الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-06-30

10:58 مساءً

أهم اللأخبار

2025-06-30 10:58 مساءً

الدكتور شعبان عوض  : سيرة في مسيرة

01

أحمد النايلي

لماذا نكتب سيرتنا الذاتية؟ ، لماذا نريد أن نُعلم الأخرين بماهيتنا ورؤيتنا وشهادتنا وتجربتنا تجاه الاحداث الدائرة بنا والشخوص والوجود برمته ، هل هي رغبة في البوح أم هي إفادةٌ يجب أن ننثرها ، هل تنطلق هذه السيرة من مكانتنا  في صنع تلك الاحداث الماضوية أو  من معاصرتها كشهود ،  أو تنطلق من دوافعنا الذاتية أو من حثّ الاخرين كمحفزين لنا لأنهم رأوا أننا يجب أن نكتبها ، ربما هذا السؤال هو الذي حاول الدكتور الشاعر اللغوي الليبي شعبان عوض العبيدي أستاذ اللغة العربية بجامعة بنغازي أن يُجيب عليه في مقدّمة سيرته الذاتية التي نعرضها في هذه المقالة ،و المعنونة تحت عنوان : سيرة في مسيرة (حكايات وروايات) والصادرة عام 2024 ،والتي كان متردداً في كتابتها وفق قوله ، حيث ذكر أن كتابتها جاءت بعدما  دعاه تلاميذه وأصفياؤه أن يكتب سيرته الذاتية ، والتي أشار الى أنّ ما يميّزها  أنه ولد كفيفاً لم يصبْه العمى أو الكفف في شبابه أو كهولته ، إنما ولد كفيفاً وليس فيها سوى أن هذا الكفيف استطاع أن يبدأ دراسته بعيداً عن الدراسات الخاصة بالمكفوفين ، ولم تتبناه جمعية خاصة بالمكفوفين  .

سيرة الدكتور شعبان عوض سيرة سردية وصفية تحاول الموازنة بين الشخصي والعام ، وتعتمد على منطق زمني يبدأ منذ طفولته في منطقة لملودة بالجبل الاخضر ، لينطلق بنا بعد ذلك الى مدينة طبرق في الشرق الليبي وبداية رحلته العلمية في المدرسة الابتدائية ثم الى مدينة البيضاء والدراسة في المعهد الديني ثم الى الجامعة في بنغازي والتي تخللتها رحلته الى مصر وإعداد أطروحة  الدكتوراة في جامعة الاسكندرية ، ثم فترة العمل في الجامعة وتقلّد بعض الوظائف ، وعمله نقيباً لأعضاء هيئة التدريس في كلية الآداب  .

ولد الدكتور شعبان عوض عام 1951 في مدينة القبة بالجبل الأخضر شرق ليبيا ، في بيئة بدوية عربية بمنطقة الجبل الأخضر ، مزدانة بقيم العرب من الكرم والأخلاق والعادات والتقاليد والبحث عن الكلأ والمرعى، حيث كانت ولادته مع انطلاق مشروع الدولة الليبية الحديثة ، حيث لم تكن ظروف الحياة سهلة وميسورة ، فلقد بدأت التنمية مع انطلاق مشروع الدولة الليبية ، وهو ما حاول الدكتور شعبان الحديث عنه من خلال الحديث عن المدارس وافتتاحها في القرى والمناطق ، وحديثه عن عدم وجود مدارس خاصة بالمكفوفين  في ذلك الوقت ؛ مما دعاه الى دخول المدارس العامة بشغف وعشق ، هذه المدارس التي كانت تقدم أجواء جديدة لجيل تلك المرحلة و تلقفها بفرح وسرور ، فهي لم تكتفِ بتقديم العلم فقط بل بتقديم الطعام لطلابها في فترة ليبيا ماقبل النفط .

الدكتور شعبان عوض رجل اكاديمي مثقف عصامي تحدى الصعاب في سبيل أن يحقق ذاته في أن يكون ماكان عليه اليوم ، شغوفٌ بالعلم وتحصيله ، وهو مانراه في حفظه للقرآن الكريم في المرحلة الابتدائية بطبرق و حصوله على الترتيب الأول عام 1977 على مستوى الثانويات الدينية في القطر الليبي ، وكان صاحب الترتيب الأول على  دفعته في الجامعة  ، فرغم ظروفه المتعلقة كونه كفيفاً ، إلا أنه كان أفضل من المبصرين في مجال التحصيل العلمي ، فهو الشغوف بالقراءة من خلال استعانته بمن يقرؤون له في فترات مختلفة وسابقة ومستدامة ، مثل الكاتب والمؤرخ سالم الكبتي والذي كان نافذته على الكاتب الليبي الصادق النيهوم و الأستاذ موسى عمر الفضيل والإعلامي أحمد خليفة ، وهي قراءة منظمة ودائمة لعدة سنوات ، والدكتور شعبان صاحب ذاكرة قوية ، تتجسد في ذكره للتفاصيل الدقيقة والتي مرّت عليها السنون ، حيث يتذكر أسماء ونَسب كل اساتذته وجيرانه والعديد من الاحداث الصغيرة ، بل و يتذكر بِزّة استاذه وصوته ، ويحفظ الشعر العربي بصفة عامة وخاصة القديم مثل حفظه منظومة الشاطبية والتي تحتص بتعليم القراءات القرآنية  ، وحفظه للشعر الذي نراه في منشوراته عبر وسائل التواصل الاجتماعي ،  حتى أن البعض بالغ في قوة ذاكرته وادّعى أنه  عندما كان طالباً جامعياً كان يكتفي بحضور المحاضرات دون المذاكرة والمراجعة بعد ذلك .

قدّم الدكتور شعبان عوض في سيرته ملامح الوحدة الوطنية الليبية وأشار اليها بشكل غير مباشر ، عندما تحدّث عن الشخوص الليبية ، ممثلين في جيرانه في منزله في طبرق عندما كان طفلاً ، والذين ينتمون الى قبائل ومدن ليبية مختلفة مثل مصراته و زليطن والبيضاء وطبرق أو الى اساتذته الذين درّسوه من غرب ليبيا ، كما أن الدكتور شعبان وكما نستنتج ونستشف من قراءة سيرته أنه يتجاوز القطرية الليبية ليتبنى الهوية العربية ، فهو قومي الهوي ، وهذا ليس بغريب فهو ابن السياق التاريخي ، والذي كان مشتعلاً بالفكر القومي الناصري والقضايا العربية وصوت العرب ، ناهيك أنه ابن اللغة العربية وآدابها وشعرائها ،ولكونه شاعراً بالفصحى عُرف باهتمامه بقضايا العروبة فهو القائل في قصيدة “صرخة يعربية ” :

أمجداً للعروبة أم سرابَ – أعيدوها ليالينا العِذابَ

بالإضافة الى قصائد أخرى تناولت قضايا عربية أخرى ، مثل قصيدة   ” بيروت غرناطة أخرى ”  ،هذا وقد نشر القصيدتين  في ديوانه الأول لا أكتم الشوق ، الذي نشره عام 2010 ، بالإضافة الى قصيدة  ” مجد أضعناه بليل ” والتي تدور في ذات المجال ، وهنا  نطرح سؤالاً مهماً لماذا تأخر د. شعبان في اصدار هذا الديون ؛ رغم أنه يكتب الشعر منذ عِقد الثمانينيات ، هل يعود لحجم المنجز الذي لم يكتمل حتى ذلك الوقت ؟ أو لأنه وكما ذكر في سيرته  لا يَعدُ نفسه شاعراً كبيراً ولا يعد قصائده من عيون الشعر ، وأن عمله الاكاديمي طغى على شاعريته أو لأسباب أخرى  ، رغم أن بعض شعره حظي بقبول وشهرة مثل قصيدة صرخة يعربية ، والتي نالت قبولاً رسمياً وشعبياً.

ورغم أن الدكتور شعبان عوض ابن البيئة البدوية وجده الشاعر الشعبي سالم البنكه  لكنه لم يعطِ مساحة كبيرة للأدب الشعبي وخاصة الشعر في سيرته ، فهو القائل : إن الشعر في حياتي يبدأ بالشعر الشعبي ومعه ، فلم نرَ وجوده في سيرته مقارنة باللغة العربية الفصحى ، بل أشار الى أنه يكتب الشعر الشعبي ولكنه لا يبوح به إلّا للخواص وفق قوله ، فهل يعود ذلك الى اهتمامه باللغة الفصحى و أدابها ،واقتناعه بأن اللغة العربية  هي اللغة الفصحى وليست العامية أم أن ذلك يعود لشاعريته الشعبية  وفق رأيه والتي يراها في إطار المحاولات.

سيرة الدكتور عوض ناءت بنفسها عن الحالة السياسية في ليبيا ، فلا نجد اصطفافاً سياسياً مع النظام الملكي أو الجمهوري أو الجماهيري ، أو الحديث عن الاشتراكية أوالليبرالية ، أو إبداء وجهات نظر سياسية تجاه العديد من القضايا السياسية التي واجهت مسيرة الدولة الليبية  ، فهو لم يُشرْ إلّا للقضايا العربية القومية ، مثل النكسة وفلسطين واجتياح بيروت ، ولتأكيد هذه الرؤية (الحياد السياسي) نراه يدفع عن ذاته كل التُهم التي وِجّهت إليه بأنه كان منتمياً للنظام السابق ، مع إشارته في السيرة الى أنّ هذا النظام لم يُسِئْ إليه أبداً.

 واستراتيجية الدكتور عوض لا تميل الى تبيان ونقد الشخوص ، وحتى في حالة حدوث ذلك لا تعرف شخصية المعني بالنقد  ، ويتضح ذلك حتى في الشعر ، لذلك نراه لا  يستخدم غرض الهجاء في شعره وفق قوله ، فهو يميل الى ذكر الإيجابيات والفضائل للأشخاص .

الدكتور شعبان هو ابن التعليم الديني ، والذي انعكس في مسيرته كواعظ أو خطيب جمعة ، فهو الذي لا ينسى شيوخه الذين علموه بمديحه إياهم بين الفينة والأخرى في سيرته ، وهو يمزج بين شخصية الاكاديمي في الجامعة المنضبط منهجياً والخطيب في الجامع الذي تحكمه مصادر التشريع ، وأذكر أنني عندما سألته ذات يوم عن هُوية شخصيته ، هل هي شخصية الواعظ أو الاكاديمي الشاعر؟ فأجابني أنه يرى الاثنين في شخصيته .

  حاول الدكتور شعبان من خلال هذه السيرة أن يتحدث عن الأمكنة والشخوص والاحداث مثل المساجد والكنائس والأندية   وووالخ في المناطق التي عاش فيها ، بل وتحدّث عن الكثير من الاحداث الصغيرة مثل ما حدث بين الطلاب الاريتريين والاثيوبيين في المعهد الديني بمدينة البيضاء ، فهو لا يميل الى ذكر الشخوص العامة المشهورة بل يتحدّث عن شخوص الحياة اليومية مثل المعلم والتاجر والجار والطالب وكذلك البرّاح في السوق والخال والعم ، كما أنّ الدكتور شعبان المختص علمياً والذي درس التعليل اللغوي في كتاب الكتاب لسيبوية لم يتعرّض في سيرته للقضايا العلمية اللغوية الأدبية التي واجهت مسيرته خلال تعلّمه وتعليمه ، إلّا في النذر اليسير مثل حديثه عن ماحدث له مع استاذه العراقي د. عبدالمنعم الزبيدي وضرورة أسبقية معرفة الادب الوسيط (المملوكي والايوبي) لنعرف الادب الحديث ، وكيف كان يحفظ بعض شعر تلك المرحلة مثل شعر ابن السَّاعَاتي والذي يعكس سعة اطلاعه المبكرة ، كما أنه لم يتحدث عن أرائه ورؤيته تجاه التجربة الأدبية الليبية وخاصة الشعر أو عن المناخ الثقافي الليبي بصفة عامة ، أو عن الشعراء الليبيين والعرب الذين تأثر بهم ، وخاصة ونحن في مسيس الحاجة لأراء المتخصصين النقدية في المشهد الادبي الليبي ، كما أنه لم يلتفت لقضايا الشعر العربي المعاصر مثل قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر والمدارس النقدية الغربية مثل البنيوية والتفكيكية والسيميائية والتداولية ، ربما لأن الدكتور شعبان رأى أنّ المقام لا يتسع لذكر كل ذلك في سيرته ، فهي سيرة لحياته الاجتماعية والعملية وليست سيرة لأفكاره وأرائه العلمية ، لكن مع ذلك نتمنى أن يمارس فعل النقد تجاه المشهد الثقافي الليبي الذي يعوزه الكثير منه ، بل وربما يفتقده البتّه.

ونرى في هذه السيرة بعضاً من مشاهد الشفافية ، فلا نراه  دائما هو على حق فيما تعرّض له من أحداث ، ففي بعض الأحيان نراه يعترف بهنّاته إذا أخطأ تجاه شخص ما ، أو إذا جانبه التقصير في فعل ما ، مثلما حدث مع استاذه في المرحلة الابتدائية الشيخ عاشور الشعافي ، كما أنه كان محترزاً في اطلاق الاحكام ، ففي بعض المواضع التي لا يكون متأكداً يشير الى ذلك منعاً للوقوع في الخطأ ، وفي هذا الاطار أذكر أني أجريت معه تسجيلاً اذاعياً قصيراً بعد عودته من مصر في نهاية تسعينيات القرن الماضي وكان محوره واقع اللغة العربية لصالح إذاعة بنغازي المحلية ، عندما قلت له إننا لم نعد نرى مثقفين يقرؤون للأدباء والكتاب فأجابني أن الكثير لا يقرؤون متون الكتب بل يقرؤون عناوينها ويستخدمونها في حديثهم فيعطون المستمع انطباعاً أنهم تصدوا لها ، وهذه النصيحة مازالت عالقة في ذهني حتى الآن ، واستفدت منها كثيراً في برامجي الثقافية التي تتطلب التفحّص والتدقيق لا العناوين العامة ، وكشفت لي ضعف الكثير من الضيوف الذين استضفتهم في برامجي والذين كانوا يطلقون الكلام على عواهنه دون دليل أو حجة ، ويخلطون بين التدّلال العلمي والرأي الانطباعي .

الدكتور شعبان عوض من عشاق الراديو الذي تربى عليه منذ نعومة أظفاره ، لذلك خصص بعض سيرته حول الإذاعات التي كان بثُها يصل الى مدينة طبرق محل سكناه آنذاك، متحدثاً حول برامجها ومذيعيها بالتفصيل ، لقد كان صندوق العجايب كما كان يُسمّى أو الراديو نافذته للحصول على المعرفة ومصدراً لتكوينه الثقافي ، مثل حديثه حول برنامج   قول على قول الذي كان يقدمه الإعلامي اللغوي الفلسطيني حسن الكرمي ، والدكتور عوض لم يكتفِ بالاستماع بل قام في فترات لاحقة بإعداد برامج للإذاعة الليبية نذكر منها برنامج أنسام الايمان والذي أعتقد أنه جمعها في كتاب فيما بعد .

الدكتور شعبان عوض لديه عدد من الإصدارات والتي تتمحور في مجالي الدراسات اللغوي والدينية نذكر منها :

    ديوان  ” لا أكتم الشوق “

    مدخل إلى علم مصطلح الحديث النبويِّ

    النحو العربي؛ ومناهج التأليف والتحليل

    ايسر المسالك الى فهم الفاظ الفية ابن مالك

    تأملات من هدي القرآن

    تأمُّلات أدبيَّة

في الختام نرى أن هذه السيرة كانت ذات أسلوب سلس جميل يقودها جمال فعل الحكي  لا تمل قراءتها ، تجعلك كلماتها تتخيل الكثير من المشاهد في مخيلتك ، يضبها اللسانُ العربي ودفقُ المعلومات والابيات الشعرية ،   هي مساهمة في التعريف ببعض الحياة الاجتماعية والتعليمية في ليبيا ، وتَعرّفنا من خلالها وبالتفاصيل على شخصية كاتبها ، هذ الشخصية التي تحدّت الصعاب وعمى البصر لتصنع نور البصيرة   فأضأت أعين المبصرين المظلمة ، الدكتور شعبان عوض  وجه مشرق للعلم في بلادنا   .  

__________________ **

المسيرة الأدبية العطرة للأديب الدكتور شعبان أعدها الأستاذ الجامعي بكلية الإعلام جامعة بنغازي والإعلامي مخضرم ( أحمد النايلي ) .

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة