لطالما آمنت بأن الكاتب الكبير إرنست هيمنغواي، بروايته الأسطورية “الشيخ والبحر”، قد خلد رحلة الإنسان في الحياة وتحدياته. فما بدا كعمل يومي اعتيادي في حياة الصياد الكوبي العجوز سانتياغو، تحول إلى أسطورة حقيقية. بعد أربعة وثمانين يومًا من الفشل الذريع في الصيد، يقرر سانتياغو الانطلاق بمفرده في عمق البحر، وهناك ينجح في الإمساك بسمكة المارلين العملاقة، ثم يربطها بقاربه الصغير. لكن رحلة العودة لا تقل وحشية، فأسماك القرش تهاجم صيده الثمين، وتتحول المعركة إلى صراع آخر للبقاء.
ورغم انتصار أسماك القرش في انتزاع لحم المارلين، يبقى الهيكل العظمي الضخم شاهدًا على رحلة بحرية خيالية هي الأصعب على الإطلاق.
لقد ألهمت روايات هيمنغواي الشباب حول العالم، ولا يزال صداها يتردد حتى اليوم.
البحر: أيقونة الصيادين ووجهة المصطافين
هذا الإلهام المتجذر في البحر يجعله أيقونة حية للصيادين. وفي فصل الصيف، يتحول البحر إلى وجهة مفضلة للباحثين عن الترويح عن النفس وقضاء أوقات ممتعة في انتعاش، رياضة، وترفيه لا يُضاهيه إلا حضن البحر نفسه.
وكما للإنسان وجوه متعددة، فإن للبحر وجوهًا أيضًا؛ وجه ضاحك باسم يداعب القلوب، ووجه آخر عابس، غادر، كما حدث مع سانتياغو. هذه الغدرة تظهر جليًا للمصطافين الذين يقضون أوقات فراغهم بلا مبالاة، وينسون في غمرة سعادتهم أن البحر “غادر” بالفعل لمن يجهل تفاصيله وحركة أمواجه وتياراته الساحبة.
حوادث مؤلمة وعبر لا تُنسى
تجسد هذه الغدرة في قصص مؤلمة، مثل حادثة الطفلة التونسية “مريم” ذات الثلاث سنوات. تغافل أهلها عنها لحظة واحدة، فابتعد بها طوفها المطاطي أمام أعينهم، وكأنهم يشيعون راحلًا. بعد ثلاثة أيام، ظهرت جثتها طافية على سطح البحر، على بُعد 20 كيلومترًا من مكان لعبها في قليبية بتونس. اهتزت تونس كلها لهذه الفاجعة. علق أختام الناصر، أحد عناصر المنتخب الوطني التونسي للغطاسين، بأن هذه الحادثة مؤلمة وفيها عبرة للمواطنين، موضحًا أن ارتباط القمر أو “الليلة المقمرة” بالتيارات البحرية هو إشارة مهمة للمواطن لفهم تحولات البحر وضراوته في هذه الليلة.
وفي ليبيا، يكون البحر في فصل الصيف، كغيره من الدول، وجهة ترفيهية ممتعة، لكنها لا تخلو من قصص مؤثرة وموجعة.
ورغم تحذيرات إدارة الإنقاذ البحري ومنشوراتها المتكررة للمواطنين للابتعاد عن الأودية الخطرة، البحر المفتوح، والأوقات التي تكثر فيها التيارات الساحبة، فإننا نلاحظ استمرار بعض المواطنين في عدم المبالاة بهذه التنبيهات، ويرسلون أطفالهم للسباحة بمفردهم دون أي مراقبة أو إنقاذ في حالة الغرق.
نحو مستقبل آمن: الحاجة لتطوير الإنقاذ البحري
في المقابل، تنشط بعض الأندية أو المدربين السباحين ذوي الخبرة في تدريب الناشئين على أساسيات السباحة، لكن ضعف الإمكانات والتجهيزات واضح للعيان، كما لا يخفى على أحد النقص العام في وجود منقذين متخصصين بقواربهم وجاهزيتهم التامة. إن الأمر قد يتطلب استخدام طائرات “الدرون” أو معدات بحث حديثة لضمان السلامة.
ولا يمكن أن ننسى ما حدث لأهلنا في مدينة درنة كأكبر كارثة طبيعية شهدتها ليبيا على مر السنوات؛ ولولا تضافر جميع الجهود، لما نهضت تلك المدينة من ذكرى تلك الأليمة.
وهي اليوم تفتح صفحة جديدة لمستقبل مشرق بفضل سواعد أبنائها وجهود الإعمار.
إن هذا الاستشهاد يذكرنا بحاجتنا الماسة لمراكز تدريب بحرية متطورة، بعناصر وطنية مدربة في الداخل والخارج. لنجعل فصل الصيف رحلة سنوية يعيشها الليبيون بحب، استمتاع، وقبل كل شيء، باطمئنان.