محمد زيادة
قرأت المقال عن أحد الإعلاميين العرب وعن الأستاذ محمد زيادة الذي لم ينقله واكتفى لكونه يمس كل إعلام عربي بل بتصرف في أهم جزئياته ومتنه وها المنصة الليبية الإخبارية تطرحه للقارئ المثقف .
________________
في صميم كل نظام إدراكي بشري، يستقر التحيّز كآلية دفاعية ونفسية، تلوّن الواقع وتعيد تشكيله بما يتماشى مع ” أنا ” الفرد وهواه الجمعي .. كما يشرح ” دانيال كانيمان ” في كتابه التفكير السريع والبطيء _ فإن الإنسان لا يتعامل مع المعلومات بحياد رياضي، بل من خلال فلاتر معرفية غير واعية، تشكل ما يسميه بـ “الانحياز التأكيدي” و ” التحامل الإدراكي ” .
هذه الفلاتر لا تعيد فقط تفسير الواقع ، بل تختزل الحقيقة ، وتعيد إنتاجها بشكل انتقائي بما يتماشى وهواه .. وعند الانتقال إلى ساحة الخطاب السياسي ، تصبح هذه الانحيازات أدوات ، لا مجرد أعراض .. نعوم تشومسكي .. في تحليله لآليات الإعلام الحديث، يبين كيف أن الخطاب السياسي والإعلامي يُمارس كصناعة للرأي العام .. وليس كوسيلة لنقله تُقْتَطَع العبارات .. ويتم إعادة توجيه السياقات .. وتحريف النيّات .. لصناعة تصور يخدم أجندة جماعية .. أو انفعالًا شعبيًا.
والجوهر المغلف ببريق الأضواء الساطعة والضجيج الصاخب يظهر كما يقول نعوم تشومسكي : الإعلام الحديث لا يعكس الرأي العام بقدر ما يخلق هذا الرأي .. ويوجهه نحو اتجاهات تخدم مصالح النخب السياسية والاقتصادية .. فهو ليس مرآة تعكس الواقع .. بل مصنع لإنتاج الصورة التي تريدها السلطة أن يراها الناس .
إن التحيّز ليس فقط انحرافًا معرفيًا .. بل فعلاً سياسياً .. يعيد كتابة الوقائع .. ويصوغ وعي الجماهير .. ويعيد تدوير الأكاذيب على أنها حقائق .. وهذا ما يمكن تسميته – بلسان تشومسكي، ” الرضا التصنيعي” حيث لا يتم قمع الحقيقة .. بل استبدالها بقصة جذابة لكنها زائفة .
في الوطن العربي وعبر تاريخ طويل من التضليل .. يبدو هذا النمط متجذرًا في الذاكرة الثقافية والتاريخ السياسي .. حيث أُعيد تشكيل التاريخ مرارا وتكرارا لا بناءً على ما حدث .. بل بناءً على ما أرادت المجتمعات أن تصدقه .