الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-06-30

6:24 مساءً

أهم اللأخبار

2025-06-30 6:24 مساءً

“الفتّاشة”… أكلة ليبية بحكايا أسطورية يتوارثها الأجيال احتفالاً برأس السنة الهجرية

"الفتّاشة"... أكلة ليبية بحكايا أسطورية يتوارثها الأجيال احتفالاً برأس السنة الهجرية

لا تزال أكلة “الفتّاشة” تحضر بقوة على موائد العائلات الليبية مع بداية كل عام هجري وتعرف محلياً بـ “فتاشة رأس العام” وهو الاحتفال برأس السنة الهجرية، رغم تغيّر الأجيال وتبدّل نمط الحياة، يبقى للفتاشة طقس شعبي متوارث يُجسد مزيجًا من العادات والمعتقدات.

“الفتّاشة” هي طبق كسكسي باللحم المقدد (القديد)، يُحضّر من ضلوع خروف العيد المجففة وقطع “عصبان الشمس” ما يعرف أيضاً بـ “اللواوي”، والذي يجمع في مكوناته “قطع من كرش وأمعاء ومعلاق خروف العيد الأضحى”، وتُقدَّم في اليوم الأول من شهر محرم، إيذانًا ببدء عام جديد مليء بالتفاؤل. وتختلف طريقة تحضيرها من مدينة لأخرى، لكنها تشترك في كونها وجبة مرتبطة بـ”لمة العائلة” و”النكهة الليبية الأصيلة”.

ويقول المهتم بالتراث عبدالله الوتوات إن الفتّاشة تمثل “عادات باقية وأخرى اختفت”، مشيرًا إلى أن “الليبيين كانوا يفتتحون عامهم الهجري بعبارة: (لاقي العام بالعام كسكسي وعظام)، وأن البيوت كانت تُرش بالملح أو الجير أو الدقيق تيمنًا بعام أبيض”.

ويضيف: “رغم اندثار هذه العادات في كثير من البيوت، إلا أن بعض العائلات الأصيلة ما تزال متمسكة بهذا الموروث الثقافي حتى اليوم، وتعتبره مناسبة عظيمة ومصدر سعادة”.

تعددت الروايات حول تسمية “الفتّاشة”، وأشهرها تلك المرتبطة بقصة خرافية تُروى للأطفال، مفادها أن “عجوزًا شريرة تأتي ليلًا لتفتش بطونهم، فإذا وجدتها فارغة ملأتها بالحجارة”، وذلك لحث الأطفال على تناول الطعام.

بينما تروي بعض التأويلات الأخرى أن الاسم مستمد من رمزية دينية، تُشير إلى أن ليلة دخول العام هي الليلة التي “تفتّش” فيها الملائكة أعمال البشر، فتجردهم وتفتح سجلاتهم، ولهذا سميت المناسبة بالـ”فتّاشة”.

من العادات المرتبطة بهذه المناسبة أيضًا، عادة رش الجير الأبيض على عتبات البيوت والغرف. وتقول إحدى السيدات: “أمي أطال الله في عمرها ما زالت كل عام تقوم بهذه العادة، وتتمنى أن يكون العام الجديد أبيض مثل لون الجير، مليئًا بالخير والفرح”.

وفي هذا السياق، تحكي أم الخير بورقيد أن هذه السنة كانت مميزة، إذ تناولت “الفتّاشة” رفقة عائلتها داخل البيت القديم الذي يعود تاريخه إلى أكثر من قرن، معتبرةً إياه رمزًا حضاريًا من زمن الجدات.

ويترافق مع هذه التقاليد بعض الأهازيج الشعبية المعروفة والمتناقلة ومن بينها:‏ (‏‎ ‎ﻳﺎ ﻓﺘﺎﺷﺔ ﺑﺎﻟﻘﺪﻳﺪ … ﻭﺍﻟﻠﻲ ﻣﺎﻳﺸﺒﻌﺶ ﺍﻳﺰﻳﺪ ) ‏ ويُقال أيضًا: (زوري بطون الناس يا فتاشة … وجيبي نبا الزينين من الغشاشة) ‏ وكذلك (كولو الفتاشة حيه عليكم… راهي تجيكم عزوز الليل توريكم)‏

ويقول يحيى المصراتي إن قصة “الفتّاشة” تم تناقلها من جيل إلى آخر، وكانت وسيلة لإدخال الفرح، والتربية، والردع الطريف للأطفال. وأكد المصراتي على أسطورة العجوز التي ترعب الأطفال وتفتش بطونهم.

وكتب عبد السلام الزغيبي عن طفولته في مدينة بنغازي أن من العادات والتقاليد المتوارثة في بنغازي زمان، خاصة في المناسبات الدينية مثل الاحتفال ببداية العام الهجرى، وهي سنة لم تنقطع حتى الان، حيث يبدأ الاحتفال من يوم الكبيرة ،وهو اليوم الذي يسبق بداية السنة الهجرية ،و يسمى (كبيرة الفتاشة) .

قال الزغيبي فى تلك الليلة تطبخ العائلات البنغازية، أكلة الكسسكي بالقديد وعظام لحم العيد ، المجهز في عيد الأضحى، حيث يتبادل الأهل والجيران، التهاني بالعام الهجري الجديد، أطباق الكسكسي المعد بالفتاشة، من باب صلة الرحم والمودة التي كانت سائدة في المجتمع الليبي.

ويضيف الزغيبي فى اليوم الأول من شهر محرم يقوم رب الأسرة بوضع كمية من الجير فوق كل عتبة المنزل إشعارا ً بحلول شهر محرم ، تيمناً بأن يكون العام الجديد عام خير وبركة.

الفتاشة هذا الاحتفال الذي يجوب المدن الليبية استفزت الفنان الليبي عوض أعبيدة فكانت هذه اللوحة لطقوس كسكسي الفتاشة راسخة في تاريخ الفن الليبي المعاصر، حيث اشتهر عبيدة بنقل واقع الحياة الليبية إلى رسومات تحفظ الإرث الليبي العريق وشارك بلوحاته في معارض عربية وعالمية ولاقت نجاح واسع آن ذاك.

رغم مرور الزمن واندثار بعض الطقوس، تبقى “الفتّاشة” جزءًا من ذاكرة البيت الليبي، وأكلة تقليدية تجمع حولها العائلة، وتُجسد روحًا اجتماعية ترتكز على اللمة، التراث، والحنين.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة