تصاعد التوتر بين ليبيا واليونان إثر إعلان أثينا طرح عطاءات دولية للتنقيب البحري جنوب جزيرة كريت، في خطوة اعتبرتها الحكومتان الليبيتان انتهاكا للسيادة الوطنية وخرقا للقانون الدولي للبحار.
فما خلفيات هذا النزاع البحري المتجدد؟ وأين تتجه جهود الوساطة الإقليمية؟
جذور النزاع وخلفياته القانونية
يرجع أصل الخلاف البحري إلى الاتفاقية المثيرة للجدل التي وقّعتها حكومة الوفاق الوطني الليبية مع تركيا عام 2019 بشأن ترسيم الحدود البحرية، وقد أثارت هذه الاتفاقية اعتراضا شديدا من اليونان، التي وصفتها بأنها “غير شرعية” وتجاهلا لسيادتها.
تعتبر أثينا أن المياه جنوب كريت تقع ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة (EEZ) بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، في حين ترى ليبيا أن هذه المناطق “موضع نزاع لم يُحسم قانونيا “، ولا يحق لأي طرف التصرف فيها بصورة أحادية.
العطاءات اليونانية تثير التصعيد
في مايو 2025، أعلنت الحكومة اليونانية طرح عطاءات دولية للتنقيب عن الغاز في منطقتين بحريتين جنوب وغرب كريت، بدعوة شركات كبرى من بينها “شيفرون” الأميركية، وسط تقارير عن وجود مكامن واعدة للغاز.
ورغم تأكيد اليونان أن أنشطتها قانونية وتتم ضمن مياهها السيادية، اعتبرت ليبيا هذه الخطوة “عدوانية” و”غير قانونية”، مطالبة بوقف فوري للعطاءات والانخراط في حوار مباشر.
رفض ليبي موحّد
أعربت وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية عن رفضها ما وصفته بـ”الإجراءات الأحادية” من جانب أثينا، مؤكدة أن المناطق المشمولة في العطاءات تقع ضمن “منطقة بحرية متنازع عليها”، وداعية إلى “إعطاء الأولوية للتفاوض”.
وكما أصدرت وزارة الخارجية بالحكومة الليبية مساء الجمعة بيانا مماثلا أعربت فيه عن “قلقها البالغ” من الخطوة اليونانية، ووصفت العطاءات بأنها “انتهاك غير قانوني وعدواني”، داعية إلى الوقف الفوري لأي أنشطة استكشافية في المناطق المتنازع عليها.


روما تتحرك لاحتواء التوتر
في ظل هذا التصعيد، تعقد الحكومة الإيطالية مساء اليوم الجمعة اجتماعا طارئا في قصر “كيجي” بالعاصمة روما، برئاسة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني وبحضور عدد من الوزراء المعنيين.
ويهدف الاجتماع إلى تقييم تداعيات الأزمة على الأمن الإقليمي، وخاصة ملف الهجرة، في ظل ارتفاع أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من السواحل الليبية بنسبة 7% خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، بحسب وكالة “فرونتكس”، رغم تراجع عام في حركة الهجرة نحو أوروبا.
وتسعى إيطاليا للعب دور وساطة في الأزمة، في محاولة لتفادي انزلاق التوتر إلى صدام أوسع في شرق المتوسط.
تحرك دبلوماسي مرتقب
لنزع فتيل الأزمة ، أعلن وزير الخارجية اليوناني جورج جيرابيتريتيس عزمه زيارة ليبيا خلال الأسابيع المقبلة، لبحث ملف ترسيم الحدود البحرية وفتح قنوات تواصل مباشر مع المسؤولين الليبيين، في خطوة قد تمهد لحوار أكثر واقعية إذا ما توفرت الإرادة السياسية.
تأتي هذه التطورات في وقت حرج تشهده المنطقة، حيث تتقاطع ملفات الطاقة والسيادة والتحالفات الإقليمية، وسط مساعٍ أوروبية لفك الارتباط بالطاقة الروسية.
وبينما تسعى دول شرق المتوسط لتعزيز مواقعها الجيوسياسية من خلال ثروات الغاز، يبقى مستقبل النزاع البحري مرهونا بقدرة الأطراف على تغليب لغة الحوار على السياسات الأحادية.