كشف تقرير إحصائي حديث صادر عن مركز بنغازي الطبي عن أرقام مثيرة للقلق بشأن التزايد الملحوظ في أعداد مرضى الأورام خلال عام 2024، ما يجسّد حجم الضغط المتواصل الذي تتحمله الكوادر الطبية وسط تحديات تشغيلية كبيرة ونقص إمكانيات التشخيص المبكر.
وبحسب التقرير الذي أعدّته الدكتورة هنية جعفر، رئيس قسم التوثيق والإحصاء الطبي بالمركز، فقد تم تقديم أكثر من 20,571 جرعة علاج كيماوي وعلاج حيوي للمرضى داخل العيادات التخصصية خلال عام واحد فقط، إلى جانب أكثر من 3,300 جلسة علاج كيّ بغاز النيتروجين والعلاج الضوئي والليزر العلاجي، ما يؤكد تزايد الحالات التي تحتاج إلى تدخلات علاجية معقدة ومستمرة.
وتشير البيانات إلى أن مركز بنغازي الطبي يعد من أكثر المراكز في ليبيا تحمّلًا لعبء علاج مرضى الأورام، في ظل ضعف تغطية السجل الوطني للسرطان وعدم توفر قاعدة بيانات دقيقة على مستوى البلاد. ففي الوقت الذي أظهرت فيه بيانات المعهد القومي لعلاج الأورام في مصراتة تسجيل نحو 2,281 حالة أورام جديدة خلال عام 2024، منها حوالي 441 حالة من المدينة ذاتها، فإن المنطقة الشرقية التي يغطيها مركز بنغازي تسجّل معدلات إصابة أعلى بكثير، مما يزيد من الضغط على الإمكانات التشخيصية والعلاجية.
وتوضح سجلات طبرق الطبية مثلًا تسجيل 402 حالة أورام فقط خلال الفترة بين 2013 و2020، وهو رقم منخفض مقارنةً بعبء الحالات الذي يواجهه مركز بنغازي الطبي وحده، ما يكشف الفجوة الكبيرة في توزيع خدمات الأورام بين المدن ويبرز الحاجة إلى تحسين الوصول العادل إلى الرعاية.
وبحسب بيانات سابقة من سجل بنغازي للأورام، فإن تسجيل حالات السرطان في ليبيا وشمال إفريقيا ما يزال محدودًا للغاية. فقد أظهرت دراسة موثقة لعام 2003 تسجيل 997 حالة أورام أولية فقط في المنطقة الشرقية (1.6 مليون نسمة)، بمعدل إصابة معياري عالمي بلغ 118 لكل 100 ألف رجل و95 لكل 100 ألف امرأة، مع الإشارة إلى أن الأورام الأكثر شيوعًا بين الرجال كانت سرطانات الرئة (19%) والقولون والمستقيم (10%) والمثانة (9%)، بينما تصدّر سرطان الثدي قائمة الأورام لدى النساء بنسبة 26%.
يقدّر التقرير الحالي عدد المرضى الذين تلقّوا العلاج الكيماوي والعلاجات الحيوية بأكثر من 2,500 حالة تقريبًا في عام 2024، استنادًا إلى متوسط عدد الجرعات لكل مريض. وهو ما يعكس ارتفاعًا بنسبة تُقدَّر بحوالي 158% خلال 21 عامًا، في ظل غياب برامج فعّالة للفحص المبكر وضعف التغطية الشاملة للسجل الوطني للأورام.
وأكدت الدراسة أن هذه الأرقام تُعد أقل بكثير من المعدلات المسجلة في الدول الغربية، وهو ما يعكس ضعف التسجيل السكاني وضعف إمكانيات الفحص المبكر، رغم أن الأنماط المرصودة محليًا تختلف عن التقديرات المستندة إلى بيانات من دول مجاورة.
ويؤكد هذا التزايد الحاجة الماسّة إلى خطط عاجلة لدعم قدرات الكشف المبكر، وتحسين قاعدة بيانات الأورام على مستوى البلاد، بما يضمن توزيعًا عادلًا للخدمات وتخفيف العبء المتزايد عن مركز بنغازي الطبي.
وتشدد هذه المعطيات على ضرورة الإسراع في توسيع نطاق التسجيل الوطني لحالات السرطان، وتطوير برامج الفحص المبكر، ودعم قدرات مراكز التشخيص والعلاج في المدن الليبية كافة، لتخفيف العبء الكبير الواقع على مراكز كبرى مثل مركز بنغازي الطبي الذي يتحمل وحده حاليًا النسبة الأكبر من علاج حالات الأورام في المنطقة الشرقية.