على بعد نحو 450 كيلومتراً جنوب العاصمة طرابلس، وفوق جبال وادي آلاس الواقعة بعد حوالي 60 كيلومتراً من مدينة مزدة، تتوارى قرية “الخرب” بين الصخور والشعاب، حاملة في صمتها تاريخ مجتمع كان يوماً ينبض بالحياة، قبل أن يغادرها آخر سكانها في أواخر ستينيات القرن الماضي، تاركاً وراءه أبواب البيوت موصدة وقصصاً تسكن الجدران.
كانت قرية الخرب موطن لمجتمع متكامل من عائلات “الفنانير” و”الديورة”، الذين عاشوا حياة مستقرة، يعتمدون في معيشتهم على الزراعة والصيد والتجارة، تزينت شعاب القرية بأشجار اللوز والكرم والنخيل، فيما اعتمد السكان على “عين الماء” الواقعة في منتصف الجبل كمصدر وحيد للمياه، تتدفق بفعل الطبيعة وتروي ما تُعرف محلياً بـ”الجسور” أراضٍ زراعية تُسقى بماء المطر فقط.
عرفت القرية بحيويتها، إذ كانت تستقبل قوافل التمر القادمة من فزان، وتستفيد من خيرات وديان آلاس ووسيق، كما امتهن أهلها صيد “الودان”، الحيوان الجبلي الذي كان شائعاً في المنطقة.
اليوم، تقف قرية الخرب كأنها حارس صامت لذاكرة شاهدة على حقبة من التكاتف والبساطة، ورمزاً لمجتمعات اندثرت مع الزمن لكنها ما زالت حيّة في وجدان من يعرف تاريخ المكان.