لأن هناك لجنة على قدر من الاحترام وقدر كبير من الدراية عملت فيه وقامت بإنجاز جزء كبير منه، لذلك يجب أن يُحترم.
وأضافت أن هناك بعض الجزئيات كان من الممكن أن يتم إعادة مناقشتها، ولكم من المجحف ألا يتم الإشارة إليه، فلربما تحدث المفاجأة ويتم الاستفتاء تحت شعور التهديد من قبل المؤسسات الموجودة، سواء تهديد برحيل أو تهديد بالتلاشي.
هل برأيك من غير الصواب الاتجاه للانتخابات قبل الاستفتاء على الدستور؟
أكدت إمنينة أنه من المهم جدا الاتجاه للانتخابات قبل الاستفتاء على الدستور، مضيفة أن هذا الرأي طرحته منذ حوار جنيف، على الرغم من أن الاستفتاء على الدستور هو الأساس، ولكن للأسف، في إطار المؤسسات الحالية والاستقطابات التي تتم يجب التوجه لانتخابات.
وأضافت أنه في حال طرح رأي قد يتماشى مع مصلحة أحد الأطراف السياسية يتم شيطنة هذا الرأي، متابعة أنها تفضل أن يكون هناك دستور لأن هذا يختصر الكثير الكثير، وأنها كانت تتمنى أن يطرح عملية الدستور، لكن التعاطي مع موضوع الاستفتاء على الدستور كان يعطل به العملية السياسية، مؤكدة أن هذا هو المؤسف في الموضوع.
هناك مطالبات من الشارع في المظاهرات التي خرجت مؤخراً في طرابلس تتضمن تسليم زمام الأمور للمحكمة العلية أو المجلس الأعلى للقضاء، وإدارة حكومة تسير أعمال والاستفتاء على الدستور، هل طرح مسار مشابه في ورش عمل اللجنة الاستشارية؟ هل فكرت في المجلس الأعلى للقضاء؟
نعم، طُرح هذا الخيار بالفعل. لكن أغلب القانونيين الذين شاركوا في الورش رأوا ضرورة إبعاد السلطة القضائية بالكامل عن العملية السياسية، حفاظًا على حيادها واستقلالها.
طُرحت أيضًا فكرة تسليم الأمور إلى رئيس مجلس الأمن القومي، باعتباره جهة غير منقسمة ويتبع لمجلس النواب، وله تواصل كذلك مع حكومة الغرب.
لكن هذه الطروحات ظلت في إطار نقاش عام ولم يتم تبنيها كخيار رسمي ضمن المسارات، لأن هدفنا كان التركيز على بدائل تستند إلى مؤسسات قائمة أو ممكنة التشكيل عبر توافق سياسي، وليست حلولًا خارج الإطار المؤسسي بالكامل.
المطالب الشعبية تفضل الحلول الأسرع، ما يعني أن الناس تشعر أن عامين يعتبران مدة طويلة وقد تطول أكثر خاصة مع التجارب الحالية، لذلك ذهب البعض لطرح فكرة اللجوء إلى دستور المملكة المعدل، فهل تناولت اللجنة هذا الخيار ولماذا لم يكن موجودًا من ضمن التوصيات؟
أجابت عضو اللجنة الاستشارية عبير إمنينة بأنه طرح بشكل خجول، ربما توقيت الطرح كان غير ملائم لأنه كان في البداية، ولم تكن الخيارات قد تبلورت في الأذهان بعد، لأننا كنا نحاول تفكيك القضايا الثلاثية والبحث عن حلول لها أو البحث عن أدوار قانونية ودستورية خاصة ببعض القضايا، لذلك تم طرحه بشكل سريع ولم يتم إدراجها حقيقةً.
ما الدور الذي لعبته بعثة الأمم المتحدة خلال ورش العمل؟ هل كانت طرفًا مؤثرًا أم مجرّد مستمع؟ خاصة أن هناك من يتهمها بإبعاد ليبيا عن المسار الدستوري؟
قالت إمنينة في إطار عملنا داخل اللجنة الاستشارية، كانت البعثة تؤدي دورًا لوجستيًا وتنظيميًا فقط، ولم تتدخل في مضمون الحوارات أو القرارات. نحن من شكلنا لجنة الصياغة، ونحن من تولى كتابة محاضر الجلسات والمسودات النهائية.
البعثة كانت متاحة لتقديم المساعدة الفنية فقط، كترتيب العروض أو دعم بعض الأمور التقنية. لكن، نعم، خلال اجتماعات مع لجنة 6+6، تم توجيه اتهام مباشر للبعثة بأنها أصبحت طرفًا في الصراع بدل أن تكون جهة محايدة. هذا الاتهام طُرح بوضوح من بعض أعضاء مجلس النواب والدولة، وحتى في لقاءات المجتمع المدني معهم بالخارج.
أما بالنسبة لأعمال لجنتنا، فلم نلحظ أي تدخل فعلي. بالعكس، حين طرحنا مسارات بديلة للمسارات القانونية التي جاءت بها لجنة 6+6، تم ذلك بمبادرة ليبية خالصة، وبدون أي توجيه من البعثة.
يتبع المسار الرابع…