أحمد بشير العيلة
يا وجعي
سجّل يا وجعي :
ذُبِحَ اليوم الطفلُ الخامس بعد الألف لهذا الأسبوع
وتفتت جسد فتاة كانت تركض بين دموع
انهارت مدنٌ كاملةٌ يذبحها الجوع
يا وجعي
كيف كسرتَ قوادم خيلٍ راكضةٍ في حلمي المشروع بأن أصبح شيئاً من بشرٍ عادي
كيف حرقت بيادر أفكاري في أن أكتب ما يرفعني فوق همومي كي أتنفس أكسيجيناً خالٍ من أي سموم
كيف سحنتَ عظامي المصلوبة في وجه الريح
كيف نحرتَ صغاراً كانوا يسترقون السمع على نبضي
كيف؟
يا وجعي سجّل إني منذ خروج الروح من الطين بقيت بلا لغةٍ إلا (الآه)
لا ضوء يغامر أن يدخل روحي في هذي الظلمات
أغرق في وحلٍ ممتدٍ للمالا أملٍ في أن أبني بيتاً لصغارٍ قتلوا صبح اليوم
مكتوبٌ اسمي في التوراة بسم العقرب، أني مقتولٌ منذ نزولي من رحم الرغبة في التكوين
قد جاء إلى الدنيا خطأً…
فاغتالوني حين وُلدت
واغتالوني حين ثُكِلت
واغتالوني حين بُعثت
هذي التوراة تسجل سيرة موتي شلواً شلوا
تسحلُ للأسفار عظامي
هذي التوراة تصبّ الزيت الساخن فوق رجائي حين يمد يديه من الخارطة السوداء
تصهر عظمي كي يُفرَغ في أعمدة الهيكل وهو يزمجرُ في وسط دعائي كي أنجو
يا وجعي ..
إني في غزةَ أكتبُ أسماء الناس على جسدي حين يموت الناس
إني في غزة مقبرةٌ تصلح أن تصعد لسماءٍ لم تُفتَح بعد
جسدي مقبرةٌ كبرى للأحباب
جسدي أخدودٌ أعمق من وجع الدنيا
تنهشني كل قذائفهم يا وجعي
إني أتفجر في اليوم ثلاثين جنوناً
جسدي مسكونٌ بالأشلاء وبالأموات وبالأحياء
بنساءٍ يحملن ركاماً ويلدن ركاماً بل يصبحن مع الألم ركام
بطيورٍ تشهد أن القصف يجيء من التوراة،
من سفر التثنية العشرين تماماً
جسدي مسكونٌ برماد نخيلٍ يرفض أن يعلن موتي
يا وجعي
قلبي مدفونٌ لا أدري أين
أركضُ ليل نهارٍ فوق حطامٍ أبديٍ لا يعرفني
يا قلبي هل أنتَ بخير
هل تنبض تحت ركامي أم صرتَ ركاماً مثلي؟
هل تعقل ما يجري حولي من أوجاع؟
يا مخزن حزني الأكبر من حزن العالم
خذني نحوك كي أشعر أني أشعر
يا قلبي؛ من بعدك لا أعرف إلا وجعي
يصحبني كالجرو الجائع حين أهيم
لم يفهم هذا الجرو لماذا أركض
ألقمه حجراً
وجعي يتألم وهو يحاول أن يفهم ما قلت مساءً عن معنى أن أُوجد حيّا
لا يفقه لغة الطير الساكن في أفكاري
لا يعرف لغة الدمع الهاطل في لغتي
يتأمل وجهِي الأصفر وهو يحاول أن يصنع نظريات وجودٍ لم توجد
يعوِي من جوعٍ لا يرحم
وأنا أتفتت يا وجعي
عليّ أصبح يوماً
جمراً
أو قبساً من ضوءٍ
أو حتى بعض بذورٍ ضائعة في الملكوت
يا وجعي
اتركني في هذا الصمت
أعيد بناء ركامي
وأموت